صحيفة المثقف

الشكوكية في الفن

khadom shamhodعندما ظهرت الفنون الحديثة اعلنت شكها في الواقع المرئي وان مظاهر الاشياء لا تعني حقائقها ، ولهذا فقد اخذ الفنانون الحديثون يعلنون تمردهم على فكرة ان يكون الفن او الرسم نسخة تقليدية للواقع ... وعليه يجب انشاء معرفة جديدة لفهم ما خلف كل ما نراه من مظاهر. وتزعم هذا التمرد المدرسة التكعيبية التي ارادت ان تقدم لنا صورة عميقة للاشياء اكثر من الاعمال الفنية الكلاسيكية التي دأبت على تقديم مظاهر الاشياء منذ زمن الاغريق الى ظهور المدرسة الانطباعية عام 1874 فلم يعد المظهر الحقيقي للعالم المرئي ذا اهمية رئيسية فصار الفنان ينشد شيئا ما تحت المظاهر .. وبذلك فقد ظهر تسائل هل ان المدارس الحديثة تعلن شكها في الواقع المعروف الذي نراه ونلمسه؟ او انها تتظاهر بنوع من التأكيد عن وجود علاقة بواقع اخر؟ وهناك شك أخر حيث ان الفنان اصبح غير مطمأن لما تراه العين فهو يفكر برسم ونقل ما يراه من منظر ذو ثلاثة ابعاد الى سطح ذو بعدين، ويعتبر ذلك نوع من الخداع والوهم . ولهذا فقد ظهر تناقض او تصادم بين الواقع المنطقي العقلي وبين عالم الحواس البصري فاحدث نوع من الشك .

الشكية في التاريخ:

1320 khadom1الشكية هي مذهب فلسفي ظهر في اليونان في حدود 360ــ275 ق م ـ في زمن الاسكندر وقد تزعمها بيروو الذي صاحب الاسكندر في رحلته الى الهند وربما تأثر بيروو في الفلسفىة الهندية . وقد تسائل سقراط عن شكه في المعتقدات السائدة في زمنه في ظل وجود اكثر من اله .. وتقول الشكية ان المعرفة الحقيقية في حقل معين هي معرفة غير محققة او مؤكدة . ومن الشكية ظهرت السفسطائية والبيقورية ولعبت دورا كبيرا في تشويه وانحراف الفكر الانساني . وتقول الشكية وان كنا نعرف مظاهر الاشياء فلا نستطيع ان نعرف حقيقتها الباطنية ... ولما كان الشئ الواحد يظهر بمظاهر مختلفة لعدد من الاشخاص فانه من المتعذر ان نعرف الصواب في وجهات النظر .. ولما كنا لا نستطيع التأكد من طبيعة الشئ ولا اصدار الحكم الصائب عليه فان الامر يقتضي الوقف والامتناع عن اي عمل ... طبعا بعض هذه الامور الفكرية الفلسفية في نظر البعض هي سلبية وهروب من الحياة وشقائها الدائم .و التخلي عن مبدأ التحدي والارادة الانسانية في بناء الحضارة الذي نادى به كثير من علماء الاجتماع مثل ارنولد توينبي 1889 .

و يذكر ان ديكارت هو ايضا سلك مسلك الشكية ولكن في طريق اخر من اجل الو صول الى اليقين والحقائق المطلقة كما ان الفيلسوف الغزالي اوجد الشكية كجزء من المدرسة الاشعرية . حيث شك في بعض المعتقدات لدحرها باليقين .. (ان بعض الضن اثم) بمعنى ان هناك بعض أخر من الامور يشك فيها وبالتالي نحن اليوم نعيش ونتخذ احيانا مواقف الشك من بعض الامور الحياتية .. (وما اكثرها)

وقد اشار الجاحظ في موضوع ـ الشك واليقين ـ عن ان الشك يستوجب في حالات معينة كما هو الحال في النفي واكد ان العوام عندهم اليقين والشك عند الخاصة . فالعوام ليس لديهم الا الاقدام على التصديق المجرد او الكذب المجرد . بمعنى ان الجهل اذا استفحل في الناس من السهل ان يصدقو او يكذبوا بينما الطبقة الواعية والمثقفة يسودها الشك للبحث عن اليقين .

ان مرض ثقافتنا اليوم هو التصديق الاعمى فالشك في حقيقته هو التحقق والتسائل عن المرويات والمعتقدات الخرافية التي لا تتناسب مع العقل والفكر الانساني. ان تطور الفكر الانساني اليوم وحالة التجديد والتنوير منحت الانسان حق تفحص كل اليقينات ومراجعة كل الفكر الانساني السابق والحاضر سواء كان علمانيا او فكرا دينيا .

و نتيجة للظروف المأساوية الحالية التي يعيشها الانسان اليوم في بلداننا العربية والاسلامية اصبح الجميع يشك في كل شيئ وقد فقد الثقة، في نوايا وتخطيط الحكومات والبرلمانات والقضاء والامن لعدم الانصاف وتحقيق العدالة الاجتماعية .

المدرسة التكعيبية:

تعتبر المدرسية التكعيبية في مفهومها الفلسفي هي اول مدرسة تعلن شكها في مظاهر الاشياء وقد قدمت لنا جوانب مختلفة لمظاهر المادة غير ان العقل المشاهد هو الذي يبدا باكمال وبناء هذه الاشكال المرسومة اعتمادا على معرفة مسبقة بها . مثلا نجد في لوحة تكعيبية مرسوم قدحا وقيثارة فاذا لم يكن لدينا معرفة مسبقة بهذه الادوات واسمائها لا نستطيع الحكم على معرفتها في اللوحة ... وهذا يذكرنا بنظرية افلاطون الاستذكارية حيث تؤكد ان الحكم على معرفة الاشياء الدنيوية ياتي من معرفة سابقة للنفس عندما كانت تعيش في عالم المثل وبالتالي فهو يؤكد على ان كل ما نراه من مظاهر الاشياء في الواقع هي نسخة لحقائق مطلقة كانت في عالم الغيب ..

و كان كاندنسكي الروسي متدينا مسيحيا ارثودوسكي عندما حط في باريس وجد موجة جديدة من التيارات الفنية المفاهيمية فاصدر كتابا عام 1910 اسماه ـ الروحانيات ـ ثم اخترع المدرسة التجريدية التعبيرية التي اصبحت بعد ذلك احد المراجع العالمية للفنون الحديثة .

 في الرسم يجب على المرأ ان يطلب الايحاء اكثر من الوصف) غوغان / (ما حاولت ان انسخ الطبيعة انما مثلتها) سيزان .

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم