صحيفة المثقف

مسلسل عفاريت عدلي علام .. الظاهر والمضمر

ali jabaralfatlawiعرضت قناة الشرقية مسلسل (عفاريت عدلي علام) المصري في شهر رمضان لهذا العام (2017 )، المسلسل من تأليف الكاتب المصري (يوسف معاطي) وإخراج الفنان (رامي إمام)، وتمثيل نخبة من الفنانين المصريين المعروفين منهم الفنان الكبير (عادل إمام) وهو بطل المسلسل، والفنانة (هالة صدقي) و(غادة عادل) و(أحمد حلاوة)، وغيرهم من الفنانين المصريين المعروفين، وظاهر المسلسل هو كوميدي حسب تصنيف المختصين من أهل الفن، وأنا كمشاهد أوافقهم الرأي، لكن أقرأ المسلسل من زاوية أخرى غير قراءة أهل الفن.

 أرى المسلسل يعرض نسقين من الرسائل، الأول ظاهر وقد شخّصه المختصون في الفن أنه كوميدي، والثاني مضمر، وليس شرطا أن يتصف كل نص  بنسقين ظاهر ومضمر، لكن بعض المؤلفين يلجأ إلى الظاهر والمضمر لظروف خاصة، أو كأسلوب في التعبير عند البعض، مثلا الشاعر أحمد مطر لجأ في (اللافتات) إلى الظاهر والمضمر، والأفكار التي يطرحها المؤلف ليس بالضرورة أن تتوافق مع أفكار المتلقي، لأن لكل مؤلف نسقه في التفكير، وهو حرّ في التعبير عن أفكاره بالطريقة التي يراها مناسبة، وقد تتوافق أفكاره مع القارئ أو لا تتوافق، والقارئ أو المشاهد هو حر أيضا في استقراء المضمر وتوجيهه حسب رؤيته، هذه الحرية التي يعطيها النص للقارئ أو المشاهد هي جزء من حيوية وديمومة النص، وفي أجواء هذه الحرية الشخصية في قراءة النص، وحتى عندما يتحول النص إلى مشهد تمثيلي، يقوم القارئ أو المشاهد بالاستيحاء والاستنتاج ويختلف القراء والمشاهدون في هذه الاستيحاءات حسب الزمان والمكان، وحسب الخلفية الثقافية والفكرية أو الدينية والاجتماعية، وكلما زادت حيوية النص أو المشهد زادت مساحة الاستيحاءات فالعلاقة بينهما طردية، مسلسل (عفاريت عدلي علام)، يضمر أفكارا بهدف إيصال رسائل إلى المشاهد.

 الفنتازيا في المسلسل عامل مساعد في استيحاء الاشارات التي تلامس الواقع، وهي جزء من منظومة المشاكل الكثيرة التي يشكو منها المواطن، في المسلسل رسائل سياسية مضمرة موجهة إلى الشعب المصري والشعوب العربية، منها أن حقوق الشعوب ضائعة ومسلوبة من قبل الحكام، وأن الإصلاح أو التغيير وصل إلى طريق مسدود، ومن يحمل روحا وطنية من المسؤولين عاجز عن تحقيق انجاز لصالح المواطنين، فالحكام الذين يدّعون الوطنية وينشدون باسم العدالة، ويتغنون بالحرية والكرامة والمقدسات، هي أكاذيب يسوّقونها لتخدير الجماهير المغلوبة على أمرها، والشعب المصري وبقية الشعوب العربية أضحت ضحية هذه الشعارات الكاذبة البرّاقة، وأكبر كذبة سوّقتها أمريكا والحكّام التابعين لها، هي كذبة الربيع العربي الذي طبّلت وزمّرت له أمريكا وإسرائيل وذيولهما في المنطقة، ولم يشمل الربيع المزعوم الحكومات التي تتعاون مع أمريكا لتحقيق مشاريعها في المنطقة  رغم أن هذه الحكومات هي الأولى بالتغيير، لأنهم بعيدون عن المسار الديمقراطي في الحكم، فهم متشبثون بعروشهم الوراثية ومحميون بقوة أسيادهم، وقد أعلن ترامب عن هذه الحقيقة علنا في حملته الانتخابية، وبعد فوزه طالب برفع سقف ثمن حماية هذه العروش المتهرئة، وكجزء من ثمن حماية عروش الحكام العرب إضافة إلى الأموال الكبيرة المدفوعة، أن يقيم هؤلاء الحكام علاقات طبيعية مع إسرائيل وأن يعلنوا عداءهم لتيار المقاومة ولمن يدعم هذا التيار، وهذا ما يحصل اليوم على أرض الواقع، أما الحكومات العربية التي تعلن شعوبها الوفاء للمقاومة، فهي التي وقعت ضمن دائرة الاستهداف في أحداث الربيع الامريكي الصهيوني، إذ استيقظت هذه الشعوب على كذبة (الربيع العربي) الذي تحول إلى خريف جارد لكل الخيرات، ففي مصر سلّم الربيع الامريكي الصهيوني الحكم للإخوان باسم التغيير والديمقراطية، وبسبب صراع النفوذ بين السعودية الوهابية والأخوان حصل التغيير الآخر بزعامة عبد الفتاح السيسي لصالح السعودية.

 الصراع بين الوهابية والاخوان ليس صراعا فكريا لأنهما يتغذيان من منبع واحد هو التطرف والتكفير التأريخيين، بل هو صراع المصلحة والنفوذ، ومَنْ هو الذي يمثّل هذا الفكر المتطرف أمام السيد الأمريكي؟ والصراع ليس جديدا لكنه في هذا الوقت خرج إلى العلن، أما أمريكا فهي الراعية للاتجاهين، ومن مصلحتها ومصلحة الصهاينة  بقاء الاتجاهين في الساحة يتصارعان.

استلم عبد الفتاح السيسي السلطة من الاخوان بسلّم الديمقراطية، فجلس على كرسي السلطة بدعم المال السعودي الوهابي، وكان الثمن الذي دفعه السيسي وحكومته للسعودية، تسليم جزيرتي تيران وصنافير إليها رغم إرادة الشعب المصري، وتسليم الجزيرتين من الناحية العملية إلى السعودية تسليم لسيادة الجزيرتين إلى إسرائيل لتتحكم في مدخل ومخرج قناة السويس، وهذا هو المخفي في الصفقة السعودية مع حكومة مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي، والظاهر لن يستطيع الشعب المصري تغيير الحال لصالحه، لأن خدمة (عفاريت عدلي علام) تحولت إلى صالح السيسي.

 إن كل ما يجري اليوم من إرهاب وتدمير وقتل وفوضى في مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن ودول أخرى، كل هذا يجري من أجل عينيك يا إسرائيل والشعوب ترى العوائل الحاكمة في الخليج وهي تمول هذه اللعب الذي دمّر البلدان والحضارة وكل ما ينبض بالحياة، والثمن بقاء عروش هذه العوائل على قيد الحياة لتحكم باسم الشعوب زورا، حتى يحين موعد الاعلان العلني للاعتراف باسرائيل  وقد بدأت علامات هذا الموقف الجديد تلوح في الأفق، إذ بدأ التياران الموظفان لتحقيق هذا الهدف وهما تيار السعودية الوهابية وتيار جماعة الإخوان الذي تمثله قطر وتركيا يتصارعان أيهما يقدم خدمة أكثر في هذا الميدان، ومن مستلزمات الصراع شراء المزيد من السلاح الامريكي، ومنح الامريكان المزيد من المليارات  أما الشعوب المظلومة فهي ضحية (عفاريت عدلي علام) الذي يحكم ممثل هذه العفاريت باسم الشعب، لا نقول وصلنا إلى درجة اليأس القاتل، لكن الامريكان والصهاينة وذيولهما من الحكام الأعراب هم من يريدون إيصال الشعوب إلى هذه المرحلة، الشعوب أملها بالله وبوجود المقاومة في الميدان صابرة صامدة، قوى الشّر ألقت بكل ثقلها بما في ذلك تجنيد عفاريتها للنيل من المقاومة، لكن إرادة الشعوب ستنتصر مهما جندوا من عفاريت.

عضو البرلمان (عدلي علام) صديق العفاريت لم يستطع أن يفوز بأصوات الجماهير، بل عفاريته هي مَنْ منحته الفوز، ومنافسه الآخر المشعوذ الدجال الشيخ صادق كسب الجماهير بشعوذته، لكنه لم يفز بالانتخابات لأن (عفاريت عدلي علّام) هي الأقوى في التضليل والتزييف، وهذه إشارات إلى أن بعض السياسيين في الساحة لا يحققون الفوز لولا توظيفهم الوسائل المضّلِلة للجماهير، كلا الاتجاهين الفنطازيين إتجاه عدلي علام والشيخ صادق في خدمة سياسيي الساحة.

هنا يتبادر السؤال: كيف يستطيع ممثل الشعب الحقيقي الفوز في وسط هذا الظلام الدامس الذي تخلقه العفاريت ودجل السحر والشعوذة؟ والحقيقة الموضوعية أن السياسي المخلص حتى لو فاز بقوة جماهيره، فلن تسمح له قوى الشرّ بالعمل السليم، إذ سيخلقون له المعوقات بجيوشهم من العفاريت والتضليل والشعوذة.

 المسلسل عكس حالة الصراع السياسي في مصر بين الحكومة المصرية المدعومة من الحركة الوهابية، في مقابل تيار الاخوان المسلمين المدعوم من قطر وتركيا وكلا التيارين في خدمة المصالح الامريكية الاسرائلية وصراعهما تنافسي، أيهما يقدم خدمة أكبر للسيد الأمريكي؟ أما الشعب المصري فهو ضحية صراع التيارين وحكومة السيسي المنحازة للموقف السعودي لا يهمها مصلحة الشعب المصري بقدر اهتمامها (بعفاريت عدلي علام) لتسيير سياسة البلد، لذا نراها تمارس الكثير من حالات التضليل، كما يمارسه السياسي عدلي علام والمشعوذ الشيخ صادق.

 حياتنا السياسية قائمة على التضليل وخداع الجماهير على مستوى مصر والوطن العربي، التضليل في السياسة نسق استوحيناه من تضليل وخداع عدلي علام والشيخ صادق، وما أكثر السياسين في مصر وغيرها من البلدان ممن يؤدون دور عدلي علام والشيخ صادق، الدجل والشعوذة اليوم يؤثر في حياة الكثير من الناس الذين وقعوا ضحية هذا الاتجاه، ونستوحي من المسلسل نسقا اجتماعيا، هو اعتقاد الكثير من الناس خاصة من الطبقة العامة بقضايا السحر والشعوذة، وقد سببت هذه الاعتقادات المشاكل لشريحة من المجتمع، إذ ضعفت عرى العلاقات الاجتماعية وتمزق نسيج بعض العوائل.

 يعرض المسلسل نهاية عدلي علام الذي سطع نجمه السياسي، إذ لم تدم له حالة النجاح المزيّف، لأن نشاطه السياسي بُنِي أصلا على أسس خاطئة، وبسبب سيره في الاتجاه الخطأ وفشله، اتّجه إلى طريق الرذيلة لعلاج مشاكله النفسية، وهذا شأن كل من يسير في الطريق غير الطبيعي، المزيد من التعقيد النفسي ودمار الذات رغم الغنى الفاحش غير المشروع، أخيرا اقتنع أنه لا يصلح لقيادة البلد سياسيا، وترجم هذه القناعة من خلال رفضه أداء اليمين لمنصب رئيس البلاد، وليت كل الرؤساء الفاشلين يتعظون بعدلي علام ويعلنوا عن فشلهم وتنحيهم عن المسؤولية، وهذه رسالة بعثها المسلسل إلى كل الرؤساء العرب الفاشلين، ولكن هل مَنْ يتعظ؟

لا أحد من الرؤساء العرب يأخذ العبرة، لأن الملك عقيم على حدّ قول هارون الرشيد لولده المأمون: الملك عقيم لو نازعتني أنت عليه لقطعت عنقك، وهذا ما نشاهده اليوم في ساحاتنا العربية، آخرها قيام ملك السعودية عزل محمد بن نايف  عن ولاية العهد وتحويلها إلى ابنه محمد، وجرى مثل هذه اللعبة سابقا في قطر وهناك أمثلة عملية أخرى في دول الحكومات الوراثية العربية، والنتيجة النهائية التي نصل إليها أن الخاسر الوحيد في كل هذا اللعب غير المشروع وغير الأصولي من بعض القادة في السياسة والمجتع هي الشعوب.

هذه الإشارات والانساق السياسية والاجتماعية استوحيناها من المسلسل بنسقيه الظاهر والمضمر، مسلسل (عفاريت عدلي علام) هادف وجدير بالمشاهدة لأخذ الدرس والعبرة، ولنتعرّف على الطرق الملتوية التي يستخدمها بعض السياسيين الذين يسيرون بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وبعض أدعياء الدين من المشعوذين الذين ظاهرهم حسن وباطنهم سيء وقبيح، مسلسل الكاتب المصري (يوسف معاطي) يحمل نقدا موجها بطريقة فنطازية لبعض السلوكيات الاجتماعية والسياسية ويعرض نماذج منها كشخصية عدلي علام والشيخ صادق والزوجة غير الصالحة التي يتحكم في حياتها السحر والشعوذة مما تسبب النكد لزوجها، المسلسل بحلقاته صيحة انذار لكل سياسي يريد الوصول الى السلطة بالطرق الملتوية، وجرس تنبيه للشعوب كي تلتفت الى القيادات السياسية والاجتماعية المنحرفة لتوقفها عند حدودها، بعد أن باعت ذواتها للدولار، وعلى الشعوب اتخاذ القرار الجريء لتتخلى عن هذه القيادات المزيفة، وتبيعهم في سوق (الخردة) بعد أن باعوا الوطن والمقدسات.

 

علي جابر الفتلاوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم