صحيفة المثقف

المنامة السابعة والأربعون: رَجُلَة

mohamadtaqi jonليس من وقت قصير، بل طويل جداً، كان ابن سيَّا ينظر في أمر المرأة العراقية فيقول:

 "إنها (مع بعض الاستثناءات) أقل نسوية من بقية نساء الأرض، ليس طبيعة بل لظروف تضافرت عليها.. فيا لعظيم الأسف وكبير الأسى إن هذه الريحانة صارت إلى هذه السرعة المذهلة من الذبول!!"..

كان يرى أن الحروب خشَّنتها حين ضعضعت الرجال والرجولة، وظروفُ الجوع أضعفت فيها الأنوثة وقتلت الرقة. وتحقيقا لمبدأ تعادل الأشياء أو (الأواني المستطرقة) فقد أخذت المرأة من رجولة الرجل فصارت بتركيبتها (النسا/لية) (خشنة وتحب الفلوس والسلطة)!!

 ولكن أيا كان السبب فالمرأة يجب أن تكون امرأة ليتم قبولها من الآخر قبولا صميمياً يحقق الانسجام بين الطبيعتين المتناقضتين: رقة المرأة وخشونة الرجل.. والذي تنبه عليه ابن سيَّا أن الكثيرات تنازلن عن ذلك بكرم غبي، ورضين عن طيب قلب بأنهنّ فقدن صفتهنّ المثلى، واحتفظن بصفة الإنسانية مجردة، وهو أضرُّ من فقد الإنسانية كلها؛ فليس للإنسانية إلا ضفتان: (المرأة) و(الرجل) فإذا تركن (الانثوية) اللطيفة، فما يبقى لهنّ غير (الرجولية) التي ستكون بشعة عليهنّ، وهو ما يذكي الأسف مضاعفاً.

 قال ابن سيَّا مشيراً:" ستبدأ بعدم اعترافها بالطاعة للرجل، تمهيداً لأخذ السلطة منه وتحويله تابعاً لها. فما يجد الرجل فيها سكناً ولا سكنى، وتدفعه صلابتها إلى مغادرتها كلياً. إنها تمارس أي شيء يقتل فيها الأنثى تدري أو لا تدري، فينفرجان وينعزلان ويتنادَّان؛ تريد منه (تبادل المواقع)، فتأباه رجولته المتشبثة وتقبله أنوثتها المتلاشية، فهي معه (أنثى/ ذكر). فان تمرد عليها قتلها، وان اكتفى بشرب الأسف قتل نفسه!! فهو (كراكب الصعبة، ان أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحَّم).

 إن (استرجال المرأة) قضية مرعبة حددها ابن سيَّا بجرأة تحسب له، فخراب البيوت والدول إنما سببها تحول المرأة إلى رجل بالتدريج، فيصبح سيدان في البيت الزوجي ولا مرأة واحدة، فينقطع الانسجام ويتهدد الاستمرار وتهرب السعادة مذعورة بلا رجعة، وتلك محنة حقيقية تهدد غالبية رجالنا في سن معينة، لأنهم سيعيشون مع (امرأة رجلة)، بلا انسجام حقيقي بل بتصنّعٍ تعلقاً بحبال العيال، أو لعدم الحيلة، أو خوف العواقب، إلا إنهم في النهاية يعلنون تمردهم، وهو ما يجعل المقاهي تغص بهم، أو المحاكم، أو غرف زوجية أخرى.

 ولم يرد ابن سيَّا بـ(الرجلة) المرأة قليلة الجمال أو قبيحة المنظر، فقد تسترجل أجمل النساء.. إنها مسألة تبدلات (من الداخل) في مجتمع عاش ولا يزال يعيش تبدلات بركانية.. وعلى الدولة ورجال الدين والعلماء والأساتذة والفنانين وكل صاحب رأي وذوق أن يقف بوجه الاسترجال وإعادة المرأة العراقية إلى عرشها (الجمالي)؛ فان الله (سبحانه) حين خلق الجمال صوراً كثيرة، أو مشتتاً في الأشياء، عاد فجمعه واختصره في المرأة، وجعل منها السبيل الوحيد للسعادة الانسانية في حياة تضج بالمنغصات، بل السبيل الوحيد للعيش، وجعل (جهاد المرأة حسن التبعل أي: حسن الطاعة للرجل).

 أفكار لا تحد كظت ابن سيا كالجوع الذي يعتصر صاحبه فيشله تماماً، كان أساه لفقد (المرأوية) عظيماً، إنها مسألة مجتمع سيفقد نصفه بل كله إذ سينهار نصفه الآخر حتما تبعاً له.

 على انه كان يلوم المرأة ويرى أن المرأة الذكية تحرص على أن تبقى امرأة  لا بخدع المساحيق والشفط والشد والنفخ، بل بـ(الفعل النسائي) المتمثل بالرقة واللطف، والانقياد والطاعة، وصدق الود والإخلاص للرجل، وبخلافه تتحول عبقرية الحسن إلى خرف القبح، والمرأة إلى مسخ رجل..

 وراح يطلق تهكميته وساخريته ولاذعيته فاضحاً المرأة المسترجلة التي تركت ضفة (النسائية) لتهدم المجتمع وتكمل عمل الإرهابيين وأصحاب النوايا السيئة.. فقال يخاطبها:

امرأةٌ أنتِ إذاً ؟!! لكننــــــي           أظنُّ تأنيثكِ فيه مشكِلَـــــــــهْ

فلا نقولُ: امرأة أو رجـــــلٌ           ولنتفقْ أن تتسمَّي رَجُلَـــــــهْ

جسمك سيما امرأة لكنــــــه            شكلٌ وقشرٌ خارجي وهيكَلَهْ

قد أجدُ الأنثى بأعلاه صُوىً           وقد أرى أطلالَ أنثى أسفلَهْ

فلا تلوميني على سخريَّتي             فامرأة بغير أنثى مهزَلَــــهْ

عقلُكِ والروحُ مذكَّرانِ.. يا            بؤسكِ في ذكورةٍ مستعجِلَهْ

أبكي على آدمك الملعون بـ(الطردين) يا حوَّاءه المسترجلــــــهْ

 

أ.د محمد تقي جون

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم