صحيفة المثقف

الفن العراقي في زمن العثمانيين (2)

khadom shamhodيذكر ان الفترة الاستعمارية العثمانية للعراق التي امتدت عدة قرون انعدمت فيها المدونات او المصادر التاريخية التي تتحدث عن الفن التشكيلي او العمارة او رسامي تلك الفترة، وبالتالي فكل ما يكتب عنها يبقى ناقصا ومبتورا ويعمها الغموض ولم تخضع الى منهجية واضحة في النقد او دراسة علمية وتاريخية دقيقة. ويقول شاكر حسن آل سعيد (وعموما فان الفن التشكيلي في العراق قبل الثلاثينات (من القرن العشرين) يكاد يكون مجهول الهوية) فاذا كانت هذه الفترة تكاد ان تكون مجهولة الهوية فما بالك في القرون الماضية؟ فمن المؤكد انها معدومة الهوية .. كما ان المؤرخ العراقي لتلك الفترة تتحكم فيه المزاجية والانطباع الشخصي في عملية التدوين .

او الانحياز الى هذا الطرف او ذاك .. وتعتبر تلك الفترة التي عاشها العراق منذ سنة 1543 الى سنة 1914 من اسوء الحقب التاريخية التي مر بها العراق على الاطلاق تخلفا وتحجرا وفوضوية .... ولم يعثر على مصدر حقيقي يستوفي الشروط الموضوعية للحديث عن الفنون التشكيلية ايام العهد العثماني .

1543 – 1914 .م

1290 khadom1ماذا حدثة للفن التشكيلي العراقي في تلك الفترة الزمنية التي امتدت اكثر من اربعة قرون ؟؟؟ واين هي المدونات والكتب التاريخية التي تتحدث عنه ؟؟؟ واين هي اسماء المصورين والمزوقين والمعماريين ؟؟؟ هل من المعقول لم يظهر فنانون على الساحة العراقية من شمالها الى جنوبها خلال هذه قرون ؟؟؟

 يذكر ان العالم والمؤرخ المصري المعروف تقي الدين المقريزي -1364 – ذكر في كتابه – (ضوء النبراس وانس الجلاس في اخبار المزوقين من الناس) عددا كبرا من المصورين العرب في العصور الاسلامية . ولكن هذا الكتاب غير موجود واختفى تماما من المكتبة العربية.. ولهذا انا اعتقد ان هناك كتب كثيرة تحدثت عن التصوير والخط والزخرفة في العراق خلال الفترة الاستعمارية العثمانية ولكنها اختفت لظروف معينة مجهولة .. كما يحدث اليوم هناك تعمد في حرق المخطوطات وتهديم الآثار وسرقتها واخفائها لاجل كتابة التاريخ من جديد وتدوين ما يريده الاجانب او الفرق العبثية الضاله وحتى ايضا يكون التزوير فيه سهلا...

و في كتاب – الرحالة المسلمون في العصور الوسطى – للدكتور زكي محمد حسن . من ضمن ما ذكره عن رحالة معروف اسمه – الهروي السائح 568هجرية / 1173-م كان قد اكتشف مقابر الاهرامات ودخل فيها ووجد كنوز الذهب وجثامين الفراعنة ودون تلك المعلومات تفصيلا في مخطوطه (العجائب والآثار والاصنام والطلمسات)(هذا المخطوط اختفى). وفي سنة 588 هجرية / 1193نهب الصليبيون كتبه عندما كان في قافلة .. ولما دخل نابليون مصر كان معه 500 عالم ومعهم مخطوطات العرب منهم الهروي كدليل على الآثار المصرية والاهرامات وما فيها فحملوا الآثار المصرية الى باريس .. ولهذا نعتقد عقليا ومنطقيا ان هناك كتب ومخطوطات قد دونت فيها حركة الفن والعمارة والمزوقين والرسامين والخطاطين والمعماريين وقصور الامراء والاغنياء وفن الموسيقى والطرب والرقص وغيرها رغم ضعفها وتدنيها في ذلك العصر .. ولكن اختفت هذه المخطوطات او حرقت لاغراض واسباب كثيرة منها ان لا يكون لهذه الامة العريقة تراثا متواصلا لحضارتها .. ؟؟؟؟؟؟ يضاف الى ذلك هناك تجاهل واهمال من قبل عامة الناس لفن التصوير بسبب التحريم والعقول المغلقةو المتحجرة لعدد من علماء الدين .

1290 khadom2

التقاليد الفنية الكلاسيكية:

في تلك الفترة المظلمة بقت تقاليد المدرسة البغدادية والمدرسة الفارسية والهندية والتركية منتشرة في عموم المدن الكبيرة مثل بغداد والبصرة والموصل . وكانت مقتصرة على رسم المصورات الصغيرة والمنمنمات وتزويق المخطوطات والرسوم الجدارية الشعبية. والرسوم التي تظهر على التحفيات والمنسوجات ... وبعد دخول الطباع في العراق ظهرت رسوم القصص الشعبية .. كما انتشرت رسوم المسجد الحرام وبيت الله على سجاجيد الصلاة وكتب الادعية وكذلك الرسوم الدينية التي تمثل صور الأئمة والاولياء الصالحين القادمة من ايران . وبالاضافة الى ذلك نجد الفن الشعبي المحلي الذي نراه منتشرا في الاوساط الشعبية في كل مكان . وبالتالي فان هذه الانشطة المختلفة كانت عبارة عن السير على تقاليد الفنون الموروثة القديمة ليس الا .. وبالتالي فان الفترة العثمانية اتسمت بصفة التأثيرات المختلطة من فارسية وهندية يضاف لها المدرسة التركيه التي هي في الحقيقة ولدت من رحم المدرسة الفارسية حيث يذكر ان المصورين الفرس هاجروا الى تركية للعمل فيها .

ولكن بقى الخط العربي والزخرفة متماسكة ولا يمكن تحويرها او تغييرها حيث بقت محافظة على كيانها الحضاري والعربي بل اخذت بالتطور بشكل ملحوظ على يد عدد من اساتذة الخط في تركيا وايران وفي وقت متأخر على يد حامد وهاشم الخطاط .. وذكر الدكتور زكي محمد حسن في كتابه –مدرسة بغداد – ان هناك عددا كبيرا من المصورين المانيين قد قدموا من ايران الى العراق في القرن الثاني الهجري (الثامن ميلادي) وانهم ساهموا في تزويق كثير من المخطوطات الاسلامية . وكان هناك صراع قائم بين الفرس والعثمانيين بالاضافة الى كونه سياسيا كان هناك صراعا ثقافيا ومذهبيا ورغم الفوضى و التخلف فان له ايجابيات حيث تغلغلت الفنون الفارسية بشكل واسع الى العراق واثرت على الذوق العام خاصة في طراز العمارة وصناعة السجاد والتحفيات ورسوم المنمنمات كما هو ظاهر في كربلاء والنجف وسامراء والكاظمية بينما نرى التأثيرات التركية ظاهرة في الموصل والسليمانية . اما بغداد فقد كانت مركز التفاعل الحضاري وتنوع الطرز والثقافات من خارجية ومحلية ..

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم