صحيفة المثقف

كابوس التعذيب الفرنسي أثناء ثورة التحرير.. جرائم لن تمحى من الذاكرة

مع كل مرحلة رئاسية جديدة بفرنسا يطفو ملف تجريم الاستعمار والزامية اعتراف فرنسا بجرائمها الوحشية اتجاه الشعب الجزائر أثناء ثورة التحرير، ومن ثمة جرائم ضد العسكريين من مجاهدين ومسبلين في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطني، وفرنسا تواجه القضية بظهرها في كل مرة، والرئيس الجديد لا ينفك بإعطاء تصريح مموه وغير صري، كما أن الجزائريون لن يسكتوا ولن يتركوا القضية إلى أن تضع له فرنسا حدا نهائيا وذلك بالاعتراف بجرائم الحرب، بعيدا عن التعويض والضغوط الأخرى، فما نحتاجه اعتراف معنوي يعد لنا الاعتبار على سنوات الجراح والقسوة، فمن حق العالم أن يعرف مدى وحشية التعذيب وكيف خطط له ونصبت مدارس لممارسته على كافة الشعب العزل.

إن العلاقات الجزائرية الفرنسية متشعبة ومعقدة جدا، من جهة تجد أكثر إطارات الدولة في الجزائر يحملون جنسية فرنسية مزدوجة، ومنهم من كانوا مجاهدين مرابطين في الجبال لمدة سبعة سنوات، كذلك الجالية الجزائرية بفرنسا التي أصبحت جزاء من المجتمع الجزائري، لنرى تقريبا في كل عائلة لها أقارب مهاجرين بفرنسا، وهناك الكثير من الفرنسيين ولدوا بالجزائر ويريدون العودة إليها وهم "الأقدام السوداء" كما يعرفون لدى المجتمع الفرنسي.

من حيث الاقتصاد تحاول الحكومة الفرنسية الضغط على الجزائر من أجل الحصول على صفقات تجارية في الجزائر وأن لها الأولوية بصفتها تعرف العقلية الجزائرية جيدا، وكنت أقول رغم كرهي لفرنسا الاستعمارية إلا أن التعامل الاقتصادي يجب أن يدرس بعقلية راشدة ويكون له نفع جزائري محض، فإني أختار فرنسا على الدول الآسيوية، أي أنه من جهة فالأرباح تذهب لمجتمع مسيحي يؤمنون بالكتاب السماوي وليسوا وثنيين فهم اولى من حيث العقيدة، ومن جهة ثانية تذهب الأرباح إلى دولة تعتني بفئة كبيرة من مهاجرين أي قد ينالهم نصيب، ومن جهة ثالثة فالعمال  الذين يتعاملون مع الإطارات الفرنسية يستفيدون من تقنيات الصنع والتسيير وغيرها وأن بخل الفرنسيين لم يصل إلى العلم فهم يزودوننا بمعلومات قيمة منذ الاستقلال وليسوا كغيرهم وخاصة الآسيويون الذين تعلموا في الجزائر من تقنيات العمل والتنظيم الغربي.

أما سياسيا فأرى العكس إذا كانت فرنسا ما زالت تقحم أنفها في أمورنا عليها أن تبتعد عنا، ولا تتدخل في سياستنا مثل ما سمح لها بعض الساسة والعسكر في اختيار مسؤولي الدولة، من المفرنسين ومزدوجي الجنسية، وقد حان الاوان لتسترد جميع الوثائق والأرشيف الثوري وما قبله أي كل ما أخذته منذ الاحتلال أي 1830 إلى 1962، ثم أن تعترف بجرائم الحرب من تعذيب وإبادة وتجارب نووية، وعليها تعويض المتضررين من التجارب النووية خصوصا، ولمعرفة مدى فظاعة الجرائم التي ارتكبها جنرالات فرنسا الاستعمارية أتقدم مع شيء من التفصيل كما يلي:

 1. السجون والمحتشدات: كان من الصعب على القوات الاستعمارية أن تلقي القبض على الثوار في وسط الجبال وهم يحملون السلاح، لذلك اكتفت باعتقال الشباب في ربيع العمر والشيوخ والنساء، وتسليط ضدهم أقصى العقوبات للترهيب والاستنطاق.

ولقد بدأت الحرب النفسية ضد الشعب الجزائري سواء في المدن أو القرى منذ أحداث 8 ماي 1945 إلى غاية 19 مارس 1962 ومحاولة جنرالات فرنسا خنق الثورة بكل الوسائل والأساليب القمعية.

لهذا من الواجب علينا جمع شهادات وطنية لمن زج بهم في غياهب السجون منذ 1945 إلى يوم الاستقلال وما لقيّه المناضلون من معاناة    وجرائم وحشية ضدهم، يقول القائد جليانو، إن مسك الجنود بالقاعدة الشرقية قليل لأنه من الصعب على قوات الاستعمار أن تلقي القبض على جندي أشوس، شجاع وبطل لصعوبة الوصول إليه في أعالي الجبال وخلف الغابات الكثيفة، ولكنها كانت تقبض على أفراد الشعب من المدنيين، والذي تمسك به تقتله أو تعذبه، وتقتل ما تقتل من السجناء الذين يموتون تحت التعذيب الوحشي، ومن بين الذين ألقي عليهم القبض وتلقوا أبشع أصناف التعذيب، المناضل جنان الحفيصي أب القائد لمجد جنان والذي كان ينشط بناحية الشط – شرق عنابة- وخروف مروش بناحية مرداس – بلدية عصفور حاليا- وكذلك سلطاني العربي الذي تم تسريحه فأصبح مسؤول مدني بالمنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني وتابعته القوات العدو الفرنسي في كل مكان حتى قتلته ورمت به في الجبل، وفي حكاية دفنه أعجوبة من أغرب حكايات ثورة التحرير المظفرة، حيث قامت زوجته بجمع العديد من نساء الحي بالمحتشد الفرنسي، وذهبن إلى الجبل بالمكان الذي سقط فيه شهيدا، وجمعت كل امرأة حزمة من الحطب، أما زوجته فقد قامت بوضع الشهيد داخل حزمة الحطب، وبكل شجاعة وعزم حملته على ظهرها ودخلت به إلى المحتشد وسط النساء وأدخلته إلى منزلها، ثم غسّلته ودفنته بالحي بالقرب من السكن.

أما المجاهدين الذين تم القبض عليهم نذكر من بينهم صامصون الذي أمسك به في كاف الشهبة، إلى جانب بعض المجاهدين الذين اعتقلوا أثناء معركة سوق أهراس الكبرى، ولقد كانوا يتلقوّن أبشع تعذيب ويوضعون داخل الزنزانة خاصة فيما يسمى بالسجن الأحمر – فرجيوة- التي ترتكب ضدهم جرائم جهنمية في الغاية البشاعة، مما تخلفه من أضرار جسدية وعاهات مستديمة وعجز ظاهر وباقي لسنوات.

وقد نجد في كل قرية سجن أو مركز حشد المدنيين أو معتقل، وفي كل مدينة يوجد مراكز التعذيب المنتشرة في عدة أماكن، ولكثرتها أهملنا عدها وتعيين أماكنها، واكتفينا بذكر أساليب التعذيب ومراحله.

مراحل التعذيب:

تفننت الجنرالات الفرنسيين في إنشاء وتوزيع السجون والمساجين بمناطق مختلفة وكثيرة مع إتباع القائمين على السجون وخاصة الجيش الفرنسي إجراءات تنظيمية خاصة والتي بدورها تختلف من سجن لآخر ومن مرحلة يكون عليها السجين أو الأسير إلى أخرى.

ويحدث المجاهد الفدائي عيسى القسنطيني في لقاء جمعنا برفقة المجاهد والقائد سالم جليانو يوم 20 جوان 2002 على حالة السجن، إذ كان السجين الذي تتمكن السلطات الاستعمارية من إلقاء القبض عليه سواء وجهت إليه تهمة معينة أم لا توجد متابعة تجاهه، فيؤخذ هذا الأسير في البداية إلى المعتقل Camp de concentration et de triage وبهذا المحتشد يوضع المحبوسين مع بعضهم ودون التفرقة بين المحبوس العسكري أو السياسي أو المدني كما تضع قوات البوليس معهم عملاء وجواسيس للإطلاع على المعلومات والأخبار أثناء اتصال السجناء فيما بينهم ومنهم السياسيين بالعسكريين والفدائيين.

وبهذا المعتقل تبدأ القوات العسكرية القائمة على تعذيب السجناء بإجراء التحقيقات والبحث عن الأدلة والإشارات التي توصلهم إلى المجاهدين بالجبل، وبعد عدم الوصول إلى المعلومات المطلوبة تتحول إلى استعمال الوسائل القمعية والتعذيب.

وفي المرحلة الثانية يتم فرز المساجين، حيث يحول المجاهدين المسلحين والمسبلين والسياسيين إلى سجن وضع لهذا النوع من السجناء، كما كان سجن الكدية بقسنطينة، وهو يختلف على المحتشد الذي يتداخل المعتقلين به ولا يوجد به نظام معين، حيث أن المجاهد الذي يختلط مع العملاء والجواسيس لا يجد الحرية في الحديث مع زملائه، حيث أن الخونة من أصل جزائري يجلسون وينامون ويأكلون معهم.

أما بسجن الكدية فالأمر يختلف تماما، حيث يصبح للسجين أو الأسير السياسي أو العسكري زنزانة وسرير بفراش نظيف وجيد مع التعامل اللائق والوجبة اللائقة التي تكون باللحم و ليس كوجبات العدس وغيره لمسجوني القانون الجنائي Droit commun إلى جانب خروجه إلى الحديقة وامتيازات أخرى منها أن المجاهدون يكوّنون لجنة السجناء تنتخب من بين المعتقلين وتدافع على حقوقهم وتعمل على نظامهم داخل السجن رغم أنها تعمل في صف الاستعمار وحسب توصياته، زيادة على وجود الممرض والزيارات العائلية.

السجين الذي يطول في المعتقل ويحول من سجن لأخر ويقام عليه أبشع أنواع التعذيب من أجل استنطاقه فلا يجدون عليه شيء كونه لا يملك معلومات لهذا يحول إلى سجن ثاني ليعاد تعذيبه من جديد.

تحقيق لجنة من هيئة الأمم المتحدة:

أثناء قدوم لجنة تابعة لهيئة الأمم المتحدة للتحقيق في وضعية السجون في الجزائر بعدما وصلتها التقارير حول الأساليب البشعة في التعذيب وخرق كل القوانين الدولية حول معاملة أسرى الحرب وحقوق الدفاع وحقوق الإنسان، قامت السلطات العسكرية الفرنسية بالجزائر بإبعاد كل المجروحين من جراء التعذيب والضرب واستعمال الكهرباء، واستبعد كل من ظهر على جسمه خدش أو جرح إلى ثكنة عسكرية لإخفائه واختبائه عن اللجنة الأممية، وبعد أن رحلت اللجنة تم استعادتهم والعودة إلى التحقيق من جديد والإقرار بوسائل التعذيب والقمع.

 وطيلة وجود السجن بالمعتقل يعتبر متهم فقط، فلا يسجل بدفاتر السجن كما جرى للعديد من المسبلين الجزائريين الذين دخلوا إلى المعتقلات وتم تعذيبهم دون الحكم عليهم أو حتى تسجيل أسمائهم وإعطائهم وثيقة تثبت سجنهم أو الإفراج عنهم، لهذا ذهبت جميع حقوقهم سواء المادية أو المعنوية على الأقل ليثبتوا مشاركتهم في الثورة، لأن طريقة الاعتقال تعتبر خارقة للقانون على كل المستويات من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية، ويسجل السجين دخوله السجن مباشرة بعد الحكم عليه، ونرى إن أغلب السجناء الذين قضوا فترات طويلة بالسجن لم يحتسب لهم سوى فترات قصيرة، بعد أن تمت القوات الاستعمارية وانتهت من بحثهم واستنطاقهم، وبعد أن استعملت معهم جميع وسائل التعذيب كما سوف نذكرها لاحقا.

2. التعذيب: لا يمكن أن نتوصل إلى وصف دقيق للتعذيب الفرنسي الوحشي التي قامت به القوات  العسكرية داخل السجون والمحتشدات والمعاقل، فالحقيقة الكاملة لا يمكن أن نصل إليها إلا بحديث الأشخاص الذين عانوا ويلات التعذيب، وسوف نقوم ببسط لمحة وجيزة جدا حول الجرائم البشعة التي قام بها العدو ضد المدنيين الأبرياء والمجاهدين أصحاب الحق والأرض المغتصبة، لتبقى هذه الحقيقة وصمة عار في جبين كل محتل بغيض وحقود، والعينة التي أخذناها صغيرة جدا بالنسبة للشهادات والاعترافات الموجودة، والتي تثبت بكل يقين عن العمليات الإجرامية التي قامت بها قوات الاحتلال الفرنسي ضد الإنسانية، كون الاستعمار من بدايته بدأ في احتقار الجنس الجزائري العربي المسلم، صاحب الوطن المحتل، وكان المعمرون الفرنسيون يلقون على الشعب أسماء مصغرة لقيمته من أمثال، الأهالي Les indigènes, les bicous ويستعملونهم في خدمة الأراضي والبيوت مقابل أجور لا تسد حتى الرمق، وكان كل من يمسك به ويحول إلى السجن يعذب تعذيب كبير من أجل استنطاقه أو لحقد وضغينة داخل نفوس الفرنسيين على هذا الشعب الذي مر أغلبه بالتعذيب سواء كان بالمدينة أو بالقرى والمداشر، وتم ذلك أيضا بالسجون المتواجدة بالقاعدة الشرقية وبمدينة عنابة Bône وجبال الإيدوغ حيث يوجد سجن بسرايدي وآخر بواد العنب وثالث بالعلمة ورابع بالذرعان وهناك سجن سيدي نصر بعزابة، فلحق السكان كثيرا من التعذيب لا يمكن للعقل أن يتخيله أو يتصوره حتى ولو عاشه من قبل، زجت به فرنسا من يحاول الغطاء على مجاهد ولو كان ابنه فجاءت بالسكان من كل المداشر من رأس الحديد والمرسى (الصادة) من تكوش وتريعات ومن عزابة والسبت ومن العلمة والشرفة، لتوزعهم على كافة السجون العقابية.

ولقد مات الكثير تحت وسائل التعذيب أو شنقا من طرف العساكر ومنهم ما زال يعيش قاصرًا ومعطوبًا أو يعيش مرض نفسي –صدمة- من شدة التعذيب.

 ويمكن ذكر عمليات التعذيب داخل السجون الجزائرية أثناء حرب التحرير والتي كما قلنا بقت وصمة عار على كل محتل وجريمة يستحق فاعليها على الأقل محاكمتهم محاكمة عادلة وتوجيه التهمة إليهم ومن ثمة اعتراف الدولة الفرنسية بالجرائم البشعة التي قام بها ضباطها والذين تفننوا في التعذيب، والتي أنشأت لها مدارس خاصة بالتعذيب وأساليبه تشرف عليها La DST، التي أسسها الجنرالات وهم أوساراس Aussares، بيجو Bijau، بيجار Bigeard وماسو .

أساليب التعذيب: من أجل تجريم الاستعمار لا بد أن نبين بوضوح بشاعة الأفعال الإجرامية التي قام بها، وإذا كنت هنا أعتمد على بعضها التي نفذت بمركز التعذيب بسيدي نصر بعزابة الذي يسمى حاليا بمنزل الأبطال، وبقايا المركز ما تزال إلى يومنا مهملة بحافة الطريق الوطني بعزابة، ونذكرها جملة ولو أنها بحاجة إلى الإثراء والتدقيق.

1. الزنزانة الموحدة: حيث يقوم العسكري الفرنسي بأوامر الضابط بوضع خمسة مساجين داخل زنزانة صغيرة لا تتسع لشخصين، يبقون في تلك الوضعية الضيقة متراكمين على بعضهم لعدة أيام.

2. إدخال رأي المعذب في دلو معبأ بالماء الوسخ وقاذورات المراحيض فلا يرفع إلا يديه أحيانا، كما توضع رأسه في دلو به ماء ممزوج بالصابون، كما يتم غطس رأسه في دلوين، الأول به ماء بارد والثاني به ماء ساخن بالتداول حتى يقر ويغترف ويدلي بكل ما يملك من معلومات، كما يشرب السجين البنزين ويعلق من رجليه ورأسه إلى الأسفل فيضرب بالسوط واللكمات بكل وحشية وعنف.

3. الكي بالتيار الكهربائي: وهي عملية معروفة حيث توضع أقدام المعذب في الماء ويصعق بالكهرباء، فتوضع الأقطاب بأذنيه، على صدر الرجل أو بثديي المرأة وكذلك على الأعضاء التناسلية لكليهما، ويجد الضباط والجنود المشرفون على التعذيب متعة كبيرة وهم يضحكون ويسخرون من السجين، رجلا أو امرأة.

4. الحرق بنار الحملاج: chalumeau إذا لم تنجح الأساليب الأولى، يتحول المعذب إلى عملية أخطر من سابقتها والمتمثلة في الحرق بواسطة آلة الحملاج المستعملة في تلحيم المعادن، فيحرق جسم السجين لتترك آثار وحروق بكامل الجسم.

5. الضغط تحت المعصرة: يوجد هذا الأسلوب الجديد في بعض المراكز القليلة، وهي عبارة عن آلة من الحجارة تستعمل لصعر الزيتون من طرف الفلاحين، بعدما تحولت المعصرة إلى مركز تعذيب يشرف عليه الكومندوس الفرنسي، يتم حصر المعذب بين دفتي المعصرة وهي آلة ثقيلة من جزأين على شكل قرصين واقفين، ويعمل الجندي المشرف على التعذيب بالتضييق على المعذب حتى يصرخ بأعلى صوته ولا يترك حتى يدلي بكل ما لديه أو يموت تحت قوالب المعصرة، لأن الجميع قرر أن لا يركع للعدو أمام الألم والموت.

6. استعمال الكلاب المدربة: يعتمد هذا الأسلوب على زرع مكان صغير على حجم غرفة بالزجاج المكسور ويوضع به السجين ثم تطلق الكلاب العسكرية المدربة التي تطارده لنهش جسمه بعدما تركت ليومين دون أكل، فلا يجد السجين ما يفعله، الهروب من الكلاب وأنيابها القاتلة أو مواجهتهم لعدم القدرة على الجري فوق قطع الزجاج المكسور بعد أن تمزقت قدماه الحافيتين، والغريب في الأمر أن الضابط والجنود المشرفون على التعذيب، غاب إحساسهم البشري وضميرهم الإنساني، فهم يتلذذون ويضحكون على تصرفات السجناء وهم يصرخون من الخوف والألم ودمائهم تتناثر في المكان.

7. قطع وجرح الجسم بالزجاج: ويقوم هذا الأسلوب على كسر قارورات الزجاج إلى قطع صغيرة، ومن ثمة تعرية السجين وإجلاسهم على فوهات القارورات وبعض المقابض في الدبر، كما يقوم الضابط بأمر الجنود والحركى بجر السجين عاريا على قطع الزجاج وكذلك المسامير التي ثبتت على لوح خشبي، وهنا يتألم المعذب أشد التألم وهو يعلم أن عناصر الجيش بالجبال لا يحسون به ولا بآهاته ولا يدركون مدى العذاب الذي يتلقاه ورغم ذلك يتحمل التعذيب القاسي وفاء للثورة ونصرة للقضية الوطنية، وهو مستعد لتلقى أبشع تعذيب والتنكيل دون الخيانة والإذلال لعساكر فرنسا.

8. الاغتصاب الجنسي للرجال والنساء: حيث يقوم بتعرية السجين أو السجينة لهتك أعراضهم، وخاصة اغتصاب الفتيات القاصرات بالتداول من طرف العساكر والضباط الفرنسيين والحركى والمجندين الأفارقة وهي حالات قليلة. إلى جانب إجبار النساء على الرقص عاريات تحت الضغط والإهانة والإكراه بالتعذيب أمام المساجين والحركى وقد حصل أن ترقص المرأة أمام ذو محرم والفرنسيون يدندنون ويضحكون وكأن ألم المواطنين يسليهم ويرفه عنهم، لأن التي لا تنفذ الأوامر ترمى إلى قفص الكلاب لتنهش لحمها حية، كما يقوم المساجين بأعمال مخلة للحياء الذي تربى عليه الجزائري ومنها تسريح وتنظيف المراحيض باليد واللسان وضباط فرنسا يوسخونها عمدا وإصرارا على الإهانة.

9. الكي بالسجائر: وتعتبر من أخطر الأساليب حيث يتم حرق الأماكن الحساسة من جسم السجين بالسجائر عند الاستنطاق سواء كان مجاهدا أو مسبلا أو مدنيا، رجلا كان أو امرأة، ويتعدى الأمر إلى كي الأجفان والوجه والشعر والأعضاء التناسلية.

10. قلع الأظافر: يقوم الجنود بقلع أظافر السجين بالكلابين والتي تستعمل أيضا في خلع الأسنان بالقوة لتتعدى في بعض الأحيان إلى بتر الأذنين والأصابع وكذلك الأعضاء التناسلية من أجل الحصول على معلومات حول المجاهدين لكن دون جدوى ومهما حاول ضباط الاستعمار الحاقدين فإن الشجاعة والصبر التي يتصف بهما الشعب الجزائري لا يوجدان في مكان آخر.

11. القتل والتنكيل: حيث يقوم الضباط الساهرين على عمليات التعذيب والاستنطاق بقتل السجناء العزل دون محاكمة سواء بالرصاص أو الشنق أو الطعن بالسكين وتكرار العملية مع العديد من السجناء في كل مراكز التعذيب ومراكز الإدارة. إلى جانب قطع رأس السجين المقتول واللعب بالجثة أمام بقية السجناء الذين أرعبوا لهول ما رأوه من وحشية، لكن الأمر زادهم عزما وقوة وإصرارا بعدم الوشاية ولو بكلمة واحدة، فمن المستحيل أن تشي الأم بابنها أو الأب بابنه أو الأخ الأصغر بأخيه البطل في نطره.

12. اختفاء ودفن السجناء أحياء: وقد عمل الضباط على دفن السجناء أحياء وردم جثثهم أمواتا، وقد حصل ذلك على سبيل المثال بالشريعة حيث وجدت مقبرة جماعية داخل مقر المركز الإداري S.A.S الفرنسي أو المكتب الثاني للاستخبارات دفن به حوالي 650 سجينا بعضهم كبل بأسلاك معدنية، كما عثر على مقبرتين رمي السجناء أحياء في بئرين الأول يحوي 70 سجينا والثاني 12 هيكلا ثم ردمتهم قوات الاستعمار أحياء. كما عملت القوات على اغتيال بعض الجزائريين دون النظر إلى انتمائهم أو حتى تعاطفهم مع جبهة التحرير الوطني وخاصة التصفية الجسدية التي قامت بها المنظمة العسكرية السرية O.A.S  باغتيالها العربي بن مهيدي، المحامي بن عودية، المحامي المناضل علي بومنجل، الدكتور ضربان وغيرهم.

13. التـقتـيل و الإبـادة الجمـاعـية: حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية قطع العلاقات بين الشعب والثورة بالجبال والقرى، فقامت بهدم جميع الأكواخ ولم تبقى على ڤربي واحدGourbi  وقامت مع بداية 1957 ببناء محتشدات، وجمعت المدنيين داخله، وحتى تتمكن قوات العدو من الوصول إلى جميع سكان القرى قامت بحرق الجبال والغابات لتبقى جرداء، وبهذا نقص التموين الغذائي على الثوار، ولكنه لم ينعدم بل بقي الشعب يبعث بما يقدر عليه ويوصل المعلومات إلى جنود جيش التحرير وذلك أثناء الخروج من المحتشد لتفقد الرزق مثل الأبقار أو الرعي بالأغنام والماعز وكذلك جلب الحطب من الجبال.

وأن ما صنعه الاستعمار بالقاعدة الشرقية وبخاصة على المناطق الحدودية، تبقى في أذهان الجزائريين تلك الصور المرعبة التي ضرب بها المستعمر الفرنسي فئة المدنيين وبخاصة القرويين من الشعب، فهجّرهم مجبرين ولاحقهم في كل مكان، فلجئوا إلى التراب التونسي بالآلاف، ومن بقي وتم الوصول إليه من طرف قوات الجيش الفرنسي ضم به إلى المحتشدات ومعسكرات لاصاص المقيتة.

ومن بين الإجراءات والأوامر التي أعطيت إلى قادة المراكز العسكرية الفرنسية إبادة جماعية للشعب والجيش معا، فقد كانت بعض القوات الفرنسية المتكونة من ضباط ذو أصل فرنسي – أوربي- ومعه فصيلة من اللفيف الأجنبي سواء من رجال العساكر المجندين من السنغال والكونغو أو الحركى الجزائريين، وتقوم هذه الفصيلة عند تنقلها بالقرى والمداشر بقتل الرجال المدنيين للشكوك بهم، أو لإتباع الأوامر بقتل كل مدني يرفض الالتحاق بالمحتشدات أو يشك في تعاونه مع الثوار.

إلى جانب استعمال هذه القوات العدائية للشعب الجزائري وللإنسانية جمعاء بزرع الألغام المضادة للأشخاص بالمناطق التي يشك في عبور المدنيين والمجاهدين عبرها، فيقومون بزرعها بالألغام مثلما عملت بنفس الإجراء على خطي شال وموريس الحدوديين.

وقد حصدت هذه الحقول من الألغام الآلاف من الأرواح النزيهة وخلقت ورائها ما يزيد عن ذلك من معطوبين وتركتهم معاقين حركيا لكامل أو بعض الأجزاء من الجسم.

14. أساليب أخرى في قمة البشاعة: ونذكر من بينها فتح ثدي المرأة مع وضع البهارات حتى تحترق ألمًا ورعبًا، كذلك استعمال الأفاعي والعقارب على أجسام السجناء والضرب المبرح بالسياط وعصب البقر وأيضا شطر جسم السجين إلى نصفين بعد جره بسيارتين في اتجاهين معاكسين، ووضع آلة الضغط بالماء في فم السجين ليخرج الماء من كل موضع، وغيرها من أساليب تستعمل في جميع المراكز العسكرية بالعالم.

التـقتـيل والإبـادة الجمـاعـية:

حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية قطع العلاقات بين الشعب والثورة بالجبال والقرى، فبدأت بهدم جميع الأكواخ المتواجدة على سفوح الجبال ولم تبقى على ڤربي واحدGourbi  ومع بداية 1957 قامت ببناء محتشدات للشعب، وهو عبارة عن مساحة أرض مسيجة وبها اكواخ جمعت المدنيين داخلها، لا تتمتع بأدنى مستلزمات الحياة كالمراحيض ومواقد النار وغيرها، وكي تتمكن قوات العدو من الوصول إلى جميع سكان القرى قامت بحرق الجبال والغابات لتبقى جرداء، وبهذا نقص التموين الغذائي على الثوار، ولكنه لم ينعدم بل بقي الشعب يبعث بما يقدر عليه ويوصل المعلومات إلى جنود جيش التحرير وذلك أثناء الخروج من المحتشد لتفقد الرزق مثل الأبقار أو الرعي بالأغنام والماعز وكذلك جلب الحطب من الجبال.

وأن ما صنعه الاستعمار بالقاعدة الشرقية وبخاصة على المناطق الحدودية، تبقى في أذهان الجزائريين تلك الصور المرعبة والفظيعة التي ضرب بها المستعمر الفرنسي فئة المدنيين وبخاصة القرويين من الشعب، فهجّرهم مجبرين ولاحقهم في كل مكان، فلجئوا إلى التراب التونسي بالآلاف، ومن بقي وتم الوصول إليه من طرف قوات الجيش الفرنسي ضم به إلى المحتشدات ومعسكرات لاصاص المقيتة.

ومن بين الإجراءات والأوامر التي أعطيت إلى قادة المراكز العسكرية الفرنسية إبادة جماعية للشعب والجيش معا، فقد كانت بعض القوات الفرنسية المتكونة من ضباط ذو أصل فرنسي – أوربي- ومعه فصيلة من اللفيف الأجنبي سواء من رجال العساكر المجندين من السنغال والكونغو أو الحركى الجزائريين، تقوم هذه الفصيلة عند تنقلها بالقرى والمداشر بقتل الرجال المدنيين للشكوك بانتمائهم الثوري الخفي، أو لإتباع الأوامر بقتل كل مدني يرفض الالتحاق بالمحتشدات أو يشك في تعاونه مع الثوار ويمدهم بالمؤونة والمعلومات.

إلى جانب استعمال هذه القوات العدائية للشعب الجزائري وللإنسانية جمعاء بزرع الألغام المضادة للأشخاص بالمناطق التي يشك في عبور المدنيين الفارين إلى الحدود والمجاهدين القاصدين تونس، فيقومون بزرعها بالألغام مثلما عملت بنفس الإجراء على خطي شال وموريس الحدوديين، فزرعت الألغام للقضاء على كل جزائري دون تفرقة.

وقد حصدت هذه الحقول من الألغام الآلاف من الأرواح النزيهة وخلفت ورائها ما يزيد عن ذلك من معطوبين، تركتهم معاقين حركيا لكامل أو بعض الأجزاء من الجسم.

والعجيب أن قوات الاستعمار استعملت سياسات متناقضة تجاه الشعب، فهي تبيد الجنس الجزائري سواء بقتل فردي أو تقتيل جماعي للمدنيين الأبرياء، كما تقوم بالتوازي على توزيع الأغذية والألبسة على الفقراء والأطفال للإغراء بهم ومحاولة التعاطف مع الشعب وتقليبه ضد المجاهدين، ويقوم مرة بتوزيع المناشير وبكل الوسائل فهي تحاول إفشال الشعب والقضاء على الثورة بقطع الإمدادات والتغذية، وخاصة أنها استغلت بعض الأوضاع ورمت المناشير بالطائرات محاولة خلق البلبلة داخل صفوف المجاهدين وفي علاقتهم مع الشعب، وتحثهم عن العصيان وتدعوهم للصراع على السلطة، ومثل ذلك ما وزعته بالمناشير حول ادعائهم بقتل القائد العقيد عمارة العسكري، وكذلك حول خروج القاعدة عن قيادة الأركان العامة أو الانقلاب كما زعمته قواتهم وعملت من أجله محاولة إفشال الثورة وكادت أن تنجح لولا تدخل الرجال الأوفياء في الأوقات المناسبة.

وعليه، فالقضية مستمرة وموعد الاعتراف مازال بعيدا، وأن الكثير من الجمعيات التاريخية تطالب فرنسا بتسوية ملفات الأرشيف الجزائري والجرائم المرتكبة منذ الاحتلال، كإبادة قرية كاملة الأولى في أولاد رابح بالقبائل والثانية بملوزة أثناء الثورة، إلى جانب عمليات التعذيب كما سلف ذكره، وحتى تصفى الأمور بين الدولتين عليها تجريم تصرفات جنرالاتها قبل أن يندثر جيل الثورة، كي تبنى علاقات جديدة وإلى تبقى الضغينة والحقد الفرنسي وكره المجتمع العربي الإسلامي إلى الأبد.

 

كتابة سليمان عميرات

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم