صحيفة المثقف

جولة ثانية في عبقر

sardar mohamadكانت جولة الأمس ناجحة ناجعة،جعلتني أفكر ملياً وشجعتني إلى العودة ثانية، وسأحرص على جهة لفّ عمامتي أمن يمين أبدأ أم من شمال، كي أكون سريع الجواب فلا أتلعثم، فتحسب سائلتي من داخل الماوية أني أتجاهلها عمداً .

عدت أرتب هندامي ولم أنس رش العطر على لحيتي ورقبتي، فإذا بالصوت يعود لمسائلتي،

 - أما كفاك رش العطر، لقد بالغت وأسرفت، ستشمه الشيطانات ألستُ الأولى به؟ أمس زرتك ووجدتك مستغرقاً في نومك لكنّي لم أتنسم عطراً، فهل أغرينك شيطانات عبقر؟ أيملكن ما لا أملك؟ عمامتك اعتنيت بلفّها،لحيتك وقد شذبت، وبعطر ضمّخت، فما غايتك؟ إذهب ولكن سأتبعك قائماً قاعداً دون أن يحس بي أحد، وويلها من تلوّح لك بشيء، ويلها إن حاولت سرقتك منّي وويلك ثم ويلك إن فكرت باستبدالي بواحدة أخرى، ولقد أتاني خبر أنهن لا يأبهن لعمرفواحدة منهن عشقت من هو بعمر جدّها، وأخرى أحبت من هو بعمر حفيدها.

- لا تخشي فسأكون في مرابع العذريين

 إلتقيت بمرافقتي، فإذا بها تقول: من سعيدة النصيب هذي التي عثرت عليك، أتعشقها؟

غيّرت الحديث، فوجدتها قد اكفهرّت وجهاً، فخفت لعلها تنصب لي شراكاً قاسياً فجاملتها

- هل أنت بهذه الرقة دوماً .

فإذا بأسارير وجهها تتضح وخدودها تتورد وجفونها تسبل . إذن حلّت المشكلة بعبارة ثناء سهلة بسيطة مخادعة كاذبة (والغواني يغرّهن الثناء)، كم مارستها مع غانيات الأنس والجان،فإذا كانت هي شيطانة، فأنا أمير الشياطين المحترف الخبير في إيقاع من أعجبتني في حبائلي، وحبائلي تبدو من حرير وحقيقتها حديد .

قالت: لنبدأ الجولة

وسمعت منها عجباً،

 من أن امرأة هويت شخصاً فقيل عن هواهما الكثير، فقال:تعالي نحقق ما قيل فينا، فقالت معاذ الله ألم تقرأ – الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، إلا المتقين - .

هذه عذرية فتصور قناعاتهم .

- زيديني بالله فقد أذهلتني .

قالت: تعال وسل هذا العذري،

سألته:

ما الذي تفعله إذا ظفرت بمحبوبتك؟

قال:

أطيع الحب في لثمها وأعصي الشيطان في إثمها .

- زيديني بالله زيديني .

تعال معي، هذا الجالس بجنب الشجرة هو إبراهيم بن عرفة الذي يقول:

كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني   منه الحياء وخوف الله والحذر

وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني      منه الفكاهة والتحديث والنظر

أهوى الحسان وأهوى أن جالسهم   وليس لي في حرام منهن وطر.

تقدّم وتحدث مع هذا الأعرابي العذري،

فقلت:

 من أي قوم أنت؟

قال:

من قوم إذا عشقوا ماتوا

فقلت له ماعلّة ذاك؟

قال: في نسائنا صباحة وفي فتياننا عفّة .

- ءأعجبتك هذه الإجابات؟ نستمر أم لا؟

- أعجبني !!!! بل أدهشني وسرني ويسعدني، هذا ما نفتدق: خشية الله والضمير.

أشارت إلى عذري سئل:

- تعدّون موتكم بالحب مزيّة وفضيلة وإنما ذلك ضعق بنية وضيق رويّة ورقة وخور،أستُنطق، فلنسمع مايقول:

لو رأيتم النواظر الدعج من فوقها الحواجب الزج من تحتها المباسم الفلج والشفاه السمرتفتر عن الثنايا الغر لاتخذتوهما اللات والعزّى، وأنشد:

تتبعن مرمى الوحش حتى رميننا   من النبل لا بالطائشات المخاطف

ضعائف يقتلن الرجال بلا دم       فيا عجباً للقاتلات الضعائف،

 - تمهل،تمهل، تلك التي تنحب هي  بثينة، صاحبة جميل بن معمر العذري،

الذي لم يزن قط ولم يشرب الخمرة ولم يقتل ولم يسرق (يا ساسة العراق اسمعوا)

يظن أنه قد نجا ووهبه الله الجنة .

- علام تبكيه وقد شبب بك عشرين سنة،

- أقسم بالله لم يضع يده علي لريبة،ومرض فمات ..

وما نفع النحيب يابثينة،

 - الذنب ذنبي،أنا التي صرمت حبله، وفرح الواشون، فقال:

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي       بثينة أو أبدت لنا جانب البخل

أحلماً فقبل اليوم كان أوانه             وأخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل

إذا ما تناشدنا الذي كان بيننا         جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل

خليلي فيما عشتما هل رأيتما               قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي

وهو الذي أنشد بعد تلاقينا:

أيبكي حمام الأيك من فقد ألفه         وأصبر ما لي عن بثينة من صبر

يقولون مسحور يجن بذكرها           فأقسم ما بي من جنون ولا سحر

وما لاح نجم في السماء معلق    وما أورق الأغصان من ورق السدر

لقد شغفت نفسي بثين بذكركم        كما شغف المجنون يا بثن  بالخمر

- كفى بربك كفى لا طاقة لي بذلك

قالت الشيطانة: والله أنت لعاشق، لنكمل جولتنا، تلك التي تجلس قبالة بثينة وقد خمشت وجهها وشقت جيبها هي ليلى الأخيلية .

 - أتوبة بن الحمير شيطانها؟

 - بلى، فلنقترب ونسمع ما تقول،

فأقسمت أبكي بعد توبة هالكاً    وأحفل ما نالت صروف المقادر

 وقالت في توبة ترثيه:

أيا عين بكي توبة بن حمير      بسح كفيض الجدول المتفجر

كأن فتى الفتيان توبة لم يسر     بنجد ولم يطلع مع المتغوّر

فيا توب للهيجا ويا توب للندى   ويا توب للمستنبح المتنوّر

 وهي التي زارت قبره:

 ولو أن ليلى الأخيلية سلمت     عليّ وفوقي جندل وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا     إليها صدى من جانب القبر صائح

وأغبط من ليلى بما لا أناله       بلى، كل ما قرّت به العين صالح .

- وما الذي دعاها للجلوس قدّام بثينة؟

- يقال أن توبة رحل إلى الشام فمر ببني عذرة، فرأته بثينة ، فجعلت تنظر إليه، فشق ذلك على جميل،فقال له جميل هل لك في الصراع، فبرزت بثينة ملحفة مورّسة،فاتزر بها، وتصارعا فصرع جميل توبةَ، فقال توبة يا هذا إنك إنما تفعل بريح تلك الجالسة وأشار إلى بثينة، ولكن إهبط بنا إلى الوادي، فهبطا فصرع توبة جميلاً .

- لله، هكذا يكون العشق وإلا فلا.

- ألم أقل لك إنك عاشق بالفطرة، ويسرّني التعرف عليك ولكن بشرط

- وما هو؟

- أن تخفي ذلك عن إثنين، ماويتك وصديقك المسمى جمعة عبد الله، أو فلتخبره لقد ظلمتنا فلم نقتل ولم نزن ولم نسرق شعوبنا كساستكم  وجل ما سرقناه قلوب رجال شاركونا متعة ولذّة .       

   

سردار محمد سعيد

نقيب العشاق بين ذرى قنديل ومرابع وادي عبقرا

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم