صحيفة المثقف

المثقف المحارب في سجون الديمقراطية المزيفة.. سليم الحسني انموذجاً

mohamadjawad sonbaعندما تخلص العراق في عام 2003، من السلطة الدكتاتورية لنظام البعث البائد، لم يكن في حسبان المثقفين العراقيين، بأن سيتم اعادتهم الى زنزانات الحَجّْر مرة أُخرى. لكن في هذه المرّة، كانت نوعية السجون تختلف عما سبق، وكان الحَجّْر من نوع آخر، من حيث الشكل والتعامل والمضمون. انها سجون الديمقراطية المزيفة. سجون تحجر على العقول المنتجه. سجون تغلق الابواب على المثقفين الملتزمين، الذين يصنعون الانسان الواعي.

سجون الديمقراطية المزيفة، لا تتبنى مفهوم اعتقال الوجود المادي للانسان، وانما تتبنى اعتقال الوجود المعنوي للانسان. اعتقال فكر الانسان. عزل الانسان المثقف عن المجتمع، ليبقى المجتمع محروماً من عمليات التنوير، التي تعتبر مفتاح تقدم الشعوب ونهضتها.

تتعامل الديمقراطية المزيفة مع العطاء الثقافي، على انه خطر، يهدد وجود اعضاء الديمقراطية المزيفة. لذا وجب على المسؤولين عن الديمقراطية المزيفة، بذل كل ما بوسعهم من جهد، لحجب عملية التنوير الثقافي، عن الجماهير بصورة عامة، وعن الاشخاص المؤيدين لهم بصورة خاصّة، وعن عامة المجتمع بصورة أعمّ.

لأن التوعية الثقافية والتنوير الفكري، يُبَصّران الجماهير بحقوقها، ويعرّفونها بما ينبغي عليها القيام به، لتحسين واقعها الاجتماعي.

إذن طرح موضوع التنوير والثقافة، يتعارض جملة وتفصيلاً، مع آيديولوجية الديمقراطيين المزيفين. هؤلاء يريدون ان يسرقوا ثروات الشعب، وخيرات البلاد، بطريقة خفيَّة، يكون فيها الشعب، داخل سَوّرة دوامات الصراعات السياسية والطائفيّة.

فيُوهِم الديمقراطيون المزيفون الشعب، أَنَّ التخلي عنهم، سيؤدي الى ضياعهم، وضياع مستقبلهم. ولعبة الديمقراطيين المزيفين، تراهن بصورة مركزية، على أربعة عوامل لتمرير مخططاتهم المشبوهة هي:

1. خداع الجمهور عن طريق غسيل الادمغة، ذلك بترسيخ قناعات جديدة في اذهان الناس، ظاهرها ايجابي، لكن باطنها سلبي. هذه القناعات التي يتم غرسها في العقل الباطن للرأي العام الشعبي، عن طريق الايحاء المخادع، وتكرار الشعارات، واعادة طرح نفس الخطاب على الجمهور، من اجل غرس قناعات معيّنة، في اذهان الجمهور المستهدف.

2. ممارسة نشاط الخَنّْق الاعلامي. فلكل جهة من الديمقراطيين المزيفين، منظومتها الاعلامية الخاصة بها؛ (قناة فضائية، جريدة، موقع الكتروني، اذاعة، منظمة مدنية أو أكثر). كل وسائل الاعلام هذه، يتم تدريب كوادرها، على عدم البحث عن أي شخص، يحمل توجهاً او فكراً او ثقافةً، تخالف أهداف الديمقراطيين المزيفين، ويكون هذا الحظر الاعلامي تحت عنوان (خصوصية السياسة الاعلامية).

إِنَّ مراقبة بسيطة لخطابات السياسيين المزيفين، نجدها تتكرر على الجمهور، منذ ما يقارب ثلاثة عشر سنة من الآن. فبالله عليكم:

هل اختلف خطاب الاحزاب الشيعية؟.

وهل اختلف خطاب الاحزاب السُّنيّة؟.

وهل اختلف خطاب الاحزاب العلمانية؟.

لا بل أكثر من ذلك، هل تصدرت ساحة المشهد السياسي العراقي، وجوه جديدة، غير الوجوه التي أَلفناها، منذ أكثر من عقد من الزمن؟.

الفارق الوحيد الذي نلاحظه، هو ان الديمقراطيين المزيفيين، يجيدون ممارسة لعبة تبادل الادوار فيما بينهم.

3. السعي لشراء الذِّمم، وخلق حالة عدم تكافؤ الفرص، بين ابناء المجتمع، بغية خلق طبقة منتفعة من الديمقراطيين المزيفيين، ليشكّلوا القوة الضاربة لهم في المجتمع. بمعنى تقسيم المجتمع الى طبقة منتفعة، وطبقة محرومة.

4. محاربة العقل الناقد للديمقراطية المزيفة. فأخوف ما تخاف الديمقراطية المزيفة منه، عمليات النقد البناءة، التي تعتبر المعول الذي يهدّد أُسس الديمقراطية المزيفة.

اذن؛ من الناحية العملية، لا تختلف سجون الدكتاتورية، عن سجون الديمقراطية المزيفة، فكلاهما هدفه القضاء على وجود الانسان، وانهاء حالة الابداع والتطور، التي جُبلت عليها الانسانية.

أَردّتُ من هذه المقدمة، أَنّْ اضع الأُسس المنطقية، لنقاش موضوع سياسة الديمقراطيين المزيفين، في محاربتهم لمخالفيهم في الرأي. ولعلي أَجدُ في شخصية الدكتور (سليم الحسني)، خير مثال للاستشهاد بتطبيق ممارسة محاربة المثقف الواعي، من قبل الديمقراطيين المزيفين، ومحاصرته ليبقى بعيداً عن الجمهور، وبذلك يفقد بصمات تأثيره الفكري والثقافي عليهم. وفي الآونة الأخيرة اعتزل عدد من المثقفين الهادفين، عن ممارسة نشاطهم الثقافي، جرّاء حالة الاحباط واليأس اللتين تعرضوا لهما.

في عام 2004، وجدت في احدى مكتبات بغداد، عدة كتب للاستاذ (سليم الحسني) تحمل عناوين ملفتة للنظر منها:

1. مبادئ الرؤساء الامريكان. هذا الكتاب ما ان قرأته، حتى افتتنت بطرح الاستاذ (سليم الحسني). الذي حلل بطريفة علميّة رصينة، مجمل الاستراتيجية التي تتبنى تطبيقها، السياسة الامريكية في العالم.

2. دور علماء الشيعة في محاربة الاستعمار. وهذا الكتاب قد سلط فيه الاستاذ (الحسني)، الضوء على حقبة تاريخية مهمة، تخص المواقف السياسية التي تبناها علماء شيعة أَفاضل، في محاربة احتلال الوطن العربي وبعض الدول المجاورة له، من قبل دول استعمارية، في مطلع القرن العشرين.

3. المعالم الجديدة للمرجعية الدينية. وفي هذا الكتاب، ناقش الاستاذ (سليم الحسني)، الدور القيادي الملقى على عاتق المرجعية الدينية، وهي تواجه التحديات المعاصرة.

تواصلت رغبتي في قراءة كتب اخرى للدكتور (سليم الحسني)، والتي وصل عددها خمسة وعشرين مؤلفاً، وكان آخرها رواية بعنوان (السقوط) (من اصدار دار المدى/ بغداد/ 2017)). وجدير بالذكر ان للسيد (الحسني) نشاطات ثقافية غزيرة، منها اصدار عدد من المجلات الفصلية في بلاد المهجر.

لقد وجدت في كتابات (الاستاذ الحسني)، النضوج الفكري العالي، في طرح الافكار ومناقشة المشاكل، التي يتعرض لها المجتمع الاسلامي.

كما تابعت عدّة مواقع الكترونية، كان يديرها الاستاذ (الحسني). وكنت من الكتّاب، الذين احرص على نشر كتاباتي على صفحاتها. لكن هذه المواقع الالكترونية، سرعان ما يذيع صيتها بين المتلقين، فتتعرض لعملية تخريب الكتروني، ويتم القضاء عليها من قبل المتربصين بالنشاط الاعلامي للاستاذ (سليم الحسني).

لقد أتاح برنامج (الفيس بوك)، فسحة من الحرية امام السيد (سليم الحسني)، ليبدأ مشواره الجديد، في الكتابة عن التجربة السياسية الفاشلة لحزب الدعوة، مستعرضاً تجربته الشخصية، في نقل الحقائق وايصالها الى جمهور القرّاء، فكانت حلقات:

1. (اسلاميو السلطة)، التي وصل عددها الى مائة وثمانين حلقة. طرح في بعضٍ منها، عدداً من حالات الفساد المالي، التي قام بها منتسبون من حزب الدعوة.

2. حلقات (شيعة الخرافة) التي وصل عددها بحدود الثلاثين حلقة. عالج فيها ما دَسَّ، اعداء التشيع من خرافات، لا اساس لها من الصحة، لا شرعاً ولا عقلاً، في واقع الشعائر الحسينية.

3. حلقات (هؤلاء في حياتي) والتي وصل عدد حلقاتها الى اثنتي عشر حلقة وستستمر حتى الانتهاء من كافة حلقاتها. وفي هذه الحلقات، كشف فيها عن دعاة، ضحوا بارواحهم، من اجل المبادئ التي آمنوا بها، والتي طرحها حزب الدعوة في المجتمع العراقي، إِبّان فترة ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي.

هذا النشاط المخلص، الذي سلكه الاستاذ (سليم الحسني)، لم يَرُقّْ للديمقراطيين المزيفين، فبدأوا بتشويه سمعته، عن طريق رميه بتهمة التشهير الاعلامي.

والتشهير الاعلامي مادة اضيفت للقوانين العراقيه، قبل سنتين او ثلاثة من الآن. القصد منها ملاحقة اي شخص، يستشعر منه الديمقراطيون المزيفون، جانب الخطر على مصالحهم، او كشف المستور عن فسادهم، الذي بلغ ارقاماً فلكية، قدَّرها بعض المختصين الاقتصاديين، بألف مليار دولار أمريكي.

اقول للاستاذ (سليم الحسني) المحترم:

إِمضِّ ياسيدنا في مشروعك بكشف الفاسدين، وفضح المتلاعبين بالمال العام. ولا تأبه لهجمات الفاسدين وإِنّْ كثرت، فهناك أكثر منهم عدداً، بمئآت وبآلاف المرات، لا بل أكثر من ذلك، ينتظرون صيحات الخيرين، ونداءآت المصلحين أمثالكم، لينضموا اليهم، في حملة محاربة الفساد والمفسدين. من أجل تشكيل بُنّية اجتماعية عراقية وطنيّة، حريصة على مصالح الشعب، ومستقبل الوطن.

و لا يسعني في هذا المقام، إِلاّ أَنّْ أُقدّم خالص الشكر، وجزيل العرفان، لسماحة السيد مقتدى الصدر، الذي اتصل هاتفيا بالسيد (الحسني)، ليعلن عن موقفه المساند، والداعم للاستاذ (سليم الحسني). وهذا ما ذكره الاستاذ (الحسني)، في مقاله الموسوم بعنوان:

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه -   كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي

.......................

(هذا موقف مقتدى الصدر.. هذا موقف نوري المالكي/ https://www.facebook.com/hasani2003).

و الله تعالى من وراء القصد.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم