صحيفة المثقف

وقفة مع الحلقة (3) في حوار مفتوح مع الأستاذ ماجد الغرباوي

النفط والغاز  ليسا سببًا أساسيًا للتمدد العسكري والأستمرار في الحرب.!!

مدخل لا بد منه: الخوض في فقه السياسة يختلف عن الخوض في فقه الدين .. في الأول: تجد المطلقات والنسبيات، وفي الثاني: لا تجد سوى المطلقات .. ومن هذا الباب يتوجب عدم الخلط لا في النظرية ولا في التطبيق بين الفقهين.!!

في علوم الفلسفة السياسة الدولية .. هنالك الجزئي والكلي، الأساسي والثانوي في السياسة – الأستراتيجية أيضًا .. وإن الحقيقة الموضوعية لا تكمن في جزئيتها، إنما في كليتها، الشكل والمضمون .. فمن الصعب تكثيف الأهداف في الجزئي من مجرى هذه السياسة وترك الكلي أو الرئيسي الجوهري عند التحليل عائمًا وغامضًا .. لأن إكتمال الصورة لا يتم إلا في إكتمال الشكل الظاهري للسياسة مع المضمون الباطني لها .. والحرب هي إمتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى.

دعونا نفصل الأمر

يمكن للسياسة أن تفتح خطوطًا لأنابيب النفط والغاز على طاولة المفاوضات ما دام المسعى هو المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة، من المنتج إلى المستهلك ودول العبور - وفي هذا الأمر تجارب كثيرة لدى دول النفط والغاز وفي مقدمتها روسيا، المنتج الأول للغاز في العالم، ودول الخليج العربي وإيران ودول أوربية ولآتينية أمريكية- وخطوط نفط ومشاريع تمديد أنابيب الغاز لألاف الكيلومترات فوق الأرض وتحت الماء فضلا عن النقل البحري عبر المضائق والمعابر.. أين هي المشكلة إذا كان الجميع مستفيد، على طاولة المفاوضات، المنتج والمستهلك والمنتفع ؟

والتساؤل هنا .. إذا كان أمر النفط والغاز، بإعتبارهما سلعتان إستراتيجيتان للبيع لآماد تحت عقود وإعتمادات قد تتم من خلال تعاقدات إعتمادات المصارف والبنوك الرسمية وتحويلاتها .. فلماذا العمل على مد خطوط النفط والغاز عن طريق القوة المسلحة؟ ولماذا يكون تمدد أنابيب الغاز والنفط عن طريق التخطيط المتعمد للأختراق السيادي للدول الأخرى؟ فهل هذا السلوك هو خيار حرب أم خيار سلام؟ وهل أن خيار الحرب هو خيار (ضرورة) أم (إختيار)، كما ظهرت مثل هذه المصطلحات في كتابات الخبراء الأمريكيين سابقًا، كما ظهرت في تصريحات بعض السياسيين الأقليميين حديثًا.

- إذن .. أن الخطوط هذه التي أدخلها صانع القرار السياسي في خانة الضرورة لها اسبابها ودوافعها واهدافها في ظل اجواء تقاطعات المصالح واختلال توازنات القوى التي تعج بها منطقة الشرق الأوسط بالفوضى المدبرة.. وإن وضع خيار ضرورة الحرب لمد أنابيب النفط والغاز، هل سيجعل هذه الأنابيب بمأمن من ردود الفعل بتدميرها جملة وتفصيلاً في الراهن أو المستقبل؟، وهذا يجر للأعتقاد إن سبب ما يحدث في المنطقة ليس بسبب مشاريع تمديد أنابيب النفط والغاز والصراع الدولي والأقليمي بشأنهما لأعتبارات عديدة، إنما لغايات أخرى كبرى أو كلية تدخل خانة منهجيات المشاريع الأقليمية والدولية من أجل تنفيذها في هذه المنطقة الحيوية من العالم .. ومن أجل تنفيذ مشاريع الهيمنة لا بد من إعتماد أغطية للتمدد أو التدخل لخلق (فراغات) في الأمن وفراغات في السياسة لتفريغ الفكر وإنتزاع الهوية وتفسيخ الروح المحركة لمقوماتها، عندها ليس ثمة ما يجعل الصراع مستمرًا فتتحقق الهيمنة.!!

إن تصوير الأمر الراهن وتكثيفه في (جبهتين) تتصارعان وكل منهما يحمل إجندة (النفط والغاز وأنابيب يراد مدها، ليس عبر طاولة المفاوضات إنما عن طريق القوة) .. هذه الصورة ليست دقيقة ويعلوها شيئًا من الضبابية .. وهي صورة مغلفة تحاول أن تثبت (صدقية أو مشروعية) الحركة أو النقلة السياسية للدولة (أ) أو (ب) حيال أهدافها المادية الصرفة في إطار سياسة- إستراتيجية وبأدوات لم تعد سرًا .

إن تصوير جبهة نفط وغاز يشكلها (الروس والأيرانيون) يقابلها جبهة نفط وغاز يشكلها (القطريون والسعوديون والأردنيون والسوريون والأتراك والأوربيون) .. هو تصوير ليس صائبًا بتحليل رؤية السياسة الدولية والأقليمية .. فروسيا تعتمد شبكة ضخمة ومعقدة من خطوط الأنابيب، تمتد من روسيا مرورًا بأوكرانيا وبيلاروسيا إلى أوربا- ألمانيا فبلجيكا من خلال شركة (غاز بروم) الروسية .. كما أن هنالك خط انابيب غاز ضخم لنقل الغاز من آذربيجان في آسيا الوسطى عبر الأراضي التركية في اتجاه دول الأتحاد الأوربي، حيث المستودعات الضخمة التي تكفي اوربا لمدة اكثر من ستة اشهر في حالة الأزمات الدولية والحروب الأقليمية.. هذا المشروع الروسي يعمل على تأسيسه في انابيب تحت مياه البحر الأسود وتمتد من روسيا إلى بلغاريا ثم وسط اوربا ويسمى (NABUCCO) ، وهو الخط الذي يحظى بدعم حلف شمال الأطلسي (الناتو).. ولهذه التسمية معنى ومغزى انكلو- ساكسوني – ديني- توراتي ارتبط بحكم الملك (نابوكو الثاني) ملك بابل العظيمة من 605- 562 قبل الميلاد، وهو تصغير وتحقير يهودي للملك البابلي (نابوخذنصر)، هذا الملك البابلي العراقي، هو من أنهى مملكة يهوذا .. إذن ، حالة ثأر وانتقام يتم إيقاظها من عمق التاريخ ، كما يتم إيقاظ من هذا العمق نزعات أخرى على الخط ذاته.. كما أن هنالك تصدير للنفط والغاز الأيراني عبر مضيق هرمز، وكذا تصديرات النفط والغاز القطري والكويتي والأماراتي والأماراتي والعماني والسعودي عبر موانئ التصدير بناقلات عملاقة .. فأين هي المشكلة؟ لماذا تسوق مفاهيم التمدد القسري لأنابيب النفط والغاز عن طريق الحرب بإستخدام القوة المفرطة وتعريض شعوب المنطقة إلى التمزق والتشرذم والتشتت في بقاع العالم؟ وهل أن مثل هذه المفاهيم حقيقية؟ كلا إنها لم تكن خيارا حقيقيًا ولا واقعيًا.

أحيانًا تخرج سيناريوهات من مطابخ الدول لتغليف مسار سياسات، والأيهام بأنها تشكل الأساس في النهج، ولكن في حقيقة الواقع، وبعد مضي سنين أو عقود تظهر الحقائق خلاف ذلك ويتأكد التشخيص الذي يحدد الشكل ويحدد مضمون الحركة الجيو- إستراتيجية في واقع الصراع والتنافس.. والأمر الواقع الراهن لا يحتاج الأنتظار من أجل التفسير إلى سنين وعقود، فهو في ضوء منهج التحليل العلمي واضح تمامًا .!!

ومما تقدم يتضح، أن الصراع في المنطقة (إحتلالات وتدخلات  وإنتهاكات وصفقات ومساومات وتحركات ماراثونية وتدميرات للبشر والشجر والحجر وتجريفات وتغيرات ديمغرافية على أمتداد جغرافيا- المنطقة - السياسية)، هو ليس من أجل مد أنابيب النفط والغاز، الذي يمكن إختصاره على طاولة المفاوضات سلميًا وليس عن طريق الدماء والتدمير والتهجير .. كما أن  الصراع هذا هو واجهة قبيحة لآ إنسانية ولا شرعية لمشروعات إقليمية معروفة ومكشوفة يحتضنها مشروع الشرق الأوسط الكبير.. والهدف الأكبر هو رأس أمة العرب في وجودها، ورأس أمة الأسلام في روحها.!!

 

د. جودت صالح العاني - متخصص فلسفة سياسية

 

     

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم