صحيفة المثقف

فالح مهدي وعبد الجبار الرفاعي: دراسة للظاهرة الدينية من منظورين مختلفين (3)

يقول فالح مهدي: (الكاتب يصّر على مسألة الشعائر والطقوس، إذ يذهب في الصفحة 73 إلى الآتي: " لا يتكرس الاعتقاد، وينتج الإيمان، من دون العبادة والطقس الخاص بهذا الدين. ليس هناك اعتقاد، وإيمان منبثق عنه، من دون تقليد محدد للعبادة. لا إيمان بلا حدود وعبادات وشعائر وسنن مرسومة. لا إيمان إسلامياً بلا صلاة إسلاميّة ...".

في هذه النقطة بالذات، أختلف كلياً مع عبد الجبار الرفاعي، في قناعاتي أنَّ الدين منتج من المنتجات الأساسية للحيز الدائري. الطقس فعل إيديولوجي، فرضته العقلية الدائرية، قائم على المقايضة "أعطني لأعطيك". ولو نظرنا إلى ثقافة عصر الصيد والعصر الزراعي والذي لا زال قائماً، نجد أنَّ مفهوم المقايضة جليّ ومن الأسس الجوهرية لمفهوم الدين والإيمان، ففي كتابي القادم: البحث عن جذور الإله الواحد، نقد الأيديولوجية الدينية، دراسة عن هذا المفهوم.

عبر مفاهيم الطقوس والصلوات يقوم عبد الجبار الرفاعي بإعادة بناء الإله الدائري. إله الكون لا يحتاج إلى طقوس وعبادات. الرفاعي على علم بأنَّ التفكير يتوقف عن ممارسة نشاطه عندما تغلق الأسئلة المفتوحة، وهو على يقين من انهيار الإيدولوجيا أمام تلك الأسئلة (راجع ص 122)، إلا إنَّه لا يعتبر الطقوس والصلوات فعلاً إيديولوجياً، بل من ماهية الدين وجوهره.

ولإثبات وجهة نظره يخصص صفحات معظم هذا الكتاب للتفريق بين الدين والأيديولوجيا، ففي الصفحة 148 من الفصل المخصّص لنقد شريعتي (103-150) نجده يقول: "إنّ ما أفضت إليه أدلجة الدين هي عبودية الإنسان للإيديولوجيا، واستلاب الإيديولوجيا لروحه وقلبه وعقله، وإقحامه في أحلام رومانسية ووعود خلاصية موهومة". لو كان الكلام متعلقاً بالأيدلوجيات فحسب لأعلنت إعجابي بذلك الفهم المتميز، إلَّا أنَّ الرفاعي يفرق بينها وبين الدين. في حين لا يستقيم أمر أي عقيدة في تقديري دون أدلجة وطقوس وعبادات في مجال الدين، مسيرات ودعايات، إعلام وثقافة، كبش فداء (الطقس ديني إلّا أنّ الفاشية والنازية والستالينية حولته إلى طقس علماني وذلك بإيجاد أعداء وتشخيصهم ومن ثم تصفيتهم، وقد استخدم صدام حسين هذا السلاح على نحو  مفرط).

لقد أصاب الرفاعي الهدفَ بتفكيك فكر شريعتي ونقد ما جاء فيه، ذلك أنّ شريعتي يفرق بين التشيّع العلوي والتشّيع الصفوي وهو مُصيب في ذلك، بيد أنّ تشّيعه لا يمكن له أن يقف على قدميه دون أيديولوجيا. كل ما كتب باسم هذا الرجل هو إيديولوجيا لا غير. وأكاد أن أكون على يقين من اتفاق الرفاعي معي في هذه النقطة بالذات.

الدين من دون إيديولوجيا لا يمكنه أن يستمر على قيد الحياة. الدين كما يؤكد الرفاعي نفسه معتقدات وطقوس وعبادات، وهذا يعني الخضوع لمشيئة رب أو أرباب تحيكها المخيلة الدينية. الدين يولد إيديولوجيا، فهناك عقيدة (تتحول إلى كتاب)، وهناك رب مهمته الأولى إنقاذ من يؤمن به. في كل العقائد (توحيدية أم تعددية) يقوم الدين بصناعة أحلام رومانسية (ينسبها الرفاعي إلى الأيديولوجيا)، ويقوم بنشر وعود خلاصية موهومة، إذ تنشئ تلك الأحلام والوعود من لحظة قيام ذلك الدين، أي لحظة التأسيس. البناء الأيديولوجي لا يبني صروحَه من دون لحظة التأسيس تلك). (44)

رد الرفاعي: ( الدين في مفهومي يمكن أن تستغله الأيديولوجيا فينقلب إلى سم يدمّر الحياة، ويحطم الحضارة والتمدّن البشري، مثلما تستثمره بعض الجماعات الدينية اليوم. ويمكن أن يكون الدين مفارقاً للإيديولوجيا، كما هو دين أمّي وأمّك ودين أبي وأبيك، ودين الحلاج وأبو اليزيد البسطامي وجلال الدين الرومي وإيكهارت والدالاي لاما... الخ. فيكون عذباً خلّاقاً، يمنح الحياةَ معناها، وطاقتَها الحيوية الإيجابية، عبر تكريس الحياة الروحية، وإثراء الحياة الأخلاقية.

ربما لا تستطيع أنت تذوق حالات الروح وفضاء إشراقها وتجربة تساميها عبر وصالها بالحق خارج سياق الأيديولوجيا، ذلك أنَّ تذوق الحالات لا طريق له سوى القلب، وما كان طريقُه القلب يضل العقلُ الطريقَ إليه غالباً.

علماً أنَّ اختزال الكائن البشري في العقل ينطوي على تبسيط تكذبه علوم الإنسان في القرن الأخير، وأنت تعرف جيداً المواقفَ النقدية الجذرية لعلم النفس التحليلي، وفلاسفة ومفكري "معهد العلوم الاجتماعية في فرانكفورت"، وغيرهم من فلاسفة ومفكري فرنسا في القرن العشرين، لمنطق العقل الوضعي، وفضحهم العقل الأداتي، الذي يتجاهل اللاشعور والمتخيل والأسطورة والرمز، ويتعاطى مع الإنسان بوصفه كائناً يسيّره العقل فقط.

لقد أوضح فلاسفةُ ومفكرو الغرب في القرن العشرين أن كارل ماركس وفردريك أنجلز فضحا تزييفَ الإيديولوجيا للوعي البشري في كتاب (الإيديولوجية الألمانية)، وإن كانت كتابات ماركس لم تتحرر كتاباتُه من بصمة إيديولوجية، بل كانت آثارُه هي أيضاً ضحية استغلال أيديولوجي، واكبنا بعض تطبيقاتِه المتعسفة بل المتوحشة على المجتمعات البشرية في سنوات طويلة من القرن العشرين، كما فعل جوزيف ستالين، وجماعة "الثورة الثقافية" في الصين، وبول بوت في كمبوديا، الذين برروا في سياق ذلك المنطق الإيديولوجي كلَّ انتهاكات الكرامة البشرية، والمجازر الشنيعة التي ارتكبوها.

أظن ليس من الصواب تعميم منطق " الأيديولوجيا " على النبوات والأديان قبل العصر الحديث الذي ولد فيه هذا المفهوم كما أشرت لذلك في مقدمة هذه الطبعة من الكتاب، فقد تمت صياغة مصطلح " الأيديولوجيا " متاخرا بالفرنسية، وكان استعماله أول مرة بمعنى " علم الأفكار "، وهو المعنى الذي وضع له المصطلح بعد الثورة الفرنسية " أنطوان دستيت دو تراسي "، لكن نابليون سكه في قالب دلالي آخر ، فجرى ترحيل معناه منذ ذلك الحين، واستعمله بعض الفلاسفة والمفكرين والباحثين من بعده بمعنى الإدراك المقلوب والزائف للواقع. وأوضحت أنّ ما أقصده بـ " الأيديولوجيا " في كتابي هذا هو نظام لإنتاج المعنى، يصنع نسيج ميكرو سلطة متشعبة لإنتاج حقيقة متخيلة، تبعا لأحلام تخيلية مسكونة بعالم طوباوي موهوم. إنّها عملية تزييف للحقيقة وطمس لمعناها عبر حجب الواقع، واحتكار نظام انتاج المعنى.

نقدكم لكتابي (الدين والظمأ الإنطولوجي) يستقي من رؤيتكم للعالم، وللدين أيضاً، بوصف الدين كما ترون منتجاً بشرياً، وهي رؤية أحترمها، وإن كنت لا أتبناها. لا أنكر أن فهم وتأويلات وتمثلات الدين بشرية. رؤيتكم للعالم والدين من الطبيعي أن تختلف عن رؤية للعالم وللدين لمؤمن لا يشرق قلبُه إلاّ بحب الله وتجليات جماله، كما هو (أنا)، إذ إني أتذوق تجليات جمال الله في كل شيء، ولا أستطيع تذوقها إلاّ عبر تديني وإيماني. هذه الرؤية خلاصة عمر تجاوز الستين عاماً، تكرس في دراسة الدين والعلوم الإسلامية والإنسانية، وتجربة حياتية لنمط إيمان وتدين اقترن بسياحة وأسفار مزمنة لكائن لن يكفّ شغفُه الأبدي عن متعة أسفار الروح والقلب والعقل، متعة الطريق لدى هذا الكائن على الدوام تنسيه متعةَ الوصول، إنَّه لن يبلغ محطةً إلاّ ليرحل منها إلى ما هو أعلى وأثرى منها، وهكذا. إنّها أسفار لن تبلغ مدياتها النهائية مهما امتد به العمر، ذلك أنّها مسكونة بغبطة السير التي تشغلها عن الوصول.

هذه هي خلاصة شديدة لتجربتي الدينية التي أعيشها، ورؤيتي للعالم، وفهمي للإيمان والدين، والتي لا أنشد فرضَها على أي كائن بشري في هذا العالم، ولا أحسب أنها خشبة الخلاص الحصرية لكل البشر). (45)

التعليق:

أولا: يؤكد فالح مهدي أنَّ الدين منتج من المنتجات الأساسية للحيز الدائري. وهذه النتيجة توصل إليها – كما يذكر - بالاعتماد على منهجه الذي يدرس الظاهرة الدينية في ضوء المكان. وكنا قد ناقشنا هذه القضية بالتفصيل فيما تقدم فلا أظن أننا بحاجة إلى الحديث عنها مرة أخرى.

ثانيا: يحاول فالح مهدي إثبات أنّ الطقوس الدينية فعل أيديولوجي بالاستناد إلى أنّ إله الكون لا يحتاج إلى طقوس وعبادات. ولكن الدين لم يشرع الطقوس لحاجة الإله إليها، وإنّما لحاجة الإنسان لممارستها، فالإنسان كائن طقوسي رمزي، لا يمكنه العيش بدون طقوس ورموز، لا على المستوى الديني فحسب، بل على جميع المستويات، بمعنى أنّ الطقوس ليست فعالية دينية فقط، إنّما دخلت مختلف الميادين: السياسية، والإعلامية، والرياضية و ... ولولا أنّ الدين شرّع الطقوس لوجدنا أنفسنا أمام فوضى هائلة على مستوى ممارسة الطقوس الدينية؛ ذلك أنّ ألإنسان سيسد الفراغ التشريعي بأن يبتكر طقوسه بنفسه. فإذا كنا نلاحظ أنّ هناك فوضى على مستوى الممارسة الطقوسية رغم تشريعات الأديان وتحديدها لها، فكيف يكون الحال لو لم تفعل الأديان ذلك ؟

ثالثا: يرفض فالح مهدي تفريق الرفاعي بين الدين والأيديولوجيا، ويؤكد أنّ الدين من دون إيديولوجيا لا يمكنه أن يستمر على قيد الحياة.

الاختلاف بين مهدي والرفاعي في مسألة التفريق بين الدين والأيديولوجيا، يعود في الأساس إلى الاختلاف في موقفيهما من الدين، وهو يعود أيضا إلى الاختلاف في المنهج الذي يتبعه كل منهما في دراسة الظاهرة الدينية، ومن هنا فإن الكلام في هذا النزاع أكبر من أن تتسع له هذه المقالة؛ ذلك أنّه يستدعي كلاما تفصيليا في المنهج وفي الظاهرة الدينية، وكذلك في تحديد مفهوم الأيديولوجيا الغامض والملتبس.

رابعا: يمكن لنا أن نتفهم قول الرفاعي لمهدي: ( ربما لا تستطيع أنت تذوق حالات الروح ...)، ولكني أتسأءل عن مناسبة حديثه عن اختزال الكائن البشري في العقل وعن النقد الموجه للعقل الأداتي وقصوره، فأغلب الظن أنّ فالح مهدي، بحسب ما يتراءى لي من مقالته، لا يتبنى وجهة نظر الوضعية المنطقية، بل أنّه ربما لا يختلف مع الرفاعي حول مفهومه للعقل، ذلك العقل الذي يرى فيه الرفاعي أنّه، وإن كان عاجزا عن التثبت من حقائق الدين على مستوى الثبوت إلا أنّه ليس بعاجز عن تفسيرها وتبريرها على مستوى الإثبات. ولعل تطابق وجهة نظرهما حول العقل، ولو بالمقدار الذي يرفض اختزال الكائن البشري بالعقل الأداتي، هو الذي يجعل لحوارهما معنى، وعلى أساسه يطالب فالح مهدي الرفاعي بتفسيرات وتبريرات، ويجد الرفاعي نفسه، أحيانا، ملزما بتقديمها.

خامسا: من وجهة نظر منطقية منهجية يمكن تعميم منطق " الأيديولوجيا " على النبوات والأديان قبل العصر الحديث الذي ولد فيه هذا المفهوم. إذ ما علاقة انطباق المفهوم على مصاديقه بتاريخ ولادة المفهوم. فانطباق المفهوم على مصاديقه لا يتوقف إلا على مدى توفر خصائص المفهوم في مصاديقه. من هنا لم يجد ماركس حرجا، رغم حداثة مصطلح الأيديولوجيا، في أن يعدّ الدين نوعا من الأيديولوجيا. وهنا بودي الإشارة إلى كتاب " عبد الكريم سروش ": " الدين أرحب من الأيديولوجيا "، ففي المبحثين الرابع والخامس من مباحث كتابه كان قد حاول إثبات أن اللبرالية والدين كلاهما ليسا نوعين من الأيديولوجيا، وقد فعل ذلك بتحديد خصائص الأيديولوجيا، بحسب ما يتبناه من معنى لذلك المفهوم، ثم بين أنّ تلك الخصائص لا تنطبق لا على الدين ولا على الليبرالية.

(7)

يقول " فالح مهدي ":  (كما أنَّ الرفاعي يقيم علاقة بين الدين والأخلاق، مستنداً في ذلك إلى نفي الفيلسوف إيمانويل كانط "الاعتقاد النظري بالله، لكنه رأى الاعتقاد الأخلاقي به راسخاً لا يتزعزع" (ص170)، ومن ثم يؤكد وفي تلك الصفحة نفسها "إنَّ الأخلاق إنّما تقود على نحو لابدّ منه إلى الدين ... الإنسان لا يتحلى بالأخلاق لأنه متدين، إنّما يتدين لأنّه أخلاقي ".

لا أعلم كيف توصل الرفاعي إلى تلك الأحكام المطلقة ! من أين جاءه اليقين من أنَّ الإنسان يتدين لأنَّه إخلافي ؟

عند التأمّل ودراسة ما قام به عدد من أهم الباحثين في موضوع فلسفة القانون، توصلنا إلى قناعة بأنَّ وجود الأخلاق أملته ضرورات العيش المشترك. وبما أنّ الإنسان كائن اجتماعي، لذلك أوجد عادات وتقاليد أصبحت ملزمة بمرور الزمن، كاحترام الآخر، رعاية اليتيم، مساعدة الفقير، احترام الأبوين ... الخ. هذه القواعد وغيرها كثير لم تنشأ بفضل الدين بل اقتضتها الضرورات الاجتماعية والعيش المشترك.

كل ما فعله الدين هو أنّه احتضن تلك المبادئ السامية. ولو عدنا إلى قانون حمورابي مثلاً، بوصفه الأكثر كمالاً في قوانين العالم القديم، فسنجد أن حمورابي أوجد قانونه لأن ربه شمش طلب منه ذلك، إنَّما وعند التدقيق نجد أنَّ حمورابي قام بتقنين ما وجد في قوانين السومريين قبله بمئات السنين. بل إنَّ السومريين أنفسهم قاموا بصياغة ما اعتاد عليه القوم في تلك اللحظات من التاريخ الإنساني.

لا أدري إذا كان يعلم الصديق عبد الجبار الرفاعي من أنَّ أكثر من ثمانين بالمائة من السويديين لا يؤمنون بوجود إله خالق، ولا يؤمنون بأي دين، بيد أنَّهم من أكثر شعوب الأرض خلقاً !

اللحظة الأنطولوجية أو الوجودية، تلك التي تتساءل عن جوهر الحياة الإنسانية وعن أصل الوجود، ولِمَ نحن هنا، والى أين سنذهب مثلاً، لا علاقة لها بالأخلاق البتة، بل بحساسية الإنسان ورهافة حسه، وإلى بيئته الثقافية، وإلى حيّزه الذي ولد وترعرع فيه ). (46)

التعليق:

أولا: من الواضح أنّ الرفاعي مطالب فعلا بتفسير سبب يقينه في " إنَّ الأخلاق إنّما تقود على نحو لابدّ منه إلى الدين "، خاصة وأنّه ربما يبدو غير منسجم مع ما يقوله في موضع آخر، حيث يقول: (لا أزعم أنّ لا إنسانية وأخلاق خارج إطار الأيمان لدى البشر، فقد عشت مع أخلاقيين وإنسانيين مثاليين، خارج إطار   الأديان ). (47)

ثانيا: حينما نتأمل وندرس ما قام به العديد من أهم الباحثين في المواضيع المختلفة ذات الصلة بالأخلاق، نجد أّنّه من الصعب حقا الاقتناع بأنّ الأخلاق أملتها ضرورات العيش المشترك، خاصة ذلك المستوى من القضايا الأخلاقية من قبيل قول الصدق والعدل والأمانة ... الخ.

ثالثا: أنا لا أعلم حقا ما مناسبة حديث " فالح مهدي " عن أسبقية الأخلاق على الدين، فما الذي يريد إثباته للرفاعي من وراء ذلك الحديث ؟ هل يريد أن يثبت أن الأخلاق ليست منتجا دينيا ؟ لكن الرفاعي لا يقول عكس ذلك، فهو يرى أنّ الأخلاق هي التي تؤدي إلى الدين، وأنّ لها مضمون مستقل خارج سياقاته. يقول الرفاعي في تعليقه على موقف الكلام الأشعري الذي ينفي القول بالحسن والقبح الذاتيين: (أما في علم الكلام الأشعري فالإشكالية تأخذ صبغة أخرى، إذ ينفي علم الكلام الأشعري القول بالقبح والحسن الذاتيين، ويشدّد على أنّ الحسن هو ما حسّنه الأمر الإلهي، والقبيح هو ما قبحه النهي الإلهي. وهذا يعني ألا عدل ولا ظلم مستقلا عن الشرع، أي لا معنى لحكم العقل بقبح عقاب المطيع وثواب العاصي. وكما يفشل العقل بحسب الأشعري وأتباعه في اكتشاف الحسن والقبح، فإنّه تبعا لذلك لا يمكنه إدراك الأخلاق والفضيلة والسعادة ووسائل بلوغها. من هنا لم يعد للأخلاق من حيث هي أخلاق أي مضمون خارج سياق الوحي في علم الكلام الأشعري. لو لم تكن هناك نواميس كونية للعدل والأخلاق، وكان كل حسن يحيل إلى ما يحسنه الوحي، وكل قبيح يحيل إلى ما يقبحه الوحي، فسيفضي ذلك إلى تفريغ الأخلاق من مضمونها، وغياب أي فعل أو سلوك أخلاقي في المجتمعات البشرية التي لم تعرف الأديان الوحيانية، مع أنّه حتى تلك المجتمعات التي لا تعرف الأديان الإبراهيمية، ولم تصل إليها تشريعات الوحي، فإنّ مسيرتها التاريخية تبرهن على أنّ هناك حضورا للكلمات والأفعال الأخلاقية، وأنّ للكلمات والأفعال الأخلاقية الأصيلة حياة في ضمير العالم، إنّها حقيقة أبدية، فلو تكلمت بكلمة طيبة، أو فعلت فعلا حسنا، سيكون لكل منها صدى بحسبه، الكلمة ذاتها تقال عن صاحبها بأبهى صورها، الفعل ذاته يعود لصاحبه بأجمل مما فعل، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر). (48)

إذن، هل يريد فالح مهدي أن يقول للرفاعي ـأنّ الأخلاق بقيت مدة طويلة في التاريخ الإنساني دون أن يكون هناك دين، والدين جاء في فترات لاحقة، وبالتالي ليس من الدقيق، انّ الأخلاق لا بد وأن تؤدي إلى الدين ؟

أقول: إن كان ذلك ما يريد، فعلى الرفاعي أن يناقشه في مدى دقة ما يقوله: هل مرّت البشرية فعلا في تاريخها الطويل بفترات لم يكن للدين فيها حضور ؟!

رابعا: اما قول " فالح مهدي ": (اللحظة الأنطولوجية أو الوجودية، تلك التي تتساءل عن جوهر الحياة الإنسانية وعن أصل الوجود، ولِمَ نحن هنا، والى أين سنذهب مثلاً، لا علاقة لها بالأخلاق البتة، بل بحساسية الإنسان ورهافة حسه، وإلى بيئته الثقافية، وإلى حيّزه الذي ولد وترعرع فيه ). في محاولة منه لنقض ما يقوله الرفاعي في أنّه لا بدّ من أن تؤدي الأخلاق إلى الدين أو الإيمان، فله وجاهته؛ ذلك أنّ الرفاعي نفسه يميز بين القيم الأخلاقية والروحية، رغم تأكيده للعلاقة العضوية بينهما، وهو يعتقد أنّ الإيمان قيمة روحية، وأنّ القيم الأخلاقية ليس بالضرورة تثري الفقر الأبدي للكينونة البشرية. فالرفاعي هنا يبدو أنّه يتفق مع مهدي في أنّ ما هو من شأن الدين والإيمان لا علاقة له بالأخلاق، وإن كان يختلف معه في أنّه لا يرجعه إلى رهافة الحس والبيئة الثقافية والحيز الذي يولد فيه الفرد ويترعرع، وإنّما يرجعه إلى ما يسميه القيم الروحية.

يقول الرفاعي: (وهنا أود الإشارة إلى أنّه يحدث أحيانا خلط بين القيم الروحية والقيم الأخلاقية، مع أنّ كل منهما يحقق كمالا للإنسان بحسبه. نعم هناك علاقة عضوية وتأثير متبادل بينهما. فالقيم الروحية: تشبع الفقر الوجودي لللإنسان، وتروي الظمأ الذي يجتاحه للمقدس، فيمتلئ قوة، وتمنح إرادته توترا وصلابة. والقيم الأخلاقية: تنظم الحياة الاجتماعية، وتجعل العلاقات بالآخر سليمة، تنشد خير البشرية، لكنها ليست بالضرورة تثري الفقر الأبدي للكينونة البشرية، وتروي الظمأ المزمن للمقدس، والذي لا يحقق له الامتلاء والارتواء والسكينة والطمأنينة سوى القيم الروحية.

الإيمان مثلا، بوصفه قيمة روحية يمتلك تأثيرا سحريا، تتحول معه الأرواح، لتتسامى وتحلق في عوالم ملكوتية. الحب أيضا، رغم أنّه يساهم بمنح حياتنا الاجتماعية وعلاقتنا بالغير الكثير من الدفء والسلام، لكنه بوصفه قيمة روحية، يهبنا ما لا تهبنا القيم الأخلاقية السلوكية، كالصدق وغيره. إذ للحب كيمياء خاصة تتبدل معها مادة القلوب، فيصير جوهرها نفسيا.

كل ذلك لا تنجزه القيم الأخلاقية. وهو ما تكشف عنه مواقفنا حيال مواجع الحياة وجروحها ونكباتها، فمهما يكن موقفنا وضميرنا أخلاقيا، ومهما كنا صادقين ننشد الفضيلة، لكن لو فوجئنا بنكبة فإنّها تستنزفنا، وربما نتهشم بها، لو لم نمتلك رصيدا روحيا يمنحنا طاقة تمكننا من عبور تلك النكبة. فقط أولئك الروحانيون المتيمون بحب الله والإنسان والعالم، هم يعبرون نكبات الحياة بلا انكسارات وانهيارات، وبلا ضياع وجنون). (49)

خامسا: في مقالتي التي سأنشرها قريبا " لوك فيري: نحو مبدأ جديد للأخلاق والمعنى " وجدت نفسي أنّي أميل إلى الرأي الذي لا يفرق بين القيم الأخلاقية والروحية، وأنّه ليس من شي مما ينتمي إلى القيم الروحية بخارج من دائرة القيم الأخلاقية:

لم أكن مقتنعا هناك بموقف الفيلسوف الفرنسي " لوك فيري " حول التمييز بين القيم الأخلاقية والروحية، حيث يشدّد (فيري)، على التمييز بشكل أساسي بين دائرتين كبريين من القيم، مختلفتين بالأساس حتى وإن كان بعضهم – بحسبه – يميل إلى الخلط بينهما في الجدل العام، وحتى في الجدل الفلسفي: فثمة من جهة القيم الأخلاقية، ومن جهة أخرى ما يمكن أن نسميه القيم الروحية أو " الوجودية ". فمن الأساسي عدم الخلط بين هاتين الدائرتين إن أردنا أن يواتينا الحظ لنفهم حقا ما الفلسفة. --- (50)

فيما يتعلق بالقيم الأخلاقية نقول – بحسب فيري – أنه في كل الرؤى الأخلاقية الكبرى للعالم، في رؤية المفكرين الرواقيين، كما في رؤية روّاد مدرسة الفكر الجمهوري، نجد دائما مقتضيين أساسيين: الاحترام والسخاء. فالمرء يتخذ سلوكا أخلاقيا تجاه الآخرين حينما يحترمهم من جهة، وحين يضيف من جهة أخرى إلى احترام الآخرين هذا – الذي ظل إلى الآن شكليا بعض الشيء – الطيبة ودماثة الأخلاق واللطف والإحسان إن أمكن. هذا التمييز رغم وضوحه هو ضروري لنبرز على سبيل التعارض الدائرة الأخرى من القيم التي تمس المسائل الروحية، ليس بالمعنى الديني للكلمة بل بالمعنى الواسع لما يسميه هيجل " حياة الروح " حيث تتبلور التمثلات فتشكل بنية علاقتنا بالعالم وكذلك الدلالة التي نضفيها على وجودنا. --- (51)

يقول " فيري ": ( في ماذا تكون هذه الدائرة الروحية أو الوجودية موضوع الفلسفة بامتياز ؟

لو امتلكنا عصا سحرية وجعلنا كل الناس أخلاقيين، ونجعل كل واحد منهم يحترم الآخرين، طيبا، دمث الأخلاق مع الجميع بلا استثناء، لتغير وجه العالم جراء ذلك، فلا حروب، ولاجرائم قتل ولا إبادة جماعية، ولا ---، فيُسغنى عن الجيوش، وعن فرق الأمن والسجون، ولربما يُقضى حتى على أفظع أشكال اللامساواة الاجتماعية. هنا بالذات سندرك الفارق بين القيم الأخلاقية والقيم الروحية. فمهما تكن دماثة الأخلاق التي سنبديها تجاه بعضنا، سيصيبنا الهرم ونفنى لا محالة، ولن يحول ذلك من معاناة محنة الحداد المرعبة إثر وفاة أحد الأحباء، ولا من القلق الناجم عن حياة يومية في غاية الرتابة ولما دفع عنا الموت، ولا قصص الحب ذات النهايات البائسة. وتلك موضوعات مفعمة مع ذلك بقدر هائل من الإنفعالات والقيم. إن هذه القيم بعينها هي التي أنعتها بـ " الروحية " أو الوجودية "؛ لأنها تمس مباشرة الحياة الطيبة بالنسبة إلى البشر الفانين ، بينما القيم الأخلاقية ليست في العمق سوى الإطار الكفيل بتحقيق السلام في العلاقات بين الكائنات البشرية، ولكنها ليست بعدُ شرطا كافيا لحياة موفقة.

إننا ندرك جيدا أن مسألة الحداد ليست مسألة أخلاقية. فقد يكون المرء أخلاقيا وإذا به يُخبر بوفاة أحد أولاده، ولكن لا أحد يجرؤ على الادعاء بأن الحداد على شخص حبيب ليس تجربة بقيم جوهرية وانفعالات على درجة خارقة من القوة، وبتساؤلات في غاية العمق. ومع ذلك فهي بالأساس ومن حيث البنية مسألة لا تتعلق بالأخلاق. لنذهب إلى أبعد من ذلك، إن الحب لا يرجع بالأساس إلى الأخلاق، فهو وإن اتخذ في صلبه نصيبا من الاحترام واللطف تجاه الآخر، إنما يتبدى في أبعاد مغايرة. إن التاريخ مليء بأشخاص رائعين ولكنهم أشقياء في الحب. وهنا أيضا لا أحد سيعترض على أن الحب حاملا للقيم، وحتى لقيم هي في نظرنا أكثرها سموا وقداسة، ومع ذلك لا شيء يجعلها على صلة بالأخلاق. وليس ببعيد عن ذلك مثال الطابع العادي للحياة اليومية، مع شحنة القلق التي ينطوي عليها، فالأمر لا يتعلق هنا بمشكلة أخلاقية؛ إذا يمكن لأمرئ أن يكون على قدر كبير من الطيبة ومحاط بنماذج الفضيلة ويشعر بالقلق إلى حد الضجر من رتابة ونمطية ما عليه حياته. وبهذا ترون جيدا أن التمييز الذي أقترحه ما بين هاتين الدائرتين من القيم يستند إلى تبرير تام.

إنّ دائرة الأخلاق توفر قواعد تجعل العلاقات الانسانية ممكنة، مدنية ومسالمة، إلا إن هذه الدائرة لا تنبئ بشيء مما يثوي حقا في صميم المعنى الذي نضفيه على حياتنا: الحب قوة الاحساس بوجودنا، واتساعه تجاه مأساة الموت. نعم، كل هذه المسائل الوجودية الكبرى، المتعلقة بحقب الحياة والموت والحداد على شخص حبيب وتربية أطفالنا، أقول ثانية إنها تنتمي إلى ما تسميه الفلسفة الألمانية بحق " حياة الروح "، أو الروحانية: أي أنها تمس، بتعبير آخر، المسألة الفلسفية الأساسية، وهي مسألة الحياة الطيبة لمن سيحل بهم الموت). ---- (52)

(ترى ما الحياة الطيبة بالنسبة إلى بني الانسان المعرضين للفناء ؟ تلك هي المسألة القصوى في كل الفلسفات الكبرى؛ إذ ولا واحدة منها غضّت الطرف عن هذه المسألة، وأنها جميعا قدمت أجوبة كبرى وقوية. ويبدو واضحا وأكيدا من خلال ما تقدم أن هذه المسألة الوجودية تتجاوز الأخلاق بقدر كبير، على الرغم من أن هذه الأخيرة بإضفائها طابعا سلميا على العلاقات بين الكائنات البشرية، تُعدُّ شرطا ضروريا للحياة البشرية. ولكنها ليست شرطا كافيا. فلا تعارض بين إمكانية أن نعيش في عالم متخلق حياة قلما ترضينا. نعم قد نفضل الأخلاق في حياة مليئة بالأزمات والحروب، لكن في حالات السلم التي تتمتع بها مجتمعاتنا، نتفطن أنّ مسألة الأخلاق ثانوية مقارنة بالمسألة المتمثلة في معرفة ما يضفي بحق بعض المعنى على وجودنا – أو ما يسميه الفلاسفة أنفسهم " الحياة الطيبة ")---- (53)

وفي تعليقي على ما ذكره " فيري " في التمييز بين القيم الروحية والأخلاقية، كتبت في مقالتي المشار إليها أعلاه ما نصه:

(هل ثمة حدود واضحة المعالم يمكن ترسيمها بين فلسفتي الأخلاق والمعنى ؟

يشدّد " فيري " على أنّ وظيفة الحياة الأخلاقية تنحصر في توفير قواعد تجعل العلاقات الانسانية ممكنة، مدنية ومسالمة. ولا علاقة لها بما يثوي حقا في في صميم المعنى الذي نضفيه على حياتنا، والذي يندرج تحت دائرة القيم الروحية. ومن هنا هو يوصي بضرورة عدم الخلط بين ما ينتمي إلى دائرة القيم الروحية، وما ينتمي إلى دائرة القيم الاخلاقية. يحاجج " فيري " كالآتي: لنفترض أننا نعيش حياة أخلاقية: لا حروب، ولا جرائم قتل، ولا أشكال من الإبادة الجماعية، ولا خوف من وقائع الاغتصاب والسرقة، فيُستغنى عن الجيوش وعن فرق الأمن والسجون ، ومن المحتمل أن يُقضى على اللا مساواة الاجتماعية، أو على الأقل على أكثرها فظاعة . هنا بالذات ستدركون في الحين الفارق بين القيم الاخلاقية والقيم الروحية. فحتى مع تحول هذا الافتراض الاسطوري إلى واقع، فإنّه سوف يصيبكم الهرم، وتفنون لا محالة، ولن يحول ذلك أيضا بينكم وبين معاناة محنة الحداد المرعبة أثر وفاة أحد الأحباء أو فراق شخص عزيز عليكم. فلو شهدت البشرية تحولا خارقا للعادة نتيجة هذا " السحر الأخلاقي " لما منع ذلك في شيء وفاة من نحبهم، ولما دفع عنا الموت، ولا قصص الحب ذات النهاية البائسة، ولما حال ببساطة بيننا وبين القلق الناجم عن حياة يومية في غاية الرتابة. وتلك موضوعات مفعمة مع ذلك بقدر هائل من الانفعالات والقيم. إنّ هذه القيم بعينها – يقول " فيري " –: هي التي أنعتها بـ " الروحية " أو " الوجودية " لأنّها تمس مباشرة مسألة الحياة الطيبة بالنسبة للبشر الفانين. ومن هنا يتبين أنّ الحب ينتمي إلى دائرة " القيم الروحية".

ما يعدّه " فيري " تمييزا بين دائرتي القيم الأخلاقية والقيم الروحية. يراه آخرون تمييزا بين دائرتين من القيم الأخلاقية، فليس ثمة شيء مما ينتمي إلى دائرة القيم الروحية بخارج عن دائرة القيم الأخلاقية. وغاية ما في الأمر: إنّ للحياة الأخلاقية ثلاث وظائف وبإمكانها أن تتوافر على ثلاثة أنواع من النتائج والمعطيات: أولها: توفير الغايات الاجتماعية، ومنها (النظم، الأمن، الرفاه، العدالة، الحرية). وثانيها: توفير الغايات النفسانية، ومنها (السكينة، البهجة، رضا الباطن، إيجاد معنى للحياة). وثالثها: إيجاد تحول روحي لدى الانسان. وهؤلاء يشككون في إمكانية أن تتحقق الغايات الاجتماعية لمن يعيش الحياة الأخلاقية، بدون أن يكون لذلك أي أثر في توافره على الغايات النفسانية، وبالتالي إيجاد تحول روحاني لديه.

ويبدو لنا عند التأمل في ما كتب في فلسفتي الأخلاق والمعنى، ومنها ما كتبه " فيري " نفسه، أنّ هاتين الفلسفتين متداخلتان إلى حد، يكون معه، من المتعذر حقا ترسيم حدود واضحة المعالم بينهما). (54)

(8)

يقول " فالح مهدي ": (قبل أن أُنْهي ملاحظاتي هذه بودي الإشارة إلى أحد فصول الكتاب، الذي يأخذ بتلابيب النفس نتيجة صدقه وعفويته وعمقه، وأقصد بذلك الفصل الثاني. فتحت عنوان "نسيان الإنسان" راجع الصفحات 29- 101، دعانا الرفاعي لتلك الرحلة الممتعة في ماضيه، في طفولته، في عذاباته، في فقر أهله، في موت أبيه المبكر. هذا الفصل يصلح أن يكون عملاً روائياً مستقلاً فهو ممتع للغاية.

وختاماً لم يبقَ أمام الرفاعي في تقديري سوى هدم الأسوار التي بناها بين الدين والإدولوجيا، ليرى بأم عينيه أنَّ ذلك التفريق هو الوهم بعينه). (55)

رضا حسن الغرابي

.....................

الهوامش

44 – عبد الجبار الرفاعي، الدين والظمأ الأنطولوجي، مصدر سابق، ص264-265.

45 – نفسه، ص268-271.

46 – نفسه، ص265-266.

47 – نفسه، ص67.

48 - الرفاعي، عبد الجبار، علم الكلام الجديد، دار التنوير للطباعة والنشر، مركز دراسات فلسفة الدين- بغداد. 2016م. ص38.

49 – نفسه، ص39.

50 - لوك فيري، أجمل قصة في تاريخ الفلسفة، مصدر سابق، ص11-12.

51 – نفسه، ص12.

52 – نفسه، ص13 – 15.

53 – نفسه، ص16.

54 – مقالتي بعنوان: " لوك فيري: نحو مبدأ جديد في الأخلاق والمعنى ". ستنشر قريبا.

55 – عبد الجبار الرفاعي، الدين والظمأ الأنطولوجي، مصدر سابق، ص265.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم