صحيفة المثقف

مملكة الشحاذين

kamal alhardiيصادف الواحد منا شحاذين على قارعة الطريق وفي الأزقة وعلى منصات انتظار القطار وسراديب الأنفاق ومواقف السيارات وعلى عتبات المحال التجارية وفي كل حدب وصوب. لا يخلو منهم مكان وخصوصا" في الدول المتربعة على عروش التخلف والفقر والحرب كحال كثير من بلدان العرب.

ولكل طائفة من أولئك الشحاذين لونا خاصا في استعطاف القلوب واستدرار الجيوب؛ فهذا يكتفي بالإيماء إليك لتعطيه ما تجود به كفك، فإن وهبته فضله من مال شكر لك صنيعك ودعا لك وانصرف، وإن تعاميت عن مسألته تركك وشأنك ومضى في حال سبيله.

ومنهم من يخشى من أن تسفك ماء وجهه إن سألك ولم تعطه فيكتفي بالصمت والتعفف حتى يأتي من يستشف حاجاتهم فيقضيها لهم دون أن ينال من إنسانيتهم.

وهناك من المتسولين من أكل فرط التسول كل أخضر ويابس من كرامته حتى ذراه كائن غير مكترث بمدح أو قدح. تبلدت مشاعره فدفعته مرارات الحاجة وبؤس الفاقة إلى الإلحاف في السؤال؛ يستعطفك لتعطيه فإن لم تفعل استجداك لتمنحه فإن لم تفعل استحلفك لتهبه فإن لم تفعل...!!

ذلك الصنف اللحوح من المتسولين أذكى فضولي لمعرفة السر في تلك الحالة المزاجية التي تدفعهم لمقابلة الصد بمزيد من استقطار رحمات الناس. لم أجد من تفسير سوى المزيج الكريه والذي قوامه مرارات الحاجة وتحجر قلوب البشر.

تخيلت لو أني ذات يوم أصبحت شحاذا بشعر أشعث ووجه أغبر وثوب مهلهل ونعلين مخصوفين، أجوب الشوارع ليل نهار مستقصيا القلوب الرحيمة لتفيض علي بما يسد رمقي ويقيم أودي. عندئذ انتابتني رعدة سرت في قلبي وأوصالي وأحالت مروج قلبي الخضراء وحدائقه الربيعية المزهرة إلى قرية باردة خاوية على عروشها تسكنها الأشباح !

فقط عند تلك اللحظة تذكرت كلام الرب تعالى (وأما السائل فلا تنهر)، وأدركت أن مملكة المتسولين التي لا تغيب عنها الشمس ليست سواء مملكة من الرحمة لا يدخلها إلا إنسان ولا ينبذها إلا شقي

 

كمال الهردي:  كاتب وروائي يمني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم