صحيفة المثقف

رؤى نحو حكاية عربية تقدمية

تعد مسألة الخوض في بلورة وتفعيل آليات تُعنى بكيفيات كتابة حكاية فولكلورية معاصرة ذات مضمون اجتماعي  تقدمي رؤيوي، من بين أهم القضايا التي نراها تحمل راهنية كبرى في الحقل العلمي العربي المعاصر؛ هذا إذا ما تم التعامل معها بشكل علمي وحرفي في ما يتعلق بمضمون نصوصها، خصوصا منها تلك المتعلقة برؤى اجتماعية تقدمية على مختلف المستويات: الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية...تُضيء القيم البناءة داخل المجتمعات العربية، وتحيي الأمل فيها. وهذا ليس بالعسير، إذا ما نحن استحضرنا تلك العلاقة التي ميزت الإنسان بالحكي، ولاحظنا فضاءه الثقافي وما يحويه من ركام لا نهائي من المحكيات والحكايا، باعتبار أن كل فرد ينتج ويستهلك ما لا حصر له من الحكايات، ولا أحد يستطيع تصور نشاطنا اليومي بمعزل عن الحكاية؛ إذ يحكي المرء عن ذاته، وتجاربه، عن محيطه وأحلامه، بل إنه يحكي لذاته...ففعل الحكي يلازم الإنسان في أحلامه ويقظته. غير أن السؤال هو كيف يمكننا أن نحوّل هذا الحكي إلى عامل من عوامل الرقي الاجتماعي عربيا؟ وكيف سيتم الحديث عن مجتمع عربي تقدمي انطلاقا من فعل كتابة حكاية معاصرة؟ وأي دور يمكن أن تلعبه كتابة حكاية معاصرة ذات مضمون اجتماعي في تفعيل رؤى عربية تقدمية على المستوى الاجتماعي؟ وبأية صيغة؟

قد تبدو الأسئلة غريبة، بيد أننا إذا نظرنا إلى تجارب المجتمعات الراقية، نجد دور الحكي  فيها حيوي ومثمر؛ فهو حيوي في صُنع تمثلات هذه المجتمعات، قيمها، أحلامها وهي فعالة في نشر أنظمتها الفكرية والقيمية والاقتصادية الاجتماعية خارج حدود هذه المجتمعات. وذلك عن طريق صياغة حكاياتها بقوالب معاصرة تنهل من مواريثهم الثقافية، وتستجيب لمتطلبات العصر الذي يحيونه، وذلك وفق معايير مضبوطة في لغتها وأحداثها. ولعل هذا ما يدعونا اليوم إلى أن نتبنى أثناء اشتغالنا على فعل تحويل المحكي الشفهي إلى مكتوب الدقة والدراية، وذلك بمراعاة جماليات الحكي الفنية والتعبيرية، مع العمل على بلورة غايات نفعية تغلفها أساليب الإمتاع تعتمد أدوات حكائية قصدية واعية بهذه الغايات المراد تضمينها تطلعات اجتماعية تقدمية، تخدم مُتلقيها وتدفع به إلى التزود بخبرات وتجارب ومعارف، ترسخ لديه الإحساس بالانتماء إلى الجماعة والانسجام معها بشكل متحضر.

غير أن هذا رهين بكيفية التناول والاشتغال على الوسيط الذي يتحقق به هذا الانتقال من الحكاية الشفهية التي تعتمد الإدراك السمعي إلى حكاية مكتوبة تعتمد الورق أو الكتابة أو الصور شأن الأشرطة المرسومة، هذه الأخيرة التي نرى بفاعليتها باعتمادها الكتابة والرسم والإشارات البصرية والرمزية في تبليغ المعلومة ونقلها وتحويل تجارب الحاكي إلى كائنات معرفية. ما يفضي إلى اجتذاب المتلقي لفعل التلقي وانخراطه فيه بفاعلية. هذا دون إغفال قضايا تتعلق بجانب نظرية يتم المراهنة عليها أثناء هذا الاشتغال سواء على المستوى الأحداث المسرودة، التي تتوافق والرؤى المراد إبلاغها للمتلقي أو الشخصيات أو الأزمنة أو الأبعاد الدرامية...، وذلك حتى تغدو الحكاية قادرة على إعادة المحكي بصورة جديدة، تعيد لنا المحكي بصورة جديدة وبعلاقات جديدة تجعله مُعاصرا على صعيد الفهم والمعقولية، وأيضا على صعيد التوظيف الفكري الاجتماعي التقدمي على مختلف المستويات.

 

أكثيري بوجمعة

باحث في مجال الصورة السينمائية

والثقافة الشعبية المغربية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم