صحيفة المثقف

منزل مسكون بالأشباح

ترجمة لقصة الروائية

فرجينيا وولف

mohamad abdulkarimyousif

منزل مسكون بالأشباح

ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

 

في أي ساعة تستيقظ بها تجد بابا يغلق. يذهبان من غرفة إلى أخرى. يداهما متشابكتان. يرفعان شيئا هنا. يفتحان شيئا هناك. بكل تأكيد هما زوجان من الأشباح.

قالت: " هنا تركناه. " وأضاف هو: "أوه ! لكن هنا أيضا"

تمتمت: " إنه في الطابق الأعلى."

همس هو: " وفي الحديقة أيضا."

قالا معا:" بهدوء....وإلا سنوقظهما "

لم يكن الأمر أنكما توقظانا. أوه ! كلا. قد يقول المرء: " هما يبحثان عنه. يسحبان الستائر." ثم يقرأ صفحة واحدة أو صفحتين. يمكن أن يكون المرء على يقين وهو يضع القلم على هامش الكتاب أنهما " قد وجدا ما يبحثان عنه " آنئذ ، وقد يشعر المرء أنه متعب من القراءة ، يقف ويبحث بنفسه ليرى أن المنزل فارغ والأبواب مفتوحة ولا يُسمع إلا هديل الحمام البري مطمئنا وطنين درّاسة الحنطة ينبعث من الحقل. قلت لنفسي ويداي فارغتان:" لماذا دخلتُ إلى هنا ؟ ما الشيء الذي أبحث عنه ؟. ربما يكون في الطابق الأعلى ؟ كان التفاح في السقيفة العلوية. نزلت للطابق الأول. الحديقة كما هي دائما. فقط الكتاب انزلق فوق العشب.

لكنهما وجداه في غرفة المعيشة. وليس سبب ذلك أن المرء لا يراهما. عكس زجاج النافذة التفاح ، عكس الزهور. بدت جميع الأوراق خضراء من خلف زجاج النافذة. وإذا تحركا في غرفة المعيشة ، تدير التفاحة خدها الأصفر فقط. وإذا فُتح الباب بعد لحظة واحدة ينتشر التفاح على الأرض ويعلق على الجدران ويتدلى من السقف. ماذا؟ كانت يداي فارغتين. عبر ظل طائر السمّن فوق السجادة. ثم هدلت الحمامة البرية بصوتها من أعمق آبار الصمت. دق نبض المنزل بِرِقة بالغة وكأنه يقول:   " آمن. آمن. آمن. الكنز المدفون ، الغرفة......." ثم توقف النبض بغتة. أوه. هل كان ذلك هو الكنز المدفون ؟ "

خفت الضوء بعد لحظة. إلى الحديقة إذن ؟ لكن الأشجار غزلت الظلام باحثة عن شعاع شمس يتجول. المشهد رائع ونادر. غاص الشعاع الذي طالما بحثت عنه بهدوء حارق تحت السطح. الموت هو الزجاج.كان الموت بيننا ، صادف المرأة أولا منذ مئات السنين تاركا المنزل مُغْلِقا جميع النوافذ فأظلمت الغرف. هجره وهجرها. ذهب نحو الشمال. ذهب نحو الشرق. رأى النجوم تدور نحو الجنوب ، بحث عن المنزل فوجده ملقى على الأرض. دق نبض المنزل بسعادة غامرة وكأنه يقول: " آمن. آمن. آمن. الكنز كنزك."

تزأر الريح في الطريق المشجر من الجانبين. تنحني الأشجار وتميل هذا الصوب وذاك الصوب.يتناثر ضوء القمر ويفيض بجموح وسط المطر. لكن شعاع المصباح يسقط مباشرة من النافذة. تحترق الشمعة بقوة وصمت. زوجا الأشباح ينشدان الاستمتاع من خلال التجوال في المنزل وفتح النوافذ والهمس حتى لا يوقظاننا.

تقول هي: " نمنا هنا."

يضيف هو:" قبلات لا تحصى. نستيقظ في الصباح. الأشعة الفضية بين الأشجار. الطابق الأعلى. في الحديقة. عندما يأتي الصيف. في الشتاء أثناء الثلج. تغلق الأبواب بعيدا عن مسافة. تقرع الباب برقة مثل نبض القلب."

يقتربان أكثر. يتوقفان عند المدخل. تعصف الريح ، ينزلق المطر فضيا على الزجاج. تسودّ عيوننا. لم نعد نسمع خطوات بجانبنا. لم نعد نرى سيدة تنشر عباءتها الشبحية. تحجب يداه ضوء المصباح يهمس قائلا:" انظري. نائمان بعمق شديد. والحب يخيم على شفتيهما."

ينحنيان حاملين مصباحهما الفضي فوق رأسيهما ينظران طويلا وبعمق. يتوقفان طويلا. تزداد سرعة الريح. ينحني اللهب قليلا. يعبر ضوء القمر الأرض والجدار. ثم يلتقيان يرسمان بقعة على الوجهين المنحنيين ، الوجهين المتأملين ، الوجهين اللذين يفتشان النائمين بحثا عن سعادتهما المستترة.

يدق نبض المنزل باعتزاز وكأنه يقول: " آمن. آمن. آمن "

يتنهد هو قائلا: " من سنوات طويلة. وجدتني مرة أخرى. "

تتمتم هي قائلة: " هنا. نائمان ، في الحديقة يقرآن. يضحكان. يدحرجان التفاح في السقيفة العلوية. هنا تركنا كنزنا."

ينحنيان. يرفع الضوء جفنيّ عن عينيّ. يدق نبض البيت بجموح وكأنه يقول: " آمن. آمن. آمن. وعندما صحوت من نومي صرخت قائلة: " هل هذا كنزكما المدفون ؟ كنزكما المدفون هو نور في القلب"

..................

الحواشي:

(1)- فيرجينيا وولف: أدلين ڤرجينا وولف (1882-1941) مؤلفة بريطانية ورائدة من رواد الحركات النسائية، تعد من اهم الشخصيات الادبية الحداثية في القرن العشرين الميلادي. بين الحربين العالميتين كانت وولف من اهم الشخصيات الادبية في لندن وفي مجموعة بلومزبري. ولدت ادلين فيرجينيا ستيفن في عائلة ارستقراطية ونشئت على قواعد المجتمع الفكتوري الصارم. بعد وفاة والدتها عام 1895 تعرضت لسلسلة من الانهيارات العصبية. كما اقرت في سيرتها الشخصية انها و شقيقتها تعرضتا للإساءة و الاستغلال الجنسيين من قبل اخوين غير شقيقين. ويعتقد بشكل واسع الان انها عانت من مرض عقلي ،طبع حياتها و ادبها و ادى في نهاية الامر إلى انتحارها. في عام 1912 تزوجت من المفكر السياسي ليونارد وولف، وفي عام 1915 نشرت روايتها الاولى "نهاية الرحلة". ومن يومها وهي تعد واحدة من اهم الروائيين في القرن العشرين. تعتبر وولف من اهم المجددين في اللغة الانكليزية، خاصة اسهامها في تشكيل تيار الوعي مع كل من هنري جيمس وجيمس جويس، حيث تلعب الدوافع النفسية العميقة، والحوافز العاطفية والسرد المختلط مع مفهوم تحطيم الزمن. وعلى حد قول تعبير اي. ام فورستر فأنها دفعت باللغة الانكليزية بعيدا عن الظلمة. خفت الاهتمام بها بعد الحرب العالمية الثانية، ثم عاد في السبعينات ،من خلال الحركات النسوية الناشطة التي عدتها رمزا نسائياً وأيقونة لنضال المرأة. تعتبر قوة وولف الادبية في ثراء لغتها وشاعريتها، فرواياتها خالية تقريبا من الاحداث ومن الحبكة التقليدية لكنها تعتمد على تداعيات شخوص الرواية وذاكرتهم. في رواية (السيدة دالاواي) 1925 تقوم الرواية على استرسال السيدة دالاواي في افكارها بينما هي تحضر لحفلة عشاء في منزلها. أما (إلى المنارة) فالرواية كلها تقوم على قيام افراد عائلة بنزهة عادية ، و استرسال كل فرد منهم في افكاره الخاصة اثناء ذلك. اما في (فلاش)1933 فهي تستخدم لغتها لتتقمص مشاعر كلب منزلي تجاه اصحابه و شعوره بالود او الكره او الغيرة تجاه كل من افراد العائلة التي تمتلكه. من اعمالها المهمة ايضا (الامواج)1931 ، (غرفة يعقوب) 1922 ، (بين الفصول)1941 في 28 آذار 1941 ، ملئت فيرجينيا جيوبها بأحجار ضخمة و القت بنفسها منتحرة في النهر، بعد رسالة جد مؤثرة تركتها لزوجها ، تخبره فيها ان المرض العقلي عاد اليها و انها تسمع اصوات طول الوقت ، و انها هذه المرة لن تتمكن من العلاج ، و ان ذلك لو استمر فسيحطمه و يحطم عمله ، و تشكره فيها ايضا على" احسن سنين حياتها".

 (2)- العنوان الأصلي للقصة:

A Haunted House and other stories , Virginia Woolf, University of Adelaide, Australia,2016

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم