صحيفة المثقف

مقابلة بين آية (85) و(86) من سورة مريم

ali jabaralfatlawiقوله تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وَفْدا)، (ونسوق المجرمين إلى جهنم وِرْدا) 85-86، سورة مريم.

عرضت الآيتان ثلاثة وجوه من المقابلة بين حالة وموقف (المتقين) وحالة وموقف (المجرمين) يوم القيامة، وكيف يستقبل الله تعالى (المتقين) وكيف يستقبل (المجرمين) في يوم الجزاء؟

 قوله تعالى: (يوم نحشر) تحدثت الآية عن المتقين عندما يحشرهم الله تعالى أي يجمعهم يوم الحساب، (ونسوق) تحدثت الآية عن المجرمين في يوم الحساب عندما يسوقهم الله تعالى كما تساق البهائم العطشى إلى ورود الماء، والمقابلة بين (نحشر) في الآية الأولى و(نسوق) في الثانية. ووجه المقابلة الفرق في التكريم باستعمال الفعلين (نحشر) أي نجمع و(نسوق) والسوق غالبا يكون للدواب.

 المقابلة الثانية تذكر الآيتان الكريمتان: (المتقين) و(المجرمين) فالمتقون يجمعون (إلى الرحمن)، والمجرمون يساقون (إلى جهنم). يقول السيد الطباطبائي في الميزان:

 (وربما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية (إلى الرحمن) قوله في الآية التالية (إلى جهنم) أن المراد لحشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى الجنة، وإنما سمّي حشرا إلى الرحمن لأن الجنة مقام قربه تعالى فالحشر إليها حشر إليه)، ويقابل ذلك سوق (المجرمين إلى جهنم). وهنا نستشف من كلام السيد الطباطبائي منهجه في التفسير وهو (تفسير القرآن بالقرآن)، إذ استظهر معنى (إلى الرحمن) بمعنى الجنة من قوله تعالى في الآية الأخرى (إلى جهنم) من المقابلة بين الآيتين ويقول: ( ومعنى الآية ظاهر).

والمقابلة الثالثة بين (وَفْدا) و (وِرْدا) في الآيتين، يقول الشيخ محمد جواد مغنية صاحب التفسير الكاشف: الوفد جمع وافد هو القادم، والكلمة تشعر بالتشريف والتكريم، والمعنى أن أهل الله وطاعته يفدون عليه غدا معززين مكرمين، و(وِرْدا) أي يردون جهنم كما ترد الدواب الماء، للمؤمنين الكرامة بالوفادة، وللمجرمين الهوان بالسوق، تماما كما تساق البهائم إلى ورود الماء يساق المجرمون إلى ورود جهنم، وبئس الورد المورود.

 ثلاث مقابلات في الآيتين فيهما تكريم وتشريف إلى (المتقين)، وإهانة وتحقير إلى (المجرمين). واتفق أغلب المفسرين على هذه المعاني للآيتين، جاء في كتاب (تفسير القرآن العظيم) المعروف بتفسير إبن كثير:

 يخبر الله تعالى أولياءه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا، واتبعوا رسله وصدّقوهم فيما أخبروهم، وأطاعوهم فيما أمروهم به، وانتهوا عما عنه زجروهم، أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه، والوفد: هم القادمون ركبانا، ومنه الوفود وركوبهم على نجائب من نور.. وأما المجرمون فإنهم يساقون عنفا إلى النار (وِرْدا) أي عطاشى.

وجاء في تفسير الكشّاف للزمخشري: إنهم يجمعون إلى ربّهم الذي غمرهم برحمته وخصّهم برضوانه وكرامته، كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم وعن علي (ع ): ما يحشرون والله على أرجلهم، ولكنهم على نوق رحالها من ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت. وقريب من هذا الكلام جاء في تفسير الميزان للطباطبائي تحت عنوان (بحث روائي): وفي محاسن البرقي عن الصادق (ع): يحشرون على النجائب.. ونقل الطباطبائي رواية عن تفسير القمي عن الصاق (ع): سأل علي (ع) رسول الله (ص) عن تفسير الآية:

 (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وَفْدا) قال: ياعلي الوفد لا يكون إلّا ركبانا أولئك رجال أتقوا الله فأحبهم وأختصهم ورضي أعمالهم فسماهم الله المتقين.

وفي كتاب الله العزيز يوجد الكثير من هذه المقابلات والأوصاف التي تخص المجرمين والكافرين وفي المقابل ما يخص المؤمنين والمتقين، كلها لنا فيها عبرة وفائدة لنتقي الله تعالى كي نسير بهديه، وهذا هو هدف القرآن الأسمى الهداية.

 

علي جابر الفتلاوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم