صحيفة المثقف

الإنسان والعلاقات الإنسانية في دول الغرب

ali nasiralrikabiلو سلَمنا جدلاً بان نضع مثلاً مفهوم الدين أوالعقيدة أوالمذهب أوالطائفة على جانب، ونتمعن النظر الى مفهوم الإنسان والإنسانية في جانب آخر، لوجدنا بان المفهوم الاخير يتقدم على الاول فيما يخص إبداء المساعدة للاخرين وتقديم يد العون لهم ومشاركتهم في افراحهم ومواساتهم في احزانهم وغير ذلك، تاركاً كل افعالهم او اعمالهم الى الله سبحانه وتعالى الذي يعلم بكل شيء وبيده كل شيء.

 وتأسيسًا على ماسبق،  يقال بانه عندما تحدث الكوارث الطبيعية أو غيرها من المصائب لبني البشر تظهر أروع صور الأنسانية وأروع ملاحم الأخاء والمحبة بين بني البشر، حيث تسقط كل الأعراق والأديان وكل الأثنيات وتتحد أسمي معانى الحب والأخاء، وهذا ما يحدث فى الغرب والدول المتقدمة التى أستطاعت ان تنشئ مجتمعات مدنية وأستطاعت ان تزرع بين أبنائها معانى حب الوطن والمواطنة، ويتحد جميع بني البشر للمساعدة فى تخطي هذه الكارثة او المحنة لتعود الحياة الى مجراها الطبيعي، وفيها يسارع الخيرون والاثرياء والأدباء والمثقفين فى التبرع مادياً ومعنوياً وكل حسب مقدرته لفعل الخير. هكذا تتسم الأنسانية التى لأ تأخذ الدين غطاءاً لها ولأ تؤمن بفرق بين أبيض وأسود وبين عرق آري او عربي او غيره...

فكونك إنسان يعني أنك يجب أن تشعر بالشخص الآخر وتتعامل معه من خلال بناء علاقة إنسانية طيبة تعمل على تجاذبكما، فكل إنسان يجب أن تتعامل معه من خلال هذه العلاقة التي تعمل على توطيد الأفكار، وبالتالي تنشأ مجموعة من التعاملات التي تنظمها العلاقات الإنسانية.

العلاقات الإنسانية هي حاكم ومنظم مهم لكثير من الأمور في حياتنا، وفي كافة مجالات حياتنا المختلفة، وذلك لأننا بشر ونتعامل مع بشر لذلك نحن بحاجة لقوانين وتنظيمات تساعدنا في تفهم الآخرين، فكل منا له طباعه وله ما يميزه عن غيره، وكل منا نشأ في بيئة مختلفة كلياً عن البيئة التي نشأ فيها الآخر.

لقد شدًني الاهتمام الى قول الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان عند قرأت عنه في أحدى المقالات المنشورة على الانترنيت متحدثاً عن : (قول الامام علي بن أبي طالب ع) الى مالك الأشتر (رض) :

يا مالك إن الناس صنفان: (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية)، وبعد أشهر اقترح (عنان) أن تكون هناك مداولة قانونية حول (كتاب  الامام علي ع  إلى مالك الأشتر).

اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، بعد مدارسات طويلة، طرحت:

هل هذا يرشح للتصويت؟ وقد مرّت عليه مراحل ثم رُشِّح للتصويت، وصوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي. ] 194 ][ 193 [.

نعم (ان الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، هي كلمة خلدها التاريخ وستبقى على مر الزمان متوهجة لاتنطفىء، لانها منطلقة من روح الكتاب السماوي (القران) ومن اخلاق وسلوك نبينا الكريم، نبي الرحمة والإنسانية النبي محمد (ص) الذي قال: (الخلق عيال الله واحبهم الى الله احبهم الى خلقه)، ولانها خرجت من قلب مفعم بالايمان، وعقل منفتح على الجنس البشري، فلا فرق بين البشر فالكل سواسية ولا فرق بين عربي او اعجمي الا بالتقوى، فلا استغلال ولاعبودية ولا هيمنة لفئة على فئة او أمة على اخرى، وانما العبودية المطلقة الى الله عز وجل، فالكل احرار كما قال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) :

(متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم امهاتهم احراراً).

فلأي صنف انتسبت فان القانون الالهي يجب ان يحترم فيك، فلا يجوز لك ان تقتل (المسلم)، لانه اخ لك في الدين، ولايجوز لك ان تقتل (غيرالمسلم) لانه نظير او شبيه لك في الخلق.

فأين هذه الكلمة اليوم، ممن نصب نفسه محاسباً ومقيماً لايمان وسلوك البشر... فقَسم الناس: هذا مشرك لانه يتوسل بالانبياء والصالحين يجب قتله وسلب امواله ..!!!... وهذا على غير مذهبنا ومعتقدنا فيجب قتله...!!!

ألا يعلم هؤلاء الجهلة ان الرسالة الالهية قد قدست حياة الانسان، قال تعالى (من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك في الارض لمسرفون) المائدة /32

ان القلب ليعتصر ألماً على ما يفعله جهلة هذه الامة بابناء امتهم في العراق وافغانستان والصومال وغيرها من البقاع الاسلامية، وابناء الامم الاخرى، من قتل وتعذيب بحجج واهية تدل على جهلهم بالاسلام وبالمبادىء الانسانية التي احتوتها الشريعة السمحاء، ناسين او متناسين انه لايجوز قتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق، وبهذا يجب عليك ان تحترم الإنسان و تعيش معه بسلام وتتعايش معه اذا لم يؤذيك وهذا ما لمسناه في دول الغرب في بنائهم وحبهم وأحترامهم أولاً للمواطن ومن ثم الوطن، وليس العكس، باعتباره إنسان قبل كل شيء.

 

الدكتور علي ناصر الركابي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم