صحيفة المثقف

لم نذهب إليهم فجاءونا بأرجلهم... الدعوة والتبليغ في إفريقيا الشمالية

solayman omayratمنذ أكثر من قرن ونصف عملت الكنيسة المسيحية الأوربية على التبشير في إفريقيا على أوسع نطاق، وتبين ذلك جليا في الحملة الاستيطانية الفرنسية للجزائر، ولكنها لم تنجح البتة ولما خرجت من الجزائر في سنة 1962 تركت الكنائس خاوية من العباد، فحولت دعواتها التبشيرية إلى دول إفريقيا السوداء، وعملت على محو الاسلام واستبداله بالمسيحية، وفي الآونة الأخيرة أصبحت الحملة المسيحية أكثر اندفاعا وقد صرفت الكثير على حملتها في انشاء مدارس ومصحات واعانة الناس بالأكل واللباس مقابل الدخول في المسيحية ومنه بناء كنائس في بعض قرى إفريقيا السوداء.

وفي هذا الجو الحماسي للمسيحية يعيش العالم الإسلامي في العتمة عن الدعوة ولا نقول هنا الدعوة إلى الإسلام بل هي دعوة للحفاظ على إسلام تلك الشعوب التي جُهلت بسبب الاستعمار الذي دمر الهويات ومسح اللغة والدين في بعض المناطق، سمعت فيما مضى (ربما على لسان الدكتور أحمد بهاء الدين) بوجود بعثات عربية إلى إفريقيا من أجل تعليم اللغة العربية وقواعد الدين الإسلامي، ولقد فشل الأمر لأن الناس يحتاجون إلى لقمة لسد الجوع وشربة ماء من الجفاف الذي أصاب بلادهم، فلم يحمل المسلمون ذوي الكنوز والثروات أنفسهم ببناء المدارس وانشاء معامل صغيرة ومزارع يستفاد بها أولئك الأفارقة قبل الحديث عن اللغة والدين،  ورغم ذلك فقد ما زال الكثير يحتفظ بإسلامه وهو يتقن بعض الكلمات العربية للصلاة والسلام بين الناس.

أما الجزائر فهي خارجة عن نطاق العالم الإسلامي من حيث الدعوة والتبليغ لهذا الدين الحنيف ولا يوجد برنامج أو نص مهما كان نوعه تدعو من خلاله وزارة الشؤون الدينية والأوقاف على حث الأئمة للدعوة إلى الإسلام لكل مغترب مهما كان جنسه وجعل الدعوة من مهام المسجد والإمام، فإن وجد فلا علم لنا بذلك ولم نرى سوى اجتهادات فردية لبعض الأئمة في المساهمة لدخول بعض الأوربيين إلى الإسلام وهم قلة لا يتعدوا أصابع اليد.

واليوم، وبعد الهجرة الكبيرة والمتواصلة للأفارقة من العديد من الدول، مالي، النيجر، تشاد، نيجيريا، الكونقو، الكاميرون، بركينا فاسو وغيرها الذين قدموا إلى الجزائر من أجل كسب الرزق وسد الرمق، يعيشون في حالات متدهورة سواء كان ذلك ناتج منهم حيث نرى البعض يقوم بأعمال مأجورة وبسعر جيد، وآخرون يقومون بالتسول وقد يعطف عليهم الكثير من الناس، وتعاملت معهم الحكومة الجزائرية بصورة إنسانية بحتة، وليتها كان تعاملها معهم لمصلحة تنفعنا كأمة إسلامية، واهتمت بهم كمسلمين تربطنا بهم صلة الدين الواحد، وليس كإفريقيين هربوا من معاناة الحرب والجوع.

إن قدوم الإفريقيين إلى الجزائر هو عبارة عن حملة تبشير معاكسة، فهذا الشعب لا يرضى بالمسيحية رغم عطائها، تراه يرفضها ويردها على أهلها وهو ينادي "صدقة، صدقة" في طرقات الجزائر وأمام مساجدها وقد يعجبك الأمر حين ترى نساء سوداوات، صغيرات السن متحجبات ويقمن الصلاة في الشارع بعد الوضوء وطرح زربية على ورق الكرتون، ثم يقمن وينادين "صدقة"، هنا نتساءل أين دور المسجد؟ وما هي توصيات وزارة الشؤون الدينية؟، وماذا يفترض بهم صنعه في مثل هذا الموقف؟

المساعدات القيمة للحكومة:

عملت وما تزال الحكومة الجزائرية تعمل على تحسين وضعية المهاجرين الأفارقة إلى الجزائر الذي تعدى تعدادهم المئة ألف مهاجر، وهي تتساهل معهم في العبور والتنقل بسبب سمعة البلد وإلى جانب العلاقات الدبلوماسية التي تربطها ببلدان المهاجرين الأفارقة، ويمكن مشاهدة عمليات الدخول غير الشرعي لهذه الفئة عبر الحدود الجنوبية الجزائرية وتساهل الدرك الوطني معهم، بل ومساعدتهم في تزويدهم بالماء والأكل وانقاذهم من قسوة الصحراء وشرورها، وذلك لما يعانيه المهاجرين الفارين من ويلات الحرب والجوع والفقر الذي ضرب غرب إفريقيا وعصف باقتصادها، وقد وضعت الجزائر بعض الإجراءات التي تبقى غير كافية في خدمة المهاجرين لكثرتهم وانتشارها في العديد من المدن، منها مركز استقبال في تمنراست حسب علمي، ولكن تصرفات المهاجرين في كل مكان من العالم متشابهة، فهم لا يقبلون الانتماء إلى المركز، فمنهم من يخرج منه هربا بحثا عن العمل ومنهم من يقصد الطرقات للتسول وهناك من يبحث عن الهجرة إلى أوروبا.

تعلم الحكومي الجزائرية بعملية تشغيل الأفارقة  بصورة غير قانونية في البناء وحمل مواد البناء، ولو أن العمل شاق إلا أن السعر لا يتقاضاه أكثر الجزائريين في مثل هذا العمل، الذي يصل الراتب اليومي للإفريقي ألفي دينار، إلى جانب ذلك خططت الحكومي على محاولة تسوية الوضعية غير الشرعية للمهاجرين بمنحهم رخص التنقل والعمل داخل التراب الجزائري وهي تعمل على توعية الشعب لتجنب كل تصرف يضر بالمهاجرين وبسمعة الجزائر كبلد مضياف ويمقت كل تمييز عنصري أو ظلم لمن قصدها مستنجدا من وضعة بلده المزرية.

لقد ظهرت مؤخرا حملات معادية للأفارقة وتشويه صورتهم مع تحريض الشباب للتصدي لهم وطردهم، ولكن الحكومة الجزائرية قامت بواجبها السياسي ووقفت في وجه هذه الدعاية المغرضة والشنيعة، محاولة اعطاء أولوية لهذه القضية والحيلولة دون ايذاء المهاجرين ولها اتفاقيات مع هذه الدول في ارجاع المهاجرين إلى بلدانهم في حالة توفر الأمن والاستقرار، وقد تم ترحيل فوج إلى النيجر بعد الاتفاق مع حكومته وجرت العملية في سلام وهدوء.

دور المسجد الدعوي:

يعلم الكثير من الجزائريين أنه عند قدوم أول فوج من الأفارقة إلى مدنهم سواء بسطيف، باتنةّ، قسنطينة، ورقلة، عنابة والعاصمة لم يلقى الشعب أي توصيات من الهيئات السياسية، بل راح وحده في مد يد المساعدة إلى الأفارقة المتجولين في الطرقات يحملون وعاء صغير ، فيضع لهم الدنانير فيها تعاطفا معهم وأنهم أفضل بكثير من المتسولين الجزائريين الذين يدخرون المال ويصرفونه في الملاهي، بل أن الأفارقة هم ناس بحاجة فعلا إلى المال ليقتاتوا، وقد رأينا الأطفال الصغار وفي أيديهم بعض الفواكه والعصير وماء معدني ولعب وغيره مما دفع الشعب بتعاطفه واحسانه لهم.

وفي هذه الدائرة الكبيرة التي يعيشها المهاجرين الإفريقيين يبقى المسجد بعيدا وفي سبات عميق عن وظيفته الأصلية، غير أن الأمر له منحى سياسي نوع ما فلا يمكن للمسجد مهما كانت قدراته أن يتخذ أمرا دون توصيات الوزارة.

إن أمر الدعوة والتبليغ ضروري في هذه الحالة وقد نرى كثيرا من الأفارقة يحملون أسماء أوربية ذات صلة مسيحية، وقد لعبت بهم حملات التبشير وهمشتهم بعد أن غربتهم عن دينهم الأصلي وهو الإسلام الذي جذر لقرون في إفريقيا الغربية ولما قدم الاحتلال مع الحملة التبشيرية، زرعت الجهل والجوع وسط الأفارقة ثم بدأت بنشر المسيحية التي وجدت حيزا للنشر والتوسع، واليوم ها هم الأفارقة جاؤوا دون أن نذهب إليهم وهم ينادون "صدقة، صدقة" ويعلمون أنه لا مفر لهم ولا بديل عن الإسلام، ولهذا يأتي دور أهل الدعوة والتبليغ لكن بصفة رسمية من الوزارة، ولا جدوى من كلام حرية المعتقد هنا، وعلى الوزارة التأكد من إسلام أجداد وأصول هذه الفئة، ثم نداء المسجد للتكفل بالأطفال والنساء، وعلى وزارة الشؤون الدينية ووزارة التضامن التكفل الجدي والجاد بهذه الفئة، وتكوين مراكز إيواء مع منح كل المستلزمات من أكل وملبس وتكوين لغوي وإسلامي لهذه الفئة التي حضرت من أجل قوت اليوم فإذا أمن واستقر فما عليها إلا أن تطالب بحق التعليم ومعرفة الحقيقة التي تبدأ من دين الأجداد، دين الحق واليقين.

ايثار الشعب الجزائري وكرم حكومته:

لست على اطلاع بمخططات الحكومة ولا بواجباتها تجاه هذه الفئة المهاجرة ومع ذلك أوجه كلامي إلى الهيئات الرسمية لتبني مشروع التكفل بهم كليا، قصدي من حيث المعيشة اليومية والتعليم والتكوين المهني، مع التركيز أكثر فأكثر بموضوع الدعوة وتحسين معرفة المسلمين لدينهم وتبليغ الدين لمن لا دين لهم أو من هم غير راضين عن دينهم المخالف للمبادئ الإسلامية السمحة.

وجهت كلامي كما قلت للهيئات الرسمية وذلك لقناعتي بقوله جل جلاله: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" ، وهم أقرب إلى الدعوة وخدمة الإنسانية وحفاظا على سمعة المجتمع الجزائري الطيب وهم على علم أيضا أنه لا يأتيك الخير من الشمال، فهم أشرس الناس على مصلحتهم وتعلو أنانيهم عن كل دعاية لحب الإنسانية والعدالة والحرية، وما هذه الرموز الرنانة سوى لاستعمال قواهم الظالمة من أجل السيطرة على ثروات البلدان الضعيفة عسكريا وسياسيا، وإن لا ينفعنا هؤلاء ولا أولئك أيضا من أفارقة الذين خذلونا في العديد من المواقف لكن للجزائر قلب كبير ولا مفر لنا أمام الله وأمام هذه الشريحة الضعيفة، وما يجب فعله لا يخفى عن خافٍ أنه طبع متجذر فينا وهو حب الخير للبشرية جمعاء وحب الإيثار والتعاطف مع كل ضعيف وقد صدق الله في قوله: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وعلى الوزارتين المشورة والتخطيط لما هو خير للبلاد والعباد، والعمل لما يليق وما يمكن والاستطاعة عليه، فقد لا نكلفهما ما لا تطيقه الدولة خاصة في هذه المرحلة العصيبة بانخفاض سعر البترول وارتفاع نسبة البطالة عندنا وكذلك الفئات المعوزة التي يبرمج لها وزارة التضامن في الكثير من المناسبات وتجعل لها حصة من ميزانية الدولة توزعها في رمضان وأثناء الدخول المدرسي وشهريا على الفئات المحرومة ومحدودي الدخل من الأرامل والمطلقات وغيرها.

وهنا يمكن القول من الأولى من الثاني، ابن البلد الأصيل أم المهاجر من بلد ثاني، إلا أنه في الجزائر لا يوجد من يموت جوعا وثرواتنا تكفي لنتقاسمها مع إخواننا، ونخفض من أنفسنا قليلا حتى يقتات الجميع سواء القادمون من سوريا الشقيقة أو من مالي والنيجر وغيرها من البلدان الإفريقية المجاورة.

 

بقلم سليمان عميرات

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم