صحيفة المثقف

العقل المفكر والعقل المتحجر.. مع كارلوس كاستنيدا والشيخ الياكوي

eljya ayshكيف للكون أن يتطور من داخل الإنسان؟ إذا كان هذا الإنسان مجمد التفكير، لا نقول أنه بدون عقل، لكنه يفتقر إلى العقل المفكر، الذي يمكنه من أن يخرج ما هو مكبوت بداخله ويترجمه إلى أفكار وأفعال تخدم البشرية؟

تختلف القراءات من شخص لأخر كلٌّ وتخصصه، والمجال الذي يعمل فيه، أو الذي يميل إليه ، فما يراه الأديب لا يطابق ما يراه الفيلسوف أو المؤرخ ، أو العالِمِ، وحتى العلماء تختلف نظرتهم إلى الأشياء، أما من ناحية المثقف، فقد انفصلت النخبة عن المحيط الذي تعيش فيه، ووجد المثقف نفسه في الاتجاه المعاكس، وهي الآن - أي النخبة- تعيش العزلة في كل أشكالها، ولنأخذ مثالا عن ذلك ، فهروب الإنسان من واقعه وبالأخص الشباب الذي كان ضحية لعوامل كثيرة، دفعته الظروف للعيش في عالم افتراضي، فزاده هذا العالم الرحب انفصالا عن المجتمع.. وهو الآن يعيش حياة الغربة..

و بعيدا عن الشعر والقافية ، فالتناقضات والإرباكات في الفهم العام للواقع سببه تجرد الإنسان من مسؤولياته، هذا الإنسان الذي باع ضميره للمادة، وأصبح ينظر إلى كل ماهو مقدس نظرة مادية، كما أن تعاطيه مع المشكلات اتخذت مسارات مقلوبة ومغلوطة ، فأصبح يؤله الأشخاص ويضفي عليهم طابع القدسية، وكثيرة هي الكتابات التي تخلوا من الصدق والموضوعية، ولنأخذ هنا مثالا على "المسؤول" في مؤسسة ما، كان من المفروض أن يدين الغائب ويؤنبه، ويشكر الحاضر ويكرمه كسياق طبيعي في مسيرة العقلاء، نجده يحاسب الحاضر ويكرم الغائب، ويعلق له وسام الشرف، ألا يمكن القول هنا أن الدنيا بالمقلوب؟ ربما هذا الواقع البائس جعل كل شيئ نراه بالمقلوب، حتى القراءة..

كارلوس كاستانيدا واحد من الذين درسوا استخدام الأعشاب الطبية في السحر والعلاج لدى بعض هنود المكسيك (الهنود الحمر) الذين يعرفون باسم "الياكوي"، وعرفت اعمال كارلس تحت اسم "دون خوان"، لقد لازم كارلوس كاستانيدا الشيخ الياكوي في رحلته إلى حيث يقيم، وأراد الإرتباط به لمعرفة سر الممارسات السحرية والأفكار التي تكمن وراءها، وبعد تردد طويل قبل الشيخ الياكوي" أن يتولى إرشاد وتعليم الباحث المريد كارلس كاستنيدا، فكانت معظم أعمال هذا الأخير حول التعاليم والأسرار التي تلقاها على أيدي دون خوان الذي قاده على طول طريق " الياكوي" إلى المعرفة.

و كثيرا ما كانت هذه الممارسات لطلب المعرفة تفرض على العارف وعلى المريد تعاطي بعض تلك ألعشاب الطبية المخدرة التي كانت تتيح لهم الإنفصال عن هذا العالم الدنيوي المحسوس والتحليق في عالم لا مادي مليء بالأفكار المجردة، عالم تزول الفواصل والحواجز بين الأشياء، يحقق فيها الإنسان الإسترخاء الفيزيقي والمتعة الذهنية والصفاء الروحي والنشوة النفسية

و بعيدا عن التفلسف، هذه القراءة سواء أقلبنا الورقة أم وضعناها أمام المرآة، تجعل الحروف معكوسة بطريقة يستحيل قراءتها.. قرأت أن دراسة أجريت على فتاة بريطانية كانت تقرأ وتكتب بطريقة فريدة ومبتكرة، فهي مثلا تقرأ دروسها أمام المرآة بشكل دائم، وتلفت الأنظار في القطارات والأماكن العامة ، بسبب إمساكها للصحف والمجلات رأسا على عقب، كما كانت تقف على رأسها لساعات طويلة لترى الفوق والأسفل بطريقة مختلفة، يمكنها رؤية العالم على حقيقته، من بإمكانه أن يقرأ الواقع قراءة مقلوبة؟، إلا في عالم اللامعقول، وبعيدا عن الغيبيات، فهناك أناس يرون أنهم يمتلكون قدرات خلاقة يحلون بها مشاكل الناس، كالمشعوذين الذين يقرأون بالمقلوب ، ويعتقدون أنهم وصلوا إلى مستوى الربوبية، لأنهم يقرأون المستقبل.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم