صحيفة المثقف

فقدان التَّحَكُّمِ في السِّيَّاسَة الاقتصَاديّة وراء جرائم تبييض الأموال.. الجزائر نموذجا

eljya aysh(من 02 إلى 05 بالمائة من الدخل العالمي الخام السنوي هي عائدات تبييض الأموال)

صفقات تبلغ الملايين تدر لأصحابها ووسطائهم عمولات وأرباح وحصص رشوة، ثروات سريعة تتكون، أموالٌ توضع في البنوك الخارجية، وقسم منها ينفق في البذخ والترف والخدمات والسياحة والفساد، يكفي أن يكون أحدهم عميلا لشركة أجنبية كبيرة ويعرف كيف يدخل السوق وينشئ العلاقات هنا وهناك، ويوزع الرشاوي، وكيف يسرق مال الدولة والشعب دون أن تنكشف لعبته، كيف يتفق مع بعض المهندسين والفنيين والمسؤولين ويقاسمهم الربح، هي طرق يكشفها البحث الحثيث عن الثراء السريع، في وقتٍ تعملُ جماهير الشعب الكادحة وتشقى ولا يزيد دخلها، بل ينقص بسبب الغلاء ثم يُطْلبُ منه أن يَتَقَشَّفَ ويُضَحِّي

يقال أن غياب الرقابة والمحاسبة الديمقراطية وراء انتشار ظاهرة تبييض الأموال، وأصبحت مصالح فئوية تتمتع بالامتيازات تتحكم في النظام الاقتصادي على حساب الطبقات الكادحة، وفرضت سيطرتها على جهات رسمية تملك وسائل مكافحة الجريمة وفي مقدمتها التهريب، ولا تستيقظ هذه الجهات إلا عندما يستفحل الخطر، تتحدث عنه أمام وسائل الإعلام، ثم تعود إلى التراخي دون معالجة الأمور معالجة كاملة ومستمرة لوضع حد للانحرافات لاسيما التهريب، الرشوة، والاختلاسات والمتاجرة بالمخدرات تحت غطاء معين، لهو دلالة على عدم سلامة البنية الاقتصادية، ومبيضي الأموال هم في واقع الأمر يدخلون في قائمة المهربين، وهم في الغالب أصحاب شركات يمتهنون تبييض الأموال بمختلف الطرف، فتجدهم يمتلكون المستودعات والمخازن والرجال والأموال وشبكة من العملاء والموزعين،  والمتأمل في القضايا التي تعرضها الجهات الأمنية ( الدرك الوطني والأمن الوطني)، يقف على أن أغلب المتورطين في الجرائم المنظمة أشخاص معنوية، كونوا شبكات وطنية ودولية لينشطوا في مجال الاستيراد والتصدير import – esport، وعن طريق المضاربة في السلع، تبدد الأموال العمومية وتخالف القرارات والمراسيم .

لقد عرف القانون رقم 05-01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال لاسيما المادة 02 والمادة 380 مكرر كل تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصلت منها هذه الممتلكات على الإفلات من الآثار القانونية لأفعاله، أو إخفاء أو تمويه الوضعية الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع علم الفاعل أنها عائدات إجرامية، وفي هذا يرى خبراء قضائيون واقتصاديون أنه من أخطار تبييض الأموال زعزعة الأسواق المالية، فقد جاء في تقرير أعده القطب الجزائي المتخصص بقسنطينة أن مبيضي الأموال ينشئون شركات واجهة يخلطون فيها المال المشروع بالمال الغير مشروع لتمويه أعمالهم حيث يدعمون أشعار منتجاتهم أو خدماتهم ليصلوا إلى سعر أدنى من سعر السوق، بغرض إقصاء الشركات التي تنشط في الشرعية، كون هذه الشرطات ليست لها القدرات لدخول المنافسة، وعل سبيل المثال، لجوء تجار المخدرات إلى الاستثمار في محلات تجارية (مطاعم، مقاهي، أو محلات بيع السيارات أو بيع الألبسة، بيع وشراء العقارات..الخ، لإخفاء أرباح المتاجرة بالمخدرات، ويلجأ هؤلاء إلى الكثير من الحيل والخدع في إيداع أموالهم المشبوهة بمؤسسات مالية (البنوك)، ثم فجأة يسحبونها، فتخلق ضائقة مالية لا تمت بصلة إلى الظروف الاقتصادية، وغالبا ما نجدهم يملكون حسابات بنكية مختلفة وأحيانا حسابات في الخارج هربا من الاكتشاف، الأسباب حسب الخبراء تعود إلى فقدان التحكم في السياسة الاقتصادية، حسب أرقام صندوق النقد الدولي، فإن عائدات تبييض الأموال في العالم من 02 إلى 05 بالمائة من الدخل العالمي الخام السنوي، أي بمعدل 600 مليار دولار، وهي مبالغ نقدية يمكن أن تضع السوق العالمية في ضائقة مالية مما جعل السياسة الاقتصادية غير ممكنة، وهذه تخلف آثارا اجتماعية سلبية وخطيرة، إذ تظهر بارونات المخدرات والمرتشين والمتهربين من الضريبة على أنهم الأكثر نجاحا اجتماعيا.

كما تكون السلطة والقوة الاقتصادية في أيديهم، وهذا يرهق الحكومة في محاربة الجريمة، ويصعب متابعتهم، كون أن هذه الفئة الإجرامية تحول أموالها من حساب إلى آخر أو إلى عملات أجنبية وتهربها نحو البنوك الأجنبية، وقد أصدر المشرع نصوصا قانونية تدين كل من قام بالتبييض من 05 إلى 10 سنوات حبسا نافذة وقد تصل مدة العقوبة إلى 20 سنة، في حالة الاعتياد وهي العقوبة المشددة، مع دفع غرامة مالي من مليون دينار إلى 12 مليون دينار وقد تصل إلى 32 مليون دينار كما جاء في المادة 389 مكرر 2، بالنسبة للشخص المعنوي (مؤسسة) وحسب طبيعة الجرم، بالإضافة إلى مصادرة ممتلكاته والعائدات التي تم تبييضها، والوسائل والمعدات التي استعملت في ارتكاب الجريمة، ومنعه من مزاولة أيّ نشاط مهني أو اجتماعي لمدة 05 سنوات مع حل الشخص المعنوي.

دور المحاكم الجزائية في مكافحة الإجرام المنظم

و للتذكير فإن المخدرات عديدة ومتنوعة، منها 1) خشخاش الأفيون، والأفيون هو عصير مادة الخشخاش مستخرج عن طريق كبسولة رأس النبات،2) نبات الكوكا، وهي شجرة مورقة ذات أوراق ناعمة وبيضاوية الشكل، تزرع في الهند وأندونيسيا وأمريكا الجنوبية، ويتم تعاطيها بالمضغ، وتؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي، تخدر المعدة، فلا يشعر متعاطيها بالجوع أو التعب، كما تؤدي شعور المتعاطي بالارتياح، 3) نبات القنب وهو نبات شجري شديد الرائحة يشبه الخشخاش، ينمو بشكل أكثر في لبنان، تركيا، مصر والمغرب، ويستخرج الحشيش أو ما يسمى بـ: " الشيرة" من القمم المزهرة للنبات، 4) المهلوسات ويدخل ضمن  المسكالين وهي مستخرج من نبات صابري من المكسيك، وكذلك البسيلوسيين وهو مستخرج من فطور مكسيكية بالإضافة إلى حامض الليزر جيد LSD، 5) المحلولات وهي نوع من المخدرات منها الفينيسيكليدين، والمواد الطيارة المنبعثة من الغراء أو المبيدات أو الأصباغ وبعض أنواع الغراء، ثم تأتي المنبهات، ويدخل ضمنها الأمفيطامين والفينميترازين، 6) المسكنات الاصطناعية ويدخل ضمنها البيتيدين.

أما العقاقير المخدرة واستعمالها لغرض غير شرعي، فهي تأخذ ثلاثة صور رئيسية وهي: تقديم عن قصد وصفة طبية صورية أو على سبيل المحاباة تحتوي على مؤثرا عقليا، تسليم مؤثرات عقلية دون وصفة أو مع العلم بالطابع الصوري أو المحاباة للوصفات الطبية، محاولة الحصول على مؤثرات عقلية قصد البيع والتي يتم الحصول عليها بواسطة الحصول على وصفات طبية صورية، وهي جرائم حظر القانون الاتجار بها، حيث يعاقب عليها بالحبس من 05 سنوات إلى 15 سنة، ويضيف التقرير أن الجرائم التي يرتكبها الشخص المعنوي من تبييض الأموال والمخدرات تطبق عليه الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية لاسيما المواد 65 مكرر إلى 65 مكرر 4 المتعلقة بتمثيل الشخص المعنوي أمام المحاكم الجزائية، هذه الأخيرة أنشأت نظرا للتحولات العميقة التي عرفتها الظاهرة الإجرامية ولغياب هيئات قضائية متخصصة في مكافحة الأشكال الجديدة للإجرام المنظم وعدم فعالية الجهات القضائية العادية، وعرفت هذه المحاكم توسعا، فنجد مثلا المحاكم الجزائية ذات الاختصاص الإقليمي، أو كما يصطلح عليه بالأقطاب الجزائية المتخصصة، وبالنظر لتخصصها في بعض الجرائم، فقد منح لها اختصاص جهوي قصد تحقيق معالجة فعالة للجريمة المنظمة، غير أن الطريقة المعمول بها في هذه المحاكم مستمدة من أنظمة قضائية أجنبية، ومنها النظام القضائي الفرنسي الذي اعتمد هذه المحاكم منذ سنة 1986 بإنشاء القطب القضائي المختص في مكافحة جرائم، وجعل محكمة باريس محكمة ذات اختصاص وطني.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم