صحيفة المثقف

فيصل القاسم.. لا حاجة لنا بك

mohamad sayfalmoftiحضرت البارحة اجتماعا تحضيريا للجالية العراقية، لوقفة احتفالية بمناسبة النصر العراقي الكبير في الموصل. يعني فرح، بدأت الاصوات ترتفع منذ الدقائق الاولى ونحن نناقش التوقيت المناسب للاحتفالية.

واحتدم الوطيس عندما اردنا مناقشة من سيكتب الخطاب الذي سيقرأ في الاحتفالية.

لا تسألني كيف كان سيكون النقاش لو كنا نناقش خلافا عقائديا أو مبدئيا؟

رفعت يدي لمدة خمسة دقائق انتظر أن يعطف علي أحدهم ويسمح لي بالحديث،  عبثا ذهبت محاولاتي، ابتساماتي ورفع اليد مدها الى الامام لتكون أمام العيون، كل الخطوات كانت بلا جدوى. كنت أفكر طيلة الوقت بسؤال محدد. هل لنا بـ فيصل القاسم حاجة؟ هل نحن بحاجة لمتابعة برنامجه (الرأي والرأي الآخر)؟ كان الحاضرون يقاطعون حديث بعضهم البعض بلا توقف حتى تدخل احد المشاركين وقال لنسمع رأي الأخ وأشار بيده إلي. شعرت بارتياح لم يدم طويلا، بدأت بالحديث رفعوا صوتهم أعلى من صوتي .. لم تجدي كل الوسائل لكي أدلي برأي ، في النهاية رفعت صوتي على غير عادتي وطلبت الحديث؟ أصابتني عدوى الصراخ.

بعد أن أقمت في النرويج ما يقارب ثلث عمري، وتعلمت في النرويج ودرست في جامعاتها ودخلت معترك الحياة السياسية، ودرست الترجمة وترجمة الحوار. أقولها لكم صراحة أننا لا نحتاج فيصل القاسم لكي يجعل الصراخ لغة حوارنا.

عدت الى البيت وبدأت أفكر لماذا نصرخ عندما نريد الحديث والاقناع في أي قضية كانت؟

ما هي دوافعنا للصراخ؟

لماذا نحاول أن نخرس صاحب الصوت المنخفض؟ بينما في النرويج يسكت الجميع ليتمكنوا من سماع صاحب الصوت المنخفض.

قضيت الليل بمقارنات بين النرويج والعراق والدول العربية.

اعتقد أنني كشفت هذا السر من خلال هذه المقارنة. أثبت العلم أن الجنين في الأشهر الاخيرة من الحمل يسمع الحديث الذي يدور خارج بطن أمه، ومع انتشار ظاهرة كآبة الحمل واحداث العراق الساخنة والاجواء الحارة فهو بالتأكيد سيسمع صراخ امه وابيه وشجارهم. بينما يكاد الجنين النرويجي لا يسمع اي صوت سوى التمسيد والغناء له والكل ينصت لسماع حركاته ومتابعة ركلاته.

 لنقل أن هذا الاختلاف هو اختلاف جيني بين ابناء الاسكندنافية الباردة وأجواء العراق شديدة الحرارة.

ساعة الولادة

عند ولادة الطفل في النرويج يدخل الوالد مع زوجته الى غرفة الولادة وهو الذي يقوم بقطع الحبل السري، ويحاول التخفيف عن زوجته عند اشتداد طلقات الولادة ويمسك بيدها والكل يعمل بهدوء.

في بلادنا تجتمع النساء حول المرأة الحامل ويحاولون شد عزمها بالهتاف ومناشدتها للتحمل والدفع مع قراءة الادعية بصوت عالي والصياح على هذا وذاك.

بعد الولادة

مع خروج الطفل تبدأ تهليلات النساء وحركتهن المتسارعة اجلبي هذا واتركي ذاك، والطفل يبكي والاصوات تتصاعد.

بينما في النرويج يصغي الجميع الى بكاء الطفل، بينما هو راقد على صدر أمه ووالده يقف بجانبهم بكل هدوء ، ينتظرون الطفل حتى يهدأ.

الدرس الاول الذي يستنبطه الطفل في بلادي ومنذ اللحظة الاولى للقائه بهذا العالم هو (الغلبة لصاحب الصوت الاعلى).

الطهور:

يصرخ الطفل ويبكي بحرقة نتيجة الكذبة الكبيرة التي انطلت عليه ، اسبوع مضى والرجال يقولون له (لن تشعر بالألم بتاتا) بينما تتصاعد اصوات الرجال حوله مغطية على صراخه، في مدينتي "الموصل" يصيح الرجال بأعلى اصواتهم حتى يتراقص لسان المزمار خارج الفم. (ورد حاق صاق ناصي هي) لا تسألوني عن معناها يقال هي من اصول تركية، مع الردة الجماعية "هي" غير آبهين بوجع الطفل.

بينما في الدول الاسكندنافية يتم الاصغاء لوجع الطفل باحترام وتفهم.

الدرس الثاني الذي يستنبطه الطفل في بلادي في هذا اليوم التاريخي بالنسبة له، أن ألمه لا يعني شيئا، وتبقى الغلبة لصاحب الصوت العالي.

يفطم الطفل النرويجي بهدوء إما بسبب انتهاء فترة حياة زجاجة الرضاعة أو قرار السفر الى القمر الى آخره من الوسائل اللطيفة، بينما نفطم اطفالنا بالصراخ وعدم تفهم حاجة الطفل وعلاقته بزجاجة الرضاعة . والصراخ عليه " لقد اصبحت رجلا وتريد الرضاعة".

الطفولة:

عندما يلعب الطفل بصوت عالي يتم الصراخ عليه "ابوك نايم لا تعللي صوتك وإلا ، لا تلم إلا نفسك" اشارة الى العقاب والاسلحة المستخدمة لأخراسه كثيرة.

في المدرسة الغلبة لصاحب الصوت العالي، الشجار ينتهي لصاحب الصوت المرتفع العدواني، ومن يرتفع صوته دائما بعدائية ترافقه شائعة تقول (وافق على طلبه، لأن الاخ كثير عصبي"

في النرويج من له مثل هذه الصفات يدخل مصحا نفسيا. الموضوع اختلاف حضارات وثقافات.

أرجوك يا استاذ فيصل لسنا بحاجة للاستفزاز فنحن مستفزين مذ كنا أجنة في بطون امهاتنا، وتعلمنا سوء الحوار منذ نعومة اظفارنا. اتركنا بسلام.

 

 محمد سيف المفتي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم