صحيفة المثقف

ديغول سعى الى خلق قوة ثالثة تصبح الإدارة الجزائرية للاستعمار الحديث

eljya ayshحظي تأسيس الحكومة المؤقتة اعتراف العديد من الدول، برهن ذلك على أن جبهة التحرير الوطني لم تكن في حالة احتضار كما كانت تدعي الأطروحة الديغولية، وقد حرصت الحكومة المؤقتة على أن تلفت نظر الرأي العام والمجتمع الدوليين إلى المكائد الفرنسية تجاه الثورة الجزائرية، خاصة ما تعلق بتمديد عمليات الاستفتاء، والحقيقة لولا تظاهرة 17 أكتوبر 1961 لما اعترف ديغول أن الحل يكون سياسي وليس عسكري، حيث أجبر على الاعتراف بجبهة التحرير الوطني، كما أجبر على التفاوض معها، حيث جاءت مفاوضات إيفيان التي أنهت الاستعمار واتفاق الجانبان على توقيف القتال

كانت الحكومة المؤقتة بقيادة فرحات عباس بمثابة الرأس المسير للثورة، ففي اللقاء الذي عقدته لجنة التنسيق والتنفيذ التي تمثل السلطة التنفيذية للمجلس الوطني للثورة الجزائرية في 09 سبتمبر 1958 ضمَّ كل من فرحات عباس، الأخضر بن طوبال، عبد الحفيظ بوالصوف، محمود الشريف، كريم بلقاسم، محمد الأمين دباغين، عبد الحميد مهري، عمر أوعمران، ناقشت المجموعة مسألة تشكيل الحكومة المؤقتة، وقد استعرضوا في الاجتماع الوضع السياسي والعسكري للبلاد وتطور الأحداث على الساحة الفرنسية، ومجيء ديغول الى الحكم، أين تقرر تشكيل في أقرب وقت حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية، دشنت ميلادها بالإعلان عن موقفين أساسيين، وهذا بغية التضييق على الدبلوماسية الديغولية، الأول هو الإعلان عن استعدادها للتفاوض والثاني هو قرار إطلاق سراح بعض الأسرى الفرنسيين، وقد كلفت القضية الجزائرية خسائر كبيرة بالنسبة لفرنسا، حيث أُجْبِرَ الجنرال ديغول على طرح بعض الاقتراحات لإنهاء الحرب، لأن المقاومة التي أبداها الثوار الجزائريين في الجبال أصبحت تهدد صميم فرنسا، فعمد ديغول إلى تقسيم الأمة الجزائرية، بحيث تكون لكل منطقة حكم ذاتي مبني على مجموعات (عرقية فرنسية، عرقية قبائلية وميزابية) تتعايش فيما بينها في إطار النظام الفيدرالي الذي هو امتداد للقانون الأساسي لـ: لانيال Laniel  1958 الذي يهدف في الواقع إلى تجزئة الجزائر، تم ذلك عن طريق التهديد، بعدما اختار ديغول منطقة خاصة للأوروبيين، مع الاحتفاظ بالصحراء وكل المنشآت النفطية التي اعتبرها ثمارا لفرنسا، وقال أنها تهم كل الدول العربية.

حسبما جاء في مذكرات يوسف بن خدة، فقد كانت قضية "النفط" السبب الرئيسي في طول الحرب وتقدمها بثلاث سنوات، فديغول لم يكن يعترف بجبهة التحرير الوطني كممثل وحيد للمقاومة الجزائرية، كما أن موقف الحكومة المؤقتة كان واضحا، إذ كانت ترى أن تقرير المصير مرهون بتوفر شروط سياسية وعسكرية، وأن لا يتم وقف إطلاق النار دون تحقيق هذه الشروط، ومقابل هذه الشروط لجأ ديغول إلى المناورات، حيث لجأ إلى مساومة قادة الولاية الرابعة من أجل وقف إطلاق النار في هذه المنطقة فقط، في نفس الوقت قام بدعم القوات المسلحة في الجزائر فيما عرف بعمليات "شال" و"موريس" للقضاء على الثورة الجزائرية، واعتبر ديغول أنه بهذا المخططين أن التحقيق العسكري على الثورة قد أصبح وشيكا، وفضلا عن هذا، ادّعى ديغول أن الحكومة المؤقتة ترفض التفاوض، ولكن ما فتئ ديغول أن يكتشف بنفسه أن التقارير التي كانت تصله ليست صحيحة، وأن جيش التحرير الوطني ما زال يتمتع بالقوة، والحقيقة وكما جاء في كتاب : النُّوفَمْبَرِيُّون يُطِيحُونَ بجنرالات فرنسا (ديغول ينهزم في الجزائر) تأليف علجية عيش طبعة 2017، أن ديغول أن ديغول كان يبحث عن طرق يصل بها إلى "الهدنة"، كما جاء على لسان ممثله " لومبيدو" في لقاء لوسارن المنعقد في 20 فيفري 1961 من أجل أن يحقق حلمه في فصل الصحراء عن الجزائر، وهو المقترح الذي رفضته الحكومة المؤقتة، وهنا أجبر ديغول على المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، غير انه أبقى تحفظه على قضية الصحراء، لأنه كان يدرك أن الدول المجاورة ستؤيده، خاصة المغرب، التي كانت تطالب بتندوف ( أيام محمد الخامس)، وبورقيبة كان يطالب بعلامة الكلم رقم 233، وهي منطقة نفطية تقع غرب غدامس، وأمام إحساسه بالفشل أعلن ديغول في خطاب له في سبتمبر 1959 عن مشروع جديد سمي بـ: "تقرير المصير" من أجل أن يكسب الرأي العام الدولي والمحلي لصفه وتبرير هزيمته العسكرية أمام جيش التحرير الوطني، لكن رد الثورة كان عنيفا، فقد عبرت الحكومة المؤقتة عن استعدادها للدخول في محادثات مع الحكومة الفرنسية لبحث الشروط السياسية والعسكرية لوقف القتال، وبحث شروط وضمانات تقرير المصير، وأن يقول الشعب كلمته بعيدا عن أيّ تهديد، مع سحب الجيش الفرنسي من الجزائر، وأكدت على رفضها لمشروع التهدئة الذي جاء به ديغول، بعدما كشفت مناوراته أمام القارات الخمس، والتي من خلالها كسبت تأييد عالمي للقضية الجزائرية، لم يكن لديغول خيار آخر سوى الذهاب إلى "المفاوضات" بعدما وجد نفسه وحيدا يواجه المعمرين المتواجدين بالجزائر الذين أصروا على البقاء، فكانت مهمته إقناعهم بوجوب التفاوض مع جبهة التحرير الوطني لإيجاد مخرج لفرنسا من الحرب التي كلفتها خسائر مادية وبشرية فادحة.

فهذه شهادة حية من المجاهد عبد الحميد ابراهيمي في مذكراته التي جاءت تحت عنوان: " في أصل المأساة الجزائرية " أن ديغول كان مقتنعا بالمجيء الحتمي للإستقلال السياسي للجزائر، والحقيقة لولا تظاهرة 17 أكتوبر 1961 لما اعترف ديغول أن الحل يكون سياسي وليس عسكري، حيث أجبر على الإعتراف بجبهة التحرير الوطني، كما أجبر على التفاوض معها، حيث جاءت مفاوضات إيفيان التي أنهت الإستعمار واتفاق الجانبان على توقيف القتال، اقتنع الفرنسيون بأن الأساليب القمعية التي مارسوها في حق الشعب الجزائري لم تستطع إيقاف الثورة عن مسارها من أجل تحقيق النصر، حيث لجأ ديغول إلى المفاوضات، فيما عرف باتفاقيات إيفيان لوقف إطلاق النار وتقرير المصير، كانت مهمة ديغول هي إقناع المعمرين بوجوب التفاوض مع قادة جبهة التحرير الوطني لإيجاد مخرج لفرنسا من الحرب التي كلفتها خسائر مادية وبشرية، والقبول بالحل السياسي، لقد لجأت فرنسا إلى التفاوض، دون أن تتطرق إلى قضية الصحراء، وكأنها أرض فرنسية، لكن هذه المفاوضات التي كانت من المفروض أن تتم في إيفيان تجلت أكثر من مرة لأسباب عديدة منها انقلاب الجنرالات الفرنسيين المتطرفين على الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول والإطاحة به ومنهم الجنرال سالان، جوهو وشال، كما أن تأجيلها كان بسبب رفض الطرف الجزائري التفاوض بشان المبادئ التي جاء بها بيان أول نوفمبر 1954، مما دفع رئيس الوفد الفرنسي لويس جوكس إلى وقف المفاوضات في 13 جوان 1961، ولاستئنافها تم اختيار مدينة لوقران lugrin، دون التوصل إلى أيّة نتيجة، وكان الطرف الجزائري هو الذي أصر على إيقافها بسبب إصرار الحكومة الفرنسية على عدم الاعتراف بالسيادة الجزائرية على الصحراء، إلى أن اعترفت فرنسا بهذا الحق في خطاب ألقاه ديغول يوم 05 سبتمبر 1961 اعترف فيه بسيادة الجزائر على صحرائها، فكان اللقاء الثالث بمدينة بال السويسرية.

ورغم الخلافات التي نشبت بين قادة الثورة في الداخل والخارج، غير أن المفاوضات استمرت بعد موافقة المجلس الوطني للثورة الجزائرية فيما عرفت بمفاوضات إيفيان الثانية، حضرها كريم بلقاسم، سعد دحلب، محمد الصديق بن يحي، الأخضر بن طوبال، عمار بن عودة، رضا مالك والصغير مصطفاي، والتقى الجميع بالوفد الفرنسي الذي كان يمثله لويس جوكس الجنرال دوكاماس وآخرون، وتوج اللقاء بتوقيع اتفاقيات يوم 19 مارس 1962 وتوقيف إطلاق النار، وتنظيم استفتاء تقرير المصير، لقد تمكنت الثورة الجزائرية من تحقيق انتصارات دبلوماسية هامة، حيث ساندت العديد من الدول حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، وأصبحت القضية الجزائرية تناقش على مستوى جمعية الأمم المتحدة، أما الحكومة الفرنسية برئاسة الجنرال ديغول، فأصبحت تتخبط وتبحث عن كيفية التخلص من مشكل حرب الجزائر بأقل الخسائر، فالمفاوضات بين الحكومة الفرنسية وقيادة الثورة الجزائرية كانت تتعثر أحيانا، وكانت الحكومة الفرنسية تختبر مواقف الحكومة الجزائرية المؤقتة وتبحث عن مخرج يحفظ فرنسا مصالحها بعد منح الجزائر استقلالها، حيث بدأت المساومات، بمنح الجزائر حق الحكم الذاتي مع الاحتفاظ ببعض المناطق تحت السلطة الفرنسية، لكن صمود الثورة وإصرار قيادتها على تحقيق هدف الاستقلال التام، ولتحقيق ذلك جاءت خطة تشجيع الضباط الجزائريين الذين كانوا في صفوف الجيش الفرنسي على الفرار المموه منه والالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني قصد اختراق صفوفه والتأثير في توجيه نفوذه في إطار الخطة الفرنسية، وهي في الحقيقة خطة وضعها ديغول للحفاظ على المصالح الفرنسية.

بعض المؤرخين ومنهم محمد الميلي يرون أن اتفاقيات إيفيان إمّا هي مشروع عملي لتفجير جبهة التحرير الوطني أو حل وسط ثوري، فقد سعى ديغول الى خلق قوة ثالثة تصبح الإدارة الجزائرية للاستعمار الحديث، وبالتالي يضمن مصالحه، بدليل الضمانات التي منحتها اتفاقيات إيفيان للأقلية الأوروبية، واحتفاظ الحكومة الفرنسية بقاعدة مرسى الكبير وبعدد من المطارات وغير ذلك، مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والمالية بين البلدين، كذلك التعاون في المجال الثقافي، أي تكوين فئة جزائرية تخدم مصالحه، وبهذه الشروط أو القيود دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد الاستقلال مرحلة جديدة وكأن شيئا لم يحدث، ما لا يمكن نسيانه هو أن ديغول خلق فتنة في صفوف الثوار بإقحام بعض الخونة والمرتزقة والجواسيس في صفوف الثورة، ولكن مشاريعه كلها باءت بالفشل أمام صلابة وعزيمة الثوار، فلم يكن له خيار سوى الاستسلام، كل هذه العوامل أرغمت ديغول على الاعتراف بالسيادة الجزائرية.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم