صحيفة المثقف

الشحنات (2)

haidar alhadrawiأ-2-2- دينية: جميع الاديان السماوية قررت وأكدت واتفقت على (ان الايمان نور، والكفر ظلام)، المؤمن تحيط به هالة من النور، والكافر تغشاه هالة من الظلمة، يستدل عليها بالفراسة (فراسة المؤمن)، او أصحاب الحال وأهل الفن .

المؤمن تنبعث منه شحنات موجبة تنير ما حوله (روحانيا)، والكافر تلازمه شحناته السالبة فتغشاه الظلمة، المؤمن كحامل المسك يشمه كل من يمر بجانبه، والكافر كمن التصقت به القاذورات فباتت تنبعث منه روائحها الكريهة.

جميع الاديان وضعت قطبا عليه مدار العبادة، ثم فرضت قبلة توحد المؤمنين قلبا وقالبا، ونصبّت أئمة تتجمع حولهم قلوب وعقول المؤمنين، وسنّت طرق عبادية تمتزج بها الحركة والنطق بنسق معين، ولم تغفل عن طريقة لأنهاء المراسم العبادية، كالسلام في نهاية الصلاة للمسلمين، غير أن الطرق العبادية اختلفت باختلاف الرسالات السماوية، الا انها لم تختلف في الجوهر.    

شرّعت الديانات السماوية بطريقة بالغة الحكمة، حيث تهدف الى توحيد الانسانية ضمن وحدة الكون التي تثبت وحدة الخالق.

تتفق جميع الديانات على عدة أمور، نختار منها :

أ-2-2-1- الصلاة: تفرض على المرء بشكل شخصي، وتحبذ ان تكون جماعية خلف امام او أسقف او كاهن حسب نوع الدين، ما يضمن وحدة المجموعة، واتحاد العمل الجماعي، مع وجود نواة تلم الشمل، في اتجاه معين (قبلة)، مع بعض الاذكار التي تناغي القلب وتهيج العواطف، ما يوحد عمل القلب مع الدماغ، الامر الذي يولد سيل جارف من الشحنات، شريطة ان يراعى :

أ-2-2-1-1- ان تؤدى الصلاة وفقا لتعاليم الدين من حيث الحركة والسكون .

أ-2-2-1-2- يشترط في الصلاة حضور القلب وان لا يكون المرء شارد الذهن اثناء قيامها .

أ-2-2-1-3- كما وينبغي ان لا يتثاقل منها المرء، وان تكون الصلاة مصدرا لراحة النفس الموجبة لهدوء البال، كما يروى عن النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم أنه كان يقول «قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»،

أ-2-2-1-4- لا ينبغي التكاسل عنها او اهمالها، وبل يجب ان تكون بمنزلة قرة العين كما يروى عن النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم أنه كان يقول "وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة".

الى غير ذلك من الموجبات المطلوب مراعاتها.

قبل الانتقال الى صدد اخر تنبغي الاشارة الى ان ألفاظ الصلاة مختارة بعناية، وليست عفوية ولا ينبغي التعويض عنها بأي كلام أخر، فالأذكار الربوبية والالهية وجدت بل نحتت في فطرة الانسان، فهي تجد طريقها بسهولة في الفطرة السليمة، وتتعرقل في الفطرة الملوثة، من هنا وفي هذا المكمن بالذات يتفاعل معها القلب السليم.  

أ-2-2-2- المسجد: كل الديانات اشترطت وجود دورا للعبادة، مع اختلاف التسميات والعناوين، اهميته واضحة جدا تتمركز في عدة نقاط (لا على سبيل الحصر):

أ-2-2-2-1- كونه يجمع شمل المؤمنين ويوحدهم في بؤرة واحدة، ويجعلهم كالبنيان المرصوص كما عبر النبي الاكرم محمد (ص واله) عن ذلك .

أ-2-2-2-2- تتساقط فيه العناوين والمراكز الاجتماعية، فيكون جميع الحاضرين كتلة واحدة  تحت عنوان واحد (مصلين).

أ-2-2-2-3- تتهاوى الفئات العمرية، فيكون الجميع فئة واحدة .

أ-2-2-2-4- يتساوى فيه الجنس، فلا فرق بين ذكر او انثى، ما يشكل كتلة تكوينية صلبة.

أ-2-2-2-5- تتساقط فيه الجنسيات والاعراق والالوان والعناصر، ما يدعو الى تكوين طبقة صلدة ومتينة.            

هذا كله واكثر كاف لتولد الشحنات وتفريغها بطريقة اختتام الصلاة وتبادلها بطريقة الترحاب بين المصلين .

أ-2-2-3- الصوم: جميع الديانات السماوية شرعت الصوم، وكذلك كثير من الديانات اللاسماوية، مع ان الصوم يكون ممارسة فردية، الا أنه يكون جماعيا في ايام معدودة، وفي وقت محسوب .

للصوم أهمية كبيرة في محورين:

 أ-2-2-3-1- الجسم: يمنح أجهزة الجسم راحة من مخاطر تناول الطعام، ويريح الجهاز الهضمي بالدرجة الاولى، حيث ان المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء.

أ-2-2-3-2- الروح: الصوم يدفع الروح للسمو والارتقاء، ويعالج اسقامها واعلالها ان تم بالصورة الصحيحة .

اتفاق الجسد مع الروح في ممارسة او فعالية واحدة يولد شحنات موجبة نفعها يعود لصاحبها بالدرجة الاولى ولمن حوله بالدرجة الثانية، حيث ان الجسد بمثابة الحصان، والروح بمثابة الفارس، كما قيل (الجسد مطية الروح)، ان الجسد يمثل القلب، والروح بمثابة العقل او هي روح التفكير عند الانسان، البؤرة الرئيسة التي تتمحور حولها الشحنات، ومنها يتم تفريغها وتوجيهها الى الهدف.     

أ-2-2-4- تشييع الجنائز: تشييع الجنازة يتوفر فيها بؤرة (محور "قطب")  ترتكز عليها انظار الجمع، وتهفو نحوها القلوب، وتشد لها العقول، حيث تتمحور الانظار نحو الجنازة المحمولة في مقدمة الموكب، مع حركة المسير، كاف لتوليد شحنات ايجابية او سلبية حسب نوع الموكب الجنائزي وما يمثله، طالما هناك مرتكز (محور "قطب") وتأثر قلبي عاطفي وشد نفسي وحركة مسير مهيبة ذات وقار .

أ-2-2-5- عيادة المرض: أوصت الاديان بعيادة المريض، ووصلت الينا الكثير من الاحاديث النبوية الشريفة بضرورة وربما الى وجوب عيادة المريض، خصوصا في الايام الثلاثة الاولى من مرضه، ذلك مما يولد شحنات ايجابية نافعة للمريض ولزائريه، حيث ان المريض سيمثل المحور "القطب" المطلوب الاساسي لتجمع الشحنات حوله، والشد النفسي والتأثر العاطفي المتبادل بين المريض وزواره .

أ-2-2-6- اطعام الطعام: أوصى القرآن الكريم كثيرا في إطعام الطعام، حتى انه سنه في الكفارات، كإطعام ستين مسكينا كفارة لإفطار العمد، وكذلك كفارة اليمين الكاذب بإطعام عشرة مساكين، الى غير ذلك، وكثير من الاحاديث النبوية أوصت بإطعام المساكين وغيرهم وإقامة الولائم ومنها الحديث الشريف (لا وليمة إلا في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز)، العرس التزويج، الخرس النفاس بالولد، العذار الختان، الوكار شراء منزل، الركاز العودة من الحج، من هنا يكون المحور "القطب" الوليمة وما أعدت من أجله، تتمحور حولها افئدة المدعوين وقلب القائم بها، وترتكز على مناسبتها أذهان الجميع، الجميع يكون قد بذل جهدا فيزيائيا، فالقائم بالوليمة اشترى المواد المطلوبة من السوق وقام بإعدادها، وكذلك المدعوين ساروا مسافة حتى وصلوا المكان، كل ذلك كاف لتوليد الشحنات الايجابية المتبادلة اثناء تناول الطعام .

أدركت بعض الطرق الصوفية اهمية الامر، فقامت طرقهم على اعداد الطعام وتقديمه، وكذلك المذهب الشيعي زاخر في اعداد وجبات الطعام في المناسبات الخاصة من حيث الكمية والكثرة .   

أ-2-3- الاستعراضات العسكرية: غير خاف على احد، تلك الهيبة التي تطرق القلوب لدى مشاهدة استعراض عسكري، مجموعة من السرايا والفصائل تؤدي حركة واحدة وبنسق منظم، مصحوبة بمجموعة كبيرة من الاليات، وايقاع موسيقي معين يلائم النسق العسكري، كل ذاك تحت امر "إيعاز" واحد وقيادة واحدة .

الشحنات الصادرة تكون كثيرة طالما وان الحركة موحدة والايقاع الموسيقي يناغم تلك الحركة، ما يدخل الهيبة في عين الرائي، بدليل ان بعض انواع الاستعراضات العسكري لا تدخل الهيبة في القلوب مهما بذلوا من جهد، والسبب عدم التناسق او هناك حركة فوضوية تتسبب بتسريب الشحنات بطريقة فوضوية .

أ-2-4- الاستعراضات الرياضية وما شابهها: لا تختلف هذه الاستعراضات عن طريقة وأسلوب استعراض العسكر، غير انها وجدت لإبهار المشاهد فقط، وربما لا توجد لها اهداف اخرى، فيتحقق الهدف المطلوب، لكنه مؤقت، يتلاشى بعد فترة.

يتبع ان شاء الله تعالى

 

حيدر الحدراوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم