صحيفة المثقف

التجربة الاندونيسية في البناء الديمقراطي

eljya ayshوقفة مع الداعية الإندونيسي عبد المالك مدني مؤسس "جمعية نهضة العلماء"في جاكرتا

شغلت قضية الإسلام والديمقراطية وطريقة الحكم والمشورة النيابية في البرلمان، وكذا نبذ التشدد الديني في المسائل السياسية اهتمام الكثير من العلماء والدعاة المسلمين، في العالم الإسلامي، بحيث وجدت اختلافا كبيرا فيما بينهم، كون مفهوم الديمقراطية وليد الحضارة الغربية بفلسفتها العلمانية، ما دفع بالبعض إلى تعديل الديمقراطية وتغيير بعض جوانبها حتى تتفق مع تعاليم الإسلام.

 وحفاظا على أمن واستقرار الشعوب خرج بعض العلماء المسلمين بنمط جديد للديمقراطية، حيث وضعوا مصطلحا جديدا لها سَمّوهُ " الديمقراطية الإلهية"، على نظام الحكم والدولة، وقد رحبت إندونيسيا بهذا النوع من الديمقراطية وأبدت حماستها له، وقد طبق المسلمون هذا النمط من الديمقراطية أحسن تطبيقا، خاصة بعدما حاول زعماء الأحزاب الإسلامية أن يجعلوا ميثاق "جاكرتا" أساسا للدولة، وبالرغم من كون الديمقراطية من إنتاج الحضارة الغربية المبنية على العلمانية، إلا أنها تتضمن قيما أساسية أو مبادئ تتفق مع تعاليم الإسلام مثل المساواة، التسامح، ومبدأ الشورى، وفي هذا النظام (الشورى) اقتضى وجود أحزاب سياسية، كان أول حزب إسلامي يؤسس في إندونيسيا يسمى "شركة إسلام"، ثم حزب "ماشومي" وهو حزب إسلامي موحد، كان هذا الحزب هو الممثل الوحيد للأمة.

 وفي النظام الإصلاحي أنشأت أحزاب سياسية متفتحة، كانت وليدة جمعيات ومؤسسات إسلامية مثل حزب نهضة الشعب الذي أسسته جمعية نهضة العلماء كأكبر جمعية إسلامية في إندونيسيا وفي العالم الإسلامي، ترأس هذا الحزب عبد الرحمن واحد، الرئيس السابق لجمهورية إندونيسيا، وحزب الأمانة القومية الذي أنشأته جمعية المحمدية، حزب الإتحاد البنائي، حزب العدالة والرفاهية، وأحزاب أخرى لم تكن لها أكثرية في البرلمان في كل انتخاب من الإنتخابات، كون المسلمين في إندونيسيا يميلون إلى التفريق بين التدين بدين الإسلام، وبين الانتماء إلى حزب إسلامي، بمعنى أنه لا يلزم من كون المرء مسلما أن ينظم إلى حزب إسلامي، وكان في نظرهم أن الإسلام شيء والحزب السياسي الإسلامي شيئا آخر، وهي إشارة إلى أن المسلمين في إندونيسيا كانوا يمقتون التشدد فيما يتعلق بالمسائل السياسية والحكومية، ما جعل المعارضة تفشل، خاصة عندما قام بعض زعماء المسلمين ضد إلغاء مضمون ميثاق جاكرتا، وأرادوا إقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية، وأول من قام بهذه الدعوة (سكارماجي ماريجان كرتو سويريو) قائد الجبهة المسماة بدار الإسلام والجيش الإسلامي الإندونيسي بمنطقة بجاوى الغربية، وقامت هذه الجبهة بمقاومة مسلحة عنيفة.

 ولعل التجربة الديمقراطية في إندونيسيا شبيهة بالتجربة الجزائرية عندما قامت المعارضة في الجزائر مع بداية التسعينيات، ممثلة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي دعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وترسيمها، لتصبح دستور كل الجزائريين، ودخل الجيش الإسلامي المسلح في مواجهات دموية مع النظام، تقاتل فيها أبناء البلد الواحد، غير أن الفرق أن المعارضة في الجزائر كانت تختلف عن مثيلتها في إندونيسيا، بحيث ذهبت الجبهة الإسلامية للإنقاذ ممثلة في الرجل الثاني علي بلحاج إلى تكفير كل من يتبنى الفكر الديمقراطي، وقال أن الديمقراطية من الكفر، الغريب في الأمر أن الديمقراطية في الجزائر لا أحد يعرف لونها ما هو، إن كانت ديمقراطية إلهية أم ديمقراطية علمانية، أم هي ديمقراطية بمفهوم آخر، المهم أن يعيش الشعب في أمن استقرار.

فالمسلمون في إندونيسيا كان لهم دورا عظيما في بناء الديمقراطية وتطويرها، وهو دور قال عنه الداعية عبد المالك مدني يصلح أن يكون مثالا يقتدي به المسلمين في بلدان العالم الإسلامي، رغم عمليات الإرهاب التي قامت بها شرذمة قليلة من المتطرفين باسم الدين، حيث أعطوا صورة مشوهة عن الإسلام، حتى خُيّل للبعض أن الإسلام دين عنف لا يعرف التسامح والتفاهم والتعاون مع الآخر، غير أن جمعية نهضة العلماء في جاكرتا استطاعت بأسلوب ديمقراطي أن تستقطب الإندونيسيين، حيث أن 80 بالمائة منهم اعتنقوا الإسلام عن طواعية واقبلوا عليه بحب كبير، وتعتبر أندونيسيا التي عاصمتها جاكرتا، من أكبر الدول الإسلامية في العالم من حيث عدد السكان المسلمين فيها، تقول الأرقام أن عدد سكانها يفوق عن 238 مليون نسمة، تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من قارة آسيا، تضم حوالي 16 ألف جزيرة، عرف سكانها الإسلام فاعتنقوه دون تردد، والداعية الإندونيسي عبد المالك مدني شغل منصب أمين الهيئة الشورية لجمعية نهضة العلماء في جاكرتا، وشغل منصب عميد كلية الشريعة بجامعة سونان كالي جاكا الإسلامية في جوكجا كرتا، تأسست جمعيته في 21 جانفي 1926، وهي تتبع المذهب السُنّي، وترتبط الجمعية بالمذاهب الأربعة، كما تتبنى منطق الوسطية، القائم على أساس العدالة ومحاولة الابتعاد عن جميع أشكال التطرف، التوازن في تحقيق الانسجام في العلاقات بين الناس، كانت هذه محاضرة ألقاها الداعية الإندونيسي الدكتور عبد المالك مدني بمدينة قسنطينة استعرض فيها التجربة الديمقراطية في إندونيسيا.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم