صحيفة المثقف

الجزائر ... بوابة إفريقيا

solayman omayratمنذ سنوات وجهت فكري نحو الخروج من اقتصاد الريع البترولي الجزائري والتحول إلى انتاج وتصدير منتوجات غير بترولية، وكلما حاولت متابعة حديث أو قراءة مقال من أحد المختصين أحول وجهي عنه للطرح الغير منطقي والبعيد عن الواقع، رغم قيمته العلمية والجامعية لكنه يبقى نظري في طرحه لا أكثر، لهذا رأيت أنه من أجل خروج الجزائر من عزلتها البترولية أن تنهج طريقا جديدا ولو أنه قديم ومن أقدم السبل الاقتصادية التي عرفتها التجارة الإفريقية.

تعلمنا من دروس الجغرافيا أن الجزائر لها موقع استراتيجي هام، يمكن أن يستغل للتداول التجاري بين الدول، لأنها تطل على البحر الأبيض المتوسط وهي همزة وسل بين لإفريقيا وأوروبا أو قل هي بوابة إفريقيا على العالم المتحضر، واليوم أصبحت الجزائر أكبر دولة أفريقية مساحة، كونها تطل على البحر بمواردها السمكية والبحرية وبسهولها وهضابها العليا تستحوذ على منتوج زراعي وفلاحي جيد كما تتربع على مساحة شاسعة جدا من الصحراء تربط شمال البلاد بالصحراء الكبرى، إلى جانب مواردها الباطنية الضخمة من بترول وغاز وفوسفاط وحديد وذهب وأورانيوم وغيرها، كما تملك مورد بشري جامعي شاب تحسد عليه، لكن التوجه السياسي للاقتصاد الوطني لم يجد بعد طريقه أو قل قد وجده مؤخرا وهو اليوم يسير  في بطء وروية، وقد نشرت على صفحتي بالفايسبوك منذ سنة 2014 وبينت النهج الذي لا بد أن نسلكه، ورأيت في السنة الماضية 2016 محاولة من الحكومة وأرباب العمل في خطى للسير عليه، بداية من عقد مؤتمرات وملتقيات اقتصادية وتجارية، وهو التوجه نحو دول غرب إفريقيا، وذلك لأسباب عدة منها:

1. المنتوج الجزائري على وفرته وجودته والفائض منه بعد الاكتفاء لا يصلح لتسويقه بأوروبا أو غيرها من دول الشمال، وهذا لأن هذه البلدان من جهة لها منتوج جيد وأفضل ولها علاقات تجارية مع دول آسيا التي تملك منتوجات ذات الجودة والسعر المنخفض، إلى جانب السياسات الاقتصادية الأوروبية المعادية لمنتوج وتطور دول العالم الثالث وبالأخص الدول العربية والافريقية، وعليه يجب البحث عن سوق ملائمة لمنتوجنا.

2. أصبح للجزائر منتوج خاص بها وذو جودة عالمية عالية، في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والفلاحية حينا، منها السيارات، الشاحنات، المحراث الآلي وتوابعه، الخزانات الفلاحية، أدوية، آلات كهرو منزلية، معدات إلكترو منزلية وإلكترونية من تلفزيون وهاتف نقال، وتحويل المنتوجات الغذائية، إلى جانب مواد البناء بشتى أنواعها من بلاط وغطاء بالصفائح المعدنية، وتقنيات في البناء والصنع، أي أنه يوجد منتوج جزائري مستقل وصالح للتسويق في غرب إفريقيا خصيصا، يكون ذلك عبر طريق بري عابر للصحراء.

3. استغلال العلاقات الثنائية بين دول غرب إفريقيا والجزائر، مع عدم الخلط بين مؤتمرات التعاون الاقتصادي الإفريقي والتعاون مع غرب إفريقيا تحديدا، ولقد حان الأوان لتكون الجزائر في الريادة اقتصاديا في إفريقيا، وتقود إفريقيا نحو التقدم والازدهار بعيدا عن عراقيل دول الغرب، لهذا يجب التخطيط بسرعة للخروج من الهيمنة البترولية والعمل على تصدير مواد من إنتاج جزائري أو تحويل المواد من شركات جزائرية خاصة، إن العراقيل الاقتصادية والتجارية في الجزائر لا تتعلق فقط بالاستيراد، ولكن عند التصدير يكون الأمر أصعب والعراقيل أضخم، وليس ذلك إلا لسبب واحد وجلي، لا توجد شخصيات ذات سيادة تملك منتوج قابل للتصدير فأغلب الشخصيات السياسية والعسكرية القديمة والذين استفادوا من مشاريع في الجزائر أكثرها موجه للتجارة في الشراء "استيراد" والبيع "بالجملة" مع تحصيل فائدة كبيرة على حساب الشعب، ولا يوجد من أنشأ مصنع إلا الخواص ذوو النظرة التجارية والاقتصادية الثاقبة، وهم اليوم لا يستطيعون التصدير إلا للدول الذين يريدون صرف العملة الصعبة بها مثل فرنسا وإيطاليا وهي نسبة قليلة جدا.

من أين يبدا مشروع التصدير؟ الحقيقة مرة لو عرفنا عراقيل الإدارة اللامتناهية من الضرائب والجمارك وإدارة الوصية لمنح الاعتماد على المنتوج لتصديره وغيرها كثير، وليس ذلك سوى لنقص الآليات القانونية التي تسمح للشركات الخاصة من بيع منتوجاتها خارج البلاد، من دون وساطة ولا تقديم ملفات من وثائق لا متناهية ويكون المصدر  في جولة ماراثونية ليستكمل الملف الذي غالبا ما يرفض، لهذا على الإدارة والبنوك والجمارك والضرائب أن تكون أكثر مرونة عندما يتعلق الأمر بمصلحة الدولة والتخلي عن الأنانية بفرض حواجز أمام المصدرين، والتجارة الرابحة تنبع من العقل الرشيد والاقتصاد الرشيد، والمحاصيل الكبيرة تأتي من المصاريف الكبيرة، لهذا فالمشروع ينطلق من الجنوب لأنه موجه إلى الجنوب، وعليه يمكن انشاء منطقة تجارية كبيرة أو صناعية بولاية تمنراست تعمل على تحسين الوضعية الاجتماعية والتوظيف لشباب المنطقة مع تطويرها اقتصاديا وتجاريا واجتماعيا بإنشاء مرافق اجتماعية تتماشى مع الدخول اليومي للتجار من غرب إفريقية.

ومنه انشاء قاعدة تجارية أو حضيرة اقتصادية كبيرة بنواحي تمنراست تحوي على:

1. منطقة شبه صناعية ذات نشاط تجاري محض، بها عنابر لتخزين المنتوجات الموجهة إلى بلدان غرب إفريقيا وإلى سكان الجنوب الأدنى من الجزائر، وتعطى العنابر  إلى الشركات الخاصة الكبيرة والقادرة على التصدير، منها سيفيتال، كوندور، ستارليت، إيريس، بلاط، شركات الخزف "السيراميك" بسطيف، مصبرات عمر بن عمر، المصانع الخاصة للسيارات تحكوت ومصانع باتنة للشاحنات، ومصانع عمومية منها رونو  وفولسفاجن ومصنعي الجرارات والجرافات بقسنطينة، وغيرها من شركات لها منتوجات يمكن عرضها بالجنوب وبيعها لدول غرب إفريقيا.

2. انشاء مطار دولي بتمنراست من أجل تسهيل الاتصال والتنقل للسياسيين من الجزائر وغيرها من دول إفريقيا وأوروبا وخاصة أرباب العمل من الدول المعنية لإجراء عقود واتفاقيات بين الأطراف، وتحسين العلاقات السياسية للحث على التعامل التجاري وغيره.

3. انشاء بنك جزائري بالمنطقة يتعامل مع هذه الدول وبالعمولات الأجنبية لدول غرب إفريقية، تعمل على الصرف والضمان والتحويل وكل الصفقات التجارية المهمة، وقد رأينا جميعا أن الجزائر قامت في 2014 بالعفو عن الديون لكثير من الدول الإفريقية التي تستورد منتوجها من دول الشمال، لهذا أقول لما لا يكون العفو على منتوج جزائري تدفعه البنك إلى أرباب الشركات صاحبة الدين فيكون ذلك دعما لمنتوجنا وتسهيلا للشعوب الإفريقية التي تستحق كل العون.

4. انشاء مدينة جديدة بها سكنات سواء لعمال الشمال الذين تنقلوا مع شركاتهم أو لسكان الجنوب الذين ينشطون بهذه الشركات والمخازن التجارية، مع دعمها بمستشفى ومدارس ومرافق ترفيهية، وإدارات عمومية وتجارية وضريبية ومكاتب أعمال.

5. تمديد الدول الإفريقية الستة عشر بطريق سيار يقطع كل دولة دون استثناء يساهم فيه الجميع، بداية من تمنراست غربا أو الجزائر ومالي وموريتانيا والسنغال وغامبيا وغينيا وسيراليون وليبيريا وساحل العاج وبركينا فاسو وغانا والتوغو والبنين ونيجيريا والنيجر ثم العودة إلى الجزائر من شرق تمنراست. الطريق السريع شبه موجود بين العديد من هذه الدول وما يجب علينا سوى تحسينه مع التطلع إلى سكة حديدية مستقبلا وبعدما يتحسن النشاط التجاري والجمركي بين هذه الدول.

6. انشاء محطة تجارية على مسافة 200 كلم تقريبا على طول الطريق، تحوي هذه المحطة التجارية على محطة توزيع الوقود تابعة أو تحت إشراف نفطال الجزائر، وإن تطلب الأمر انشاء مصنع لتكرير البترول خاص بهذه الدول مستقبلا بتمنراست أو عين صالح، كذلك انشاء قرية صغيرة بها سكنات مطابقة ومدرسة ومسجد في كل محطة، يمكن طلب من دول الخليج والسعودية تدعيم هذا المشروع الخيري الذي يعتبر ذو هدف إنساني وديني اسلامي، يمكنه محاربة ظاهرة الإرهاب عبر بعثات دينية اسلامية توضح حقيقة الإسلام الوسطي والتسامحي، مع انشاء قاعدة تجارية صغيرة لتوزيع منتوجات التبادل التجاري بين الدول، يمكن لأي شركة تتبع دولة من هذه الدول القيام بالبيع والشراء منها، في انشاء مساحات تجارية خاصة، ومع تكوين أسطول من الشاحنات لنقل البضائع من دولة لأخرى وتسليم المنتوج إلى بائعي الجملة والموزعين أينما كانوا.

7. العمل على تحسين القدرة الشرائية لدول إفريقيا الغربية الضعيفة منها، وذلك بتحسين اقتصادها من الفلاحة والصيد البحري والصناعات التقليدية وغيرها من المنتوجات القابلة للبيع خارج نطاق الدولة.

8. العمل على الاستفادة والمقاربة للتعامل التجاري بين دول غرب إفريقيا والدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا، يكون تبادل السلع بريا إلى تمنراست ثم يحول إلى أوروبا جوا أو يحول إلى ولايات الشمال ليصدر بحرا أو يستهلك في الجزائر، علما أن هذه الدول تبحث عن فرص مثل هذه أو حتى مع اقصاء الجزائر والتعامل مباشرة، لذا علينا استغلال الفرصة استغلالا عقلانيا دون خوف أو تردد.

إن هذا المشروع موجه خصيصا إلى دول غرب إفريقيا فلا يمكن أن يدعي سياسيو البلاد التعامل مع إفريقيا كلها مثل ما صنعوا في المؤتمر الاقتصادي الأخير، كيف يمكن أن تصدر إلى جنوب إفريقيا أو الموزمبيق أو مدغشقر  وليس عندنا الإمكانيات اللازمة للنقل مثل الدول الأوروبية وأمريكا ودول آسيا الشرقية، فهم أسرع منا والتكاليف كبيرة، لهذا يجب أن نكتفي فقط بدول غرب أفريقيا، وإذا تطورت العلاقات وتحسنت التجارة يمكن الانتقال إلى علاقات جديدة منها تكوين اتحاد اقتصادي شمال – غرب إفريقيا.

أملي تبني هذا المشروع التجاري من طرف رجال الأعمال وبعض الوزارات المعنية مع تحسينه بإضافة استراتيجيات جديدة عليه، تتماشى مع المستجدات الاقتصادية الدولية وكذلك مع تطلعات أرباب العمل والطريقة الملائمة والأكثر نفعا لشركاتهم، إلى جانب ذلك يمكن للشركات الجزائرية توسيع منتوجها في شراء ماكنات من الصين وتركيا من أجل انتاج محلي لكل ما هو قادم من آسيا ثم تسويقه جنوبا خاصة وأن الثروات الطبيعية متوفرة ومشتقات البترول متعددة وكثيرة يمكن استغلالها أحسن استغلال.

 

سليمان عميرات

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم