صحيفة المثقف

مذكرات نقيب العشاق (1)

sardar mohamadوقفت قدّام الماوية، أتزّين، فمشطّت لحيتي التي وخطها الشيب، وأرخيت عمامتي، فتناهى إلي صوت رقيق من داخل المرآة،

- أين أنت متوجه بزينتك هذي

- تلقاء واد يدعونه عبقر

- لوحدك؟

- بلى

- حذارمن محادثة أومجالسة الشيطانات، فأنا أغار، ربما تسرقك واحدة منّي

- حتى من الشطيانات، لا اعتقد أن بعبقر إناث الشياطين

- إياك فنسلك سيأتون بذيول

 وصلت سفوح عبقر، خفت قليلاً ثم توكلت على الله ودلفت،

كان ظني أن أجد مخلوقات غريبة برؤوس تشبه رؤوس الساسة الطغاة مسطّحة خاوية من دماغ ترتكز على رقاب تشبه أعجاز النخيل، ذات قرون ناتئة النهايات تخترق أقسى الجلود، وتفتح صلد خزائن المصرف المركزي، لون الوجوه أقبح من لون خنزيرلا يسر الناظرين، طول القرون يتناسب وعمر الشيطان وعددها يتناسب مع شدة شيطنته، وبعين واحدة في منتصف الجبهة حمراء قرمزية أو بعينين مشقوقتين بالطول لا بالعرض يسيل منهما صديد زنج الرائحة لزج القوام ولون يميل للخضرة يعشقه الساسة السراق إذ يذّكرهم بخضرة الدولار، ولها أفواه بأسنان كأنها منشاريشطر الصفيح بيسر، وألسنة رفيعة ذربة النهايات بفرعين تخرجها وتدخلها بسرعة في فمها الذي ينطلق منه مارج نار لمسافات على وفق الرغبة والحاجة، أجسادهم كثة الشعر كأنه دبابيس يزدحم في أماكن ويفقد في أخرى، ولهم ذيول تنتهي برأس مثلث كرأس سهم، ولهم أصابع ذات أظفار حادّة ومقوسة كمخالب الصقور . منهم من هو برجل واحدة يقف عليها باتزان كلقلق، وأقدامهم كحوافرحميرالوحش .

رأيت خلقاً بهيئات مختلفة وبأعمار متباينة، وحقاً كانت هناك شيطانات، مجتمعات لغاية، يتهامسن ويبتسمن .

 حيّتني احداهن عليها ملامح الكياسة والرزانة، فرددت بأحسن من تحيتها،

سألتني من أكون، وما الذي جاء بي هنا، وبعد أن عرفّتها بنفسي ورغبتي في حقيقة شياطين الشعراء، قالت : إذن أنت واحد ممن يعترف بأن لنا غير الكيد لنبعدكم عن صراطكم المستقيم بدليل أن لنا منكم أصدقاء وأحباب .

- من هؤلاء ؟

- الشعراء يارجل، فإن كنت ترغب في معرفة ذاك آخذك بجولة نطوف عليهم .

- يسعدني ذلك وهذه الغاية من مجيئي واديكم .

تذكرت تحذير حبيبتي من شيطنتهن، فقلت: وهل سنطوف على شياطين الشعراء؟

-لا يا صاح على شيطانات الشعراء وشياطين الشواعر.

لقد دوختني، ولم أفهم، ماذاتعني بشيطانات الشعراء وشياطين الشواعر؟

- أعني الحقيقة التي تخشون البوح بها، فالشعراء كلهم عشقوا شيطانات هن اللواتي يوحين إليهم بأعذب القصائد،

والشواعر من النساء لهن شياطين ذكور.

-هذا ما أسمعه لأول مرة

- وستعرف حقائق من قصص العشق وأحلاها لاتخطرعلى بال

تعال، تأمل هاتين الشيطانتين الراقدتين، التي في اليمين أم الرباب والتي في شمالها أم الحويرث، إقترب، شم رائحة المسك، وريّا القرنفل،

عشيقات الشاعر السكيرالملك – امرؤالقيس - ؟

هذه خيمة عشيقاته الكثر

هوالذي يقول

كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل

إذا قامتا تضوّع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بريّا القرنفل .

وتلك التي تتمايل دلالاً هي فاطمة

- التي يقول فيها

أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي

- بلى هي، بربك فاطمة يقال لها أجملي والساسة التجّار يركبون سيارات الدفع الرباعي المظللة ؟

- لا والله شتان بين هذا الدلال وبين خشب مسنّدة .

وانتقلت برفقتها إلى موضع آخر

- تمهل .. تمهل، هذه هند .

- صاحبة عمر بن أبي ربيعة

- لا ياصاح، صاحبة عبدالله بن عجلان

وقد قيل فيه

فما وجدت وجدي بها أم واحد ولا وجد النهدي وجدي على هند

وقال البحتري

هوى لاجميل في بثينة ناله بمثلي ولا عبد بن عجلان في هند

وسبب اعتلاقه بها، أنه رأى من ربوة تشرف على نهر يسمى نهر غسان، بعض بنات العرب يغتسلن فيه فمكث ينظرهن عاريات، مستخفياً فلبسن تيابهن وصعدن، وبقيت هند،

"وكانت طويلة الشعر تمشطه وتسبله على بدنها، وهو يتأمل شفوف بياض جسمها من خلال شعرها الأسود، فتمكن الهوى منه "

خطبها وتزوج بها وهو يزداد بها غراماً وأقاما ثمان سنين

أجبره أبوه على تطليقها والتزوج بأخرى تنجب له الولد

فطلقها وندم ووجد وجداً كاد يهلكه وأنشد :

طلقت هنداً طائعاً   فندمت بعد فراقها

فالعين يذرف دمعها   كالدر من آماقها

خود رداح طفلة  ما الفحش من أخلاقها

ولقد الذ حديثها     وأسر عند عناقها

ظل شوقه ينمو ويسمو حتى لزم الوساد وتوفي وسبب وفاته أنه قصد هنداً وكانت قد تزوجت، فأتاها سرّاً، شد كل منهما على صاحبه ودنا منه فاعتنقا عناق العشاق حتى سقطا إلى الأرض ميتين

وهذه هند بنت عتبة، ولع بها مسافربن عمرو وأراد زواجها، ولكنها حملت منه فهرب ومرض مرضاً شديداً فمات .

الهندات كثيرات والعاشقات منهن بعدد مديد .

وهذه خيمة غواني عمر بن ابي ربيعة المخزومي، المعجب بنفسه والذي يتزيا بما يلفت بصرهن، ويبهر عقولهن، فيعلقن بحلو شكله وجميل ملابسه وغريب مركبه .

شاهد معشوقاته الكبرى والوسطى والصغرى اللواتي عرفنه من نظرة

قالت الكبرى أتعرفن الفتى ؟  قالت الوسطى نعم هذا عمر

قالت الصغرى وقد تيمتها   قد عرفناه وهل يخفى القمر

وتلك الجميلة الحسناء هي الثريا التي تزوجها سهيل الزهري وكان عمر معجب بها فلما تزوج الثريا من سهيل أنشد

أيها المنكح الثريا سهيلاً  عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلت   وسهيل أذا استقل يماني

وتلك هنده التي وعدته ولم تنجز الوعد، فأنشد

 ليت هنداً أنجزتنا ماتعد  وشفت أنفسنا مما تجد

واستبدت مرة واحدة   إنما العاجز من لا يستبد

- وهذه بثينة العذريّة برفقة عزة تتجاذبان أطراف الحديث

- تقصدين بثينة صاحبة جميل بن معمر وعزّة صاحبة كثّير

 - جميل بن معمرالذي بلغ غريب المبالغة في قوله :

خليلي هل أبصرتما أو سمعتما  قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي

وكثيرالذي قال في عزّة

قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنّى غريمها

- لقد لقينا من تجوالنا نصبا، كم أنا ممتن لك مصاحبتي

- إذا كان في نفسك رؤية وسماع الكثير يمكنك القدوم غداً فتكون لنا جولة ثانية

- بل يسرني، إلى اللقاء

 

سردار محمد سعيد

نقيب العشاق على مدى الآفاق بين ذرى قنديل ووادي عبقر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم