صحيفة المثقف

جداريات سورية في سؤال وجواب

mohamad abdulkarimyousifكيف يمكننا أن نؤسس لحوار وطني حقيقي؟

يا سيدي!  الحوار قضية قديمة قدم الأزل. وقد ركزت عليه جميع الفلسفات والمعتقدات الدينية التوحيدية وغير التوحيدية. الحوار يقوم على مبدأ تبادل الأفكار فتحدث الإفادة والاستفادة وبالتالي الترقي نحو درجات جديدة وعوالم أفضل .

 الحوار هام جدا ً لحل المشكلات وتحليل الأزمات وحل النزاعات . وربما كانت الوسيلة الأشمل للحوار هي الإقناع وطرح الحلول والحلول البديلة . يحضرني قول شهير لبرناردشو حول نفس الموضوع عندما قال : إذا كان لديك تفاحة ولدي تفاحة وتبادلناها سيكون لدى كل واحد منا تفاحة . أما إذا كان لديك فكرة ولدي فكرة وتبادلناها سيكون لدى كل واحد منا فكرتين، فما بالك إذا كان التحاور بين عشرة، آنئذ سيكون لكل واحد ضمن المجموعة عشرة أفكار  . وبالتالي عشرة أفكار أفضل من فكرتين، وبالتأكيد ستكون هذه العشرة أفكار متنوعة، وستقدم حلولا ً وحلولا ً بديلة . الحوار مفيد لكل الناس، إن كان على صعيد المنزل الصغير، أو الحي أو المدينة أو الوطن . والحوار يجب أن يكون تحت سقف الوطن . لأن الوطن فوق الجميع، هو الملاذ وهو المبتغى وهو الرمز الذي يضم المجتمع بأطيافه المختلفة . والحوار في أساسه جدل ايجابي حول فكرة معينة أو مشكلة بذاتها وبالتالي له آداب لابد من مراعاتها وإحيائها واحترامها . فعندما نتحاور حول موضوع معين يعني أننا نختلف في مقاربتنا لهذا الموضوع . وهذا يعني أن لكل واحد منا رؤىً تختلف عن الآخر. من هنا، كان لا بد للحوار من أن يشمل الوطن بأطيافه المختلفة من غربه إلى شرقه ومن شماله إلى جنوبه . لقد سميته أنت بسؤالك  " الحوار الوطني " وهذا يعني ما يأتي:

1- الاتفاق على أن الوطن هو السقف (كلنا للوطن) .

2- الاتفاق على أن السيد رئيس الجمهورية هو الراعي والضامن للحوار والنتائج التي يتوصل إليها .

3- الاتفاق على موضوع الحوار والأفكار التي يجب التحاور حولها.

4- المشاركون في الحوار (منظمات شعبية، منظمات أهلية، هيئات حكومية وغير حكومية، أفراد مستقلون، رجال فكر، رجال دين، أحزاب ....الخ )  .

5- تحديد جدول أعمال لبدء وإنهاء الحوار الوطني الشامل يتضمن إعلان مبادىء يلتزم بها الجميع .

باختصار، يا سيدي، الحوار الوطني ضروري لتعزيز الثقة ضمن المجتمع بأطيافه المختلفة، ويعزز الثقة لدى الجميع بأنهم هم من صنع الدولة والقانون وبالتالي عليهم جميعا احترام الدولة والقانون، لأن الدولة والقانون منهم وإليهم .

"إصلاح" كلمة نسمعها في اليوم /1000/ مرة كيف يكون ؟ ومن أين يبدأ ؟

لا أريد أن أدخل في إشكالية المصطلح لأنه كلمة شائكة جدا ً . نحس بها جميعا في حياتنا اليومية . الإصلاح أصعب من التأسيس، فعندما تريد الإصلاح عليك تشخيص المشكلة والبحث عن الأسباب ثم إزالتها ثم إيجاد الحل المناسب ثم التأكد من أن هذا الحل فعال  لتطمئن إلى عملك من أوله إلى أخره .فما بالك إذا كان الإصلاح يحتاج إلى إصلاح في النفوس والمعتقدات والنوايا والقوانين الوضعية وغير الوضعية .أرى أن تكرار المصطلح آلاف المرات يومياً يعني أن هناك إدراك شعبي واسع للحاجة للإصلاح وهذا يعني أن المواطن يحس بأهميته وعليه أن يبدأ به من عالمه الضيق إلى عالمه الواسع، انطلاقا من صنبور الماء إلى مصباح الكهرباء، إلى حقوقه كاملة و واجباته كاملا . الفرد يأتي رقم واحد في عملية الإصلاح الكبرى . وعندما ينوي الفرد (المواطن) الإصلاح يبدأ أولا بإصلاح نفسه وسلوكه ومعتقده ثم ينطلق ليجد أن كل الناس قد صلحوا . على المواطن أن لا ينتظر الآخرين، الإصلاح يا سيدي لا يأتي بقرار سياسي، الإصلاح مثل الحضارة والرقي عملية تراكمية وثقافة ننميها بأنفسنا أولا، بأولادنا ثانيا، بعالمنا الصغير، وسنجد أن عالمنا الكبير (الوطن) قد صلح .سألتني صديقة لي منذ أيام : أتتجزأ الأخلاق؟ فقلت لها كلا لأن من يسول لنفسه سرقة البيضة سيسرق الجمل ومن يبيح لنفسه فسادا ً في شيء صغير سيبيح لنفسه فسادا في شيء كبير . الخطر الكبير الذي يهدد الإصلاح هو فئة من الناس تصلح لكل زمان ومكان .

الاختلاف حالياً يعني التخوين. كيف يمكننا أن نؤسس لثقافة الاختلاف؟ وهل تربية المجتمع السوري تقبل الاختلاف؟

سأبدأ من القسم الأخير من سؤالك . لقد كانت سوريا عبر التاريخ جزءا من منظومة ثقافات حضارية متنوعة، فهي في مركز العالم القديم ولا زالت في مركز العالم الحديث . في سوريا، تجد ألوانا ً زاهية من الحياة لا تجدها في مكان أخر من العالم . في سوريا ثقافات متنوعة، ومعتقدات متنوعة وتقاليد حضارية سمحت لسوريا أن تكون مثالا رائعا للعيش المشترك . في سوريا، تجد للتسامح والكرم والرحمة مذاقاً خاصا ً . ربما لأنها قطعة من الأرض موغلة في القدم، وربما لتنوع طبيعتها، وربما كان السبب أنا مهد للكثير من الحضارات والثقافات والمعتقدات . في سوريا، تظهر الأشياء الغريبة فورا ً، لا تستطيع أن تختبىء كثيرا ً، يلفظها المجتمع السوري بسرعة ويشير إليها بالبنان  . لذلك، لا نذكر جديدا ً إذا قلنا أن المجتمع السوري تربى منذ الصغر على ثقافة الاختلاف الثقافي والديني. في سوريا، يتعانق الهلال والصليب . السوري يا سيدي بأطيافه المختلفة منذ فجر التاريخ متمدن، صاحب رسالة، نجح في التجارة والصناعة والتعليم، السوري يا سيدي يأكل مما يزرع، ويلبس مما يصنع، جاب العالم قديماً أيام الفينيقيين، حمل رسالته، علّم وتعلم، نما وكبر، قاوم الاستعمار عبر التاريخ، حافظ على وحدته الوطنية وعيشه المشترك، من الملك رصين وحتى الرئيس بشار الأسد .

والاختلاف هو أن يكون لك عادات وتقاليد ومعتقدات تختلف عن الآخر تحافظ عليها شرط احترام اختلاف الآخر عنك . الاختلاف هو أن تؤمن أنك موجود وأن الآخر موجود. لك حريتك وله حريته . لك ما هو لك وله ما هو له . أما أن تؤمن أن ما هو لك لك وما هو لغيرك لك أيضا ً فهذا شيء ينافي حدود العيش المشترك وحدود الله أيضا .

الاختلاف يا سيدي ليس تخويناً . ولا يجب أن يكون في حال من الأحوال . الاختلاف هو تنويع جميل لزهور الحديقة، شرط الالتزام بسقف الوطن وكرامته . الاختلاف لا يلتزم بسقف الوطن يعد نوعاً من الشذوذ عن الناموس، يجب تصحيحه، وتصويب مساره . لنتفق جميعا ً على الثوابت، ونختلف في طرق تحقيقها . الاختلاف، في هذه الحالة، يا سيدي، ظاهرة صحية وصحيحة يجب الاستفادة منها .

أين الشباب من العمل السياسي والاجتماعي؟ وما هو الدور الذي يجب أن يعطوه في المرحلة القادمة بحيث لا يهمش دورهم؟

عبر التاريخ، يا سيدي، من أيام سقراط، مؤسس أولى الديمقراطيات في العالم، كان للشباب دور هام في بناء المجتمع . هم نحن بالأمس ونحن غداً. الشباب خزان دائم للطاقات المتجددة . الشباب، يا سيدي، طاقة خلاقة إذا أحسنت الاستخدام . لقد أسس سقراط أولى الديمقراطيات في العالم اعتماداً على الشباب . ويقوم الإمام علي رضي الله عنه عليكم احترام أبنائكم وأرائهم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم، ويقول جبران خليل جبران أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناء الحياة  . من هنا كان لزاماً علينا احترام وجهات نظر  الشباب وتقديم العون والنصح والإرشاد والاستماع إليهم وتوجيههم عند الضرورة . ومن هنا، ينتفي مفهوم صراع الأجيال، ومن هنا نبني مفهوم بناء الأجيال وتتابعها . في الكثير من المجتمعات الإنسانية يقدس الشباب المسنين لأنهم تعودوا ذلك، وفي الكثير من المجتمعات يزدري الشباب المسنين لأنهم تعودا ذلك أيضا ً. هي ثقافة نبنيها ونعتاد عليها رغم عثراتها في أول الطريق. منذ عشر سنوات، سمحت الدولة السورية بتأسيس الجمعيات والمنظمات الأهلية، فهرع عدد كبير من الشباب الذين أعرفهم للمباشرة بالحصول على التراخيص اللازمة لهذه الجمعيات، وكنت أسأل هؤلاء الشباب " ألكم خبرة في العمل التطوعي غير الربحي؟ "وكان الجواب من الجميع "سنجرب". الشباب، يا سيدي ليسوا بحاجة إلا لمساحة من الحرية وأنت سترى العجب العجاب . هناك من أسس جمعيات تكنولوجية، وجمعيات بيئية، وجمعيات خيرية، وجمعيات طبية، وجمعيات للعلاقات العامة، وجمعيات للآثار، وجمعيات للصحة، وجمعيات للمخابر، وجمعيات لمراقبة الأسواق، وجمعيات لمكافحة التدخين . وكلها منظمات وجمعيات وهيئات تطوعية غير حكومية هدفها ليس تحقيق الربح وقيادتها منتخبة وفق قوانين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ولا لازالت تعمل حتى الآن وبعضها يعمل منذ عشر سنوات تقريباً وكلها تحت سقف الوطن . لقد حدث كل هذا الحراك الشبابي في سوريا بمجرد إصدار قرار بسيط يسمح للشباب بإنشائها . الشباب السوري دعامة أساسية من دعائم الاقتصاد الوطني وهو على درجة عالية من الثقافة والتكيف مع الظروف . فمثلا تجد هناك حاليا من هو خبير بالانترنت والفيس بوك ومنهم من ساهم إلى حد بعيد في تكوين سوريا الافتراضية على شبكة الانترنت . هم من يدافع عن العيش المشترك، والوحدة الوطنية . هم من يزين صفحات الانترنت بأجمل الصور إشراقا ً عن سوريا حالياً . يشكلون بطاقتهم وأخلاقهم جيشا الكترونياً تطوعياً للدفاع عن بنيان المجتمع العربي السوري.الشباب العربي السوري في هذه المرحلة لم يعط دوراً، لأنه ليس بحاجة لإعطاء الدور . هو نفسه من بادر للعمل الاجتماعي والسياسي نابعاً من شعوره المتقد بضرورة أن يضع بصمته على الأحداث في سوريا وأن يجبر العالم أجمع من محيطه إلى محيطه أن يرفع القبعة لهذا الوطن الجميل .

 

بقلم محمد عبد الكريم يوسف

         

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم