صحيفة المثقف

الداعية والمفكر وما بينهما

wadea shamekh2للداعية فكر ورسالة، والمفكر له افكار ورسالة، الداعية له قصد وجمهور ووسائل، والمفكر له ايضاً قصد وجمهور ورسائل، وللداعية فضاء وللمفكر فضاء ..

يبدو أن هذه المقدمة التصالحية تربك البعض لوجود شك مسبق ومعرفة قبلية بعمل ورسالة كل من الداعية والمفكر ...

كما إن الداعية يحيلنا الى الوعظ والارشاد، والنتيجة المغلقة للوصول الى الهدف، بينما المفكر يعمل في مدار العقل والحجة والبراهين بوصفها جدلاً وحواراً وليس تلقينا للوصول الى قناعة مسبقة ..

....................

الداعية يلد نماذج تتمظهر بلبوسات متعددة تخدم رسالته، وتركب وسائله، وتجني فوائد حقله، فشرط وجود الداعية هم الأتباع والمريدون، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، معروف الداعية ومنكره،بينما المفكر لاعبيد يحملون رايته،.

الداعية يضمر نيّة مسبقة للوصول الى هدفه، ويعمل في حقل التقية، والكذب، المداهنة، التنازل، التكتيك، المناورة، المتاجرة، والمفكر عنيد يكابر بحواره ويرفعه على اعواد المشانق .

.................

 الداعية أملس القول، صائد الطرائد، يجيد اللعب تحت الحزام، وله ما يزكيه في كتابه وتراثه السردي الحكائي،سيرة وذكريات ووقائع ومواقف، والمفكر صلد برايته الحمراء، لا يدرب حواسه على اليقين ولحواره موسيقى الكائن وروحه وليس لسانه وايماءات الرؤوس وعصبتها، الداعية أفعى والمفكر ساحل ورصيف .

............

للداعية مرجعية ونموذج وحق مقدس، يكتسب به شهرته ويتكسب به زاده ومكانته الاقتصادية والاجتماعية والدينية، وله قصر مشيد من رمال اليقين وصلادة التابعين، وحنجرة القطيع، والمفكر له حبال قصيرة من الشك،له الشوارع والعقول والساحات الخضراء من أفق الأنسان .

...............

للمفكر روح التمرد وصولا الى الضفاف البعيدة، وللداعية سياط اليقين بتعدد الجلود .

.......

 الداعية يلد صيصان الطاعة، والمفكر يحبل ويجهض بإرادات حرة .

...........

المفكر يزيل الصدأ عن افكار من سبقه ويبلط شوارع للذاهبين معه الى واحة الحوار، والداعية أمين على مطرقة اجداده وسيرتهم وتعاليمهم ومخلص جدا لكل شوارد وأوراد السلف الصالح .

.........

المفكر لا يتردد في تغيير قناعته وتبديل اساليبه في حوارية انسانية لا وصايا عليها ولا قناعات كونكريتية، وهو لن ينتصب كعمود ملح او رسالة سماوية غير قابلة للفحص والمعاينة، والداعية له حس حرباوي يتلبسه حتى في اشد اللحظات قربا من فكر مرسله، اذا اقتضت الحاجة للتغيير والتلوين والتبديل والمراوغة والخلاص بأضعف الإيمان .

..................

 للداعية جب وجيوب وأودية وغدران، وله مقصات ولواقط واخزة، وجنات يركلها لمن يستحقها ككرة مزوقة لماهجم نادر في تسجيل الهدف، وله نار بطبقاتها ينتظرها الذين يلوكون يقينهم بشك رائب .

 والمفكر يرحل بأنداده الى اقصى كرة النار الفكرية ليفتتوا نارها الى مواقد وقلائد وشموس وقناديل وفنارات، لاشأن لهم مع الرمل والنعامات، يجوبون العالم ويفتشون النفس البشرية بحبور كبير .

...................

الداعية راية تتعاقب عليها القناعات وتتورم بها العقول وتتأزم منها الجبال والغربان، والمفكر سعيد بناره يحملها احفاد الماراثوان المديد .

.........

الداعية كلمة تذوي من التكرار وفوانيس الجدات المحترقة بالحكايات المبللة بمكائد النوم، والمفكر شعلة الاولمب وشمع يتناوب الذوبان تحت شمس الله .

......

لإتباع الدعاة طريق ممهور، ولانداد المفكرين فضاءات خضراء .

مائدة للمتخومين بالوصايا، وقمم تسع المتسلقين

....................

بين مصائد الطرفين هناك عقول ونفوس وأرواح، لها مساقط ونوايا وفطرة أيضا،

الأتباع، المريدون يزاولون حلج القطن لقمصان جديدة لأسيادهم، يجيدون صناعة السياط والأحذية من صالح جلود قرابينهم، الأنداد يغزلون من اشعة الشمس سحابات ماطرة ..

ويبتكرون الدهشة والسؤال

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم