صحيفة المثقف

أوركسترا: العلاجُ بالوهم (البلاسيبو) وتأثيراتهُ الشفائية العجيبة..!!

103 sara1أظهرت بعض الدراسات أنّ المريض عندما يعتقد أنّ ما يتلقّاه من دواء هو علاج حقيقي، فإنّ الجسم سيستجيب له باعتباره علاجا حقيقيا وإن لم يكن كذلك، مما يؤكد أنّ الشفاء من المرض غالبا ما يكون نفسيا أكثر منه عضوي. فلو اخذنا قرص الأسبرين كمثال الذي يزن 500 مغ فإنّ كمية الأسبرين تكون في حدود 100 مغ أمّا باقي الكتلة فهي عبارة عن سواغات (مجموعة مواد مختلفة تدخل في تماسك بنية القرص والعمل على تسهيل وصول المادّة الفعّالة إلى مستقبلاتها داخل الجسم وغيرها من المهام) فحسب هذه الدراسة سيُبدي المريض الذي يتعاطى هذا القرص نتائج ايجابية..!

103 sara2

كان أوّل استعمالٍ تجريبيٍ موثّق للـ(البلاسيبو) في نهاية القرن 18 من طرف الطبيب “اليشابيركنز”. وكان عبارة عن قضبان معدنية اِدّعى أنّها مصنوعة من معدنٍ خاصّ قادرٍ على تخفيف مختلف الأوجاع من ألم الرأس إلى آلام التهاب المفاصل، سمّى هذه الأداة بـ “تراكتور”، حيث كان يضعها على مكان الألم مدّة 20 دقيقة والمثير في الأمر أنّ معظم المرضى ادّعوا تحسّن حالتهم الصحية، فحصل بذلك على براءة اختراعٍ وجنى من ذلك أموالًا طائلة.

شكّك الطبيب البريطاني “جون هايجارث” في هذا العلاج، فقام بنفس التجربة لكن بواسطة قضبانٍ خشبية مرّة ونحاسية مرّة أخرى، وفي كلتا الحالتين ادّعى أنّها مواد خارقة قادرة على تخفيف الألم، وكانت المفاجأة حصولَه على نفس النتيجة تقريبًا وادّعاء معظم مرضاه التخلّص من الألم. بعد هذه النّتائج، وصل الباحثون إلى نتيجة أنّه يمكن خداع الجسم في بعض الحالات باعطائه دواءً خاليًا من المادّة الفعّالة والحصول على نفس نتائج الدّواء “الحقيقي”. وبالتالي، تجنّب الآثار الجانبية التي يمكن أن يسبّبها الدواء. ففي الحرب العالمية الثانية، قام الطبيب هنري.ك.بيشر بحقن جرحى الحرب بمحلولٍ ملحيٍ بدل مسكن الألم”المورفين” وذلك لنفاذ كميات المورفين، فقام بتطبيق بروتوكول مزدوج التعمية، حيث لا الجريح ولا المعالج يعلم أنّ ما يحقنه ليس مورفينا وإنّما محلولٌ ملحيٌّ فقط. فكانت النتيجة أنّه من بين 1082 جريح أظهر 35 بالمئة منهم استجابةً للعلاج وتوقّف شعورهم بالألم. تتأثّر النتائج المتحصّل عليها بالأثر الذي يتركه العلاج في نفسية المريض.

و في تجربةٍ قام بها أطباءُ ألمانيون على مجموعتين من المرضى، أعطوا المجموعة الأولى الدواء وأخبروهم أنّه مسكّنٌ للألم، أمّا المجموعة الثانية فأخبروهم أنّ ما سيتناولونه عبارة عن بلاسيبو وأنّه خالٍ من المادّة الفعالة، فكانت النتيجة أن تحسّن معظم أفراد المجموعة الأولى بينما لم يحصل أيّ تغييرٍ على حالة المجموعة الثانية. كما يلعب ثمن العلاج ونمطه دورًا في التأثير على نتائج البلاسيبو، فكلّما زاد ثمن الدّواء زاد تأثيره، كما أنّ للحقنِة مثلًا أثرٌ أكبر من القرص أوالتحميلة.

103 sara3

قد يبدو أن تأثير البلاسيبو  تأثير نفسي بحت. و لكن هناك أدلة أن أعضاء الجسم تستجيب للبلاسيبو أيضاً. في عام 2005 قام بعض الباحثين في جامعة ميشيغن بإجراء تجربة ، حيث قاموا بعمل أشعة باستخدام انبعاثات البوزيترون الطبقي لـ 14 رجل صحيح. تم حقن فك كل من هؤلاء الرجال بمحلول ملحي بهدف إحداث ألم. و بعد وقت قصير تم إعطاؤهم دواء و أخبروهم أن هذا الدواء في طريقه لتخفيف الألم. و عند الفحص مرة أخرى وجد الباحثون أن هناك زيادة في نشاط مناطق المخ المسئولة عن إفراز الإندورفين (مجموعة مواد مسكنة للآلام يفرزها المخ). و قد ادعى المشاركون أيضاً أن الألم أصبح أقل و أنهم قادرين على تحمله بعد ما تناولوا البلاسيبو.

و في دراسة أخرى تم نشرها عام 2001 ، تم إعطاء المتطوعين بلاسيبو مختلط بأدوية تمنع إفراز الإندورفين. و كانت النتيجة أنه لا تأثير لهذا البلاسيبو.

من هذين البحثين يمكن استنتاج أنه للاندورفين دور عظيم في فاعلية البلاسيبو.

في أغلب تجارب البلاسيبو فإن القائمين بالتجربة يريدون أن يعرفوا ما إذا كان هذا الدواء الكاذب “البلاسيبو” سوف يقوم بمساعدة المرضى أم لا. و مع ذلك فقد يكون له تأثير عكس ذلك حيث يثبط الأدوية الحقيقية التي يتناولها الشخص إذا لم يكن من المتوقع أن يفعل هذا البلاسيبو أي شيء. قام باحثون في ألمانيا و المملكة المتحدة بالاطلاع على أشعة للمخ لأشخاص تناولوا مسكنات آلام، نصف هؤلاء الأشخاص أُخبروا بأنهم تناولوا مسكنات الآلام بينما أُخبر النصف الآخر أنهم تناولوا علاح كاذب (بلاسيبو).

وجدوا أن الأشخاص الذين أخبروهم بأنهم تناولوا مسكنات آلام شعروا بتحسن بينما لم يشعر الأشخاص الذين تم إخبارهم أنهم تناولوا بلاسيبو بأي تحسن.

103 sara4

التفكير الإيجابي يساعد كثيراً، و لكل قاعدة شواذ.

لا يزال استعمال هذا النمط من العلاج مستمرًا إلى اليوم. ففي الولايات المتّحدة مثلا، في احصائياتٍ أجريت سنة 2008، أفادت بأنّ 45 بالمئة من الأطبّاء يصفونه لمرضاهم، 34 بالمئة منهم يصفونه على أساس “مادّة مساعدة ولا يحمل أيّ آثارٍ جانبية لهم”، 19 بالمئة يصفونه ب”دواء حقيقي”، 9 بالمئة بـ “علاج بدون تأثير مضمون”، بينما 4 بالمئة يصفونه على أساس “بلاسيبو” بدون مادّة فعّالة.

ان هذه الظاهرة العجيبة جعلت قادة البلاسيبو يدعون وبشدة الى الاستمرار باستخدامه في علاج اكثر الامراض فتكاً واستعصاءاً بالانسان كالسرطان مثلاً منوهين الى واقع ان انواع العلاج المستعملة لمحاربة هذا المرض تزيد من الفتكِ بالجسم وترفع نسبة السمية فيه.. وبذلك لابُد برأيهم من ترك الجسم يُعالج نفسه بنفسه حيث قد تكون للمريض سنوات من الصحة الجيدة التي يمكن له ان يتمتع بها بعيداً عن الادوية الكيميائية السامة التي قد لاتنفع بقدر ماتضر وتقلل من عمره بدل ان تزيده..!

 

سارة فالح الدبوني – صحيفة المثقف

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم