صحيفة المثقف

تأملات نقدية في سوبارتو لحليم يوسف

reebar habonارتباط الكاتب بروح الوجودية المتشبثة بروح المسؤولية الاجتماعية جعل كل شيء يتعلق بالوصف والجنون في تجسيد الشخوص مرتبطاً بقضية أولية وهي الخلاص من الجور والقيود المتمخضة عنها.، حيث أقحم الكاتب الملهاة في عرض المأساة، على نحو يبعث على الدهشة والتساؤل، كونهما مثار تجلي في حياتنا، وواقع شعوبنا في ظل أنظمتها الاستبدادية الشمولية، وهي استنباط مغازي من وحي تجارب المجتمعات، ومعاناتها، وعلى نحو يحسن من رؤى الأفراد في مدى استيعابهم لحقيقة الواقع وضرورة تغييره، ولاشك أن الملهاة والمأساة هما وجها الحياة، على اختلاف بيئات المرء ونمط قناعات محيطه، وفي الرواية تتجسد الهيئة العامة للحياة بما تفصح عنه اللغة في مقدرتها على التوثيق والرصد، وإحداث تقابلات ورؤى في ميدان التوصيف والجلد الذاتي الكامن في دواخل الشخصيات الهاربة من شبح موتها اليومي والمتعدد الأوجه، ففي ذلك تتجلى مكامن القوة الوجدانية في التأثير عبر اللغة، فلا تذهب الرواية مذهب المتعة المجانية، طالما مكبلة بمتانة بخيوط الأسى والخيبة، وعلى نحو متزامن ومواكب لحالة المتلقي التأملية، حيث تهتم الكوميديا في معالجة الظواهر النفسية للأشخاص، وتصويرهم بأسلوب يثير في النفس لواعج الحنين إلى المكان والزمان عند إثارة الوصف، وبهذا تنتصر الرواية الواقعية الغائصة في روح المجتمع، لترسل له رسائل تتضمن شكل الحياة بساطتها ومرارتها والأمل الكامن فيها، وهكذا تعمد اللغة بأساليبها الحيوية الخاصة في إتمام ذلك الحوار المهيج ما بين لغة الكاتب وخيال المتلقي، حيث تساعد الكوميديا إلى جانب التراجيديا في فهم سوبارتو، وما يرادفها من أماكن شبيهة بها في كل مكان من أنحاء الوجود، حيث تغدو الرواية للإنسان في كل زمان ومكان، ووسيلة تقويم وتغيير لكل الرواسب التي ماتزال تسكن داخل الإنسان نتيجة حوادث الزمن، حيث تعمد الرواية إلى تبيان الغاية والوسيلة المراد تحقيق الهدف من خلالها، وهو إشعار الإنسان بعظم ما يلاقيه من أهوال مضاعفة إبان مسيرته لتحقيق عالم أفضل، حيث تعطي الكوميديا التعبيرية دوراً للاشعور في أن يبرز ويتحدث من خلال سمات الملامح والحوار عن ما يتم الترويج له من قبل الكاتب، وما يبثه من إشعار بحقيقة الواقع التي تنعدم فيه خواص الرأفة والنزوع للمثالية، بينما تقوم الرواية بتحوير خيال الكاتب وذاتيته، نحو محاولات متعددة الغرض منها تجسيد الواقع فنياً وتحقيق مطلب التأثير بالآخرين ونقل حصيلة تجاربهم بطرائق تهب المتعة والفائدة، وكذلك لتنقل الأفكار التي تحدث في داخل المرء وذهنه الرغبة في عقد السجالات الهامة والمثيرة والتي تشكل الغاية القصوى من أي عمل روائي على وجه الخصوص، حيث يسود اللا استقرار في ملامح الشخوص وأماكن تواجدهم، السارد يتحدث عن سحنات الناس، أفكارهم، تعلقهم بالخرافات، وتبعيتهم للمشايخ، مما نجد سطوة العجوز فلك النفسية على سليمان وعلى كل أفراد القرية لنرَ هنا ص40: " لمع نجم العجوز فلك تلك الفترة، ببثها لأخبار إضافية لا تعرفها الإذاعات أيضًاً، كانت تنال نصيبها من هدايا الأخبار القادمة من الجهات البعيدة. بدأت تهتم بهندامها. ما أذهل سليمان أنها لا تسمع الراديو ومع ذلك تعرف كل شيء. ولأنه رآها مشرقة الوجه ذلك اليوم فقد تجرأ وسألها عن كوخها المغلق: 

-اسمع يا سلو... إياك أن تقترب من الكوخ. لا يوجد فيه غير الأفاعي والعقارب. حذِّر أصدقاءك الملاعين أيضًاً من التفكير بالاقتراب من باب الكوخ.  "

نجد نبرة القسوة إلى جانب إدخال الرهبة متجلية في قولها، فالهالة التي تحيط بالكوخ تحاول بث حقيقة التفكير لدى المجتمع، بالإضافة إلى صعوبة التحرر من الفكر الغيبي، الملازم لطبيعة الحياة وتفكير ونمط قناعات أهلها، حيث تتجلى السادية المفرطة التي تستخدمها العجوز بحنكة على مجتمع مازوشي اعتاد التألم إلى درجة الكبت والحرمان من حقه في الصراخ، فمتلازمة القسوة والكوميديا تمضيان على نسق واحد أحياناً لتنقلان لنا الروح النفسية للشخوص وما يحاول الكاتب الإشارة إليه هو أن طبيعة الفكر الجامد يتحلى بنمط من الخمول الذهني والإذعان لسلطة الأقوى المتسلح بالتأثير الديني والخرافي، حيث أننا نستخلص من خلال هذه المتلازمة التي تجمع بين قسوة الخطاب السلطوي وكوميديا القهر الذي يمتهنه المجتمع بسذاجة وطبيعية لتعطيان لنا قدراً من الأفكار الفلسفية المفيدة عن طبيعة هذه المعاناة المقدرة على أن يحملها أفراد البيئة منذ طفولتهم على نحو القدر الذي جعل من سيزيف حاملاً للصخرة، فيما لا شك فيه أن الأسطورة متجلية في سوبارتو، بلقيس، سليمان، شخصيتان يعاد بثهما وصنعهما على هيئة محلية وهما مشتقتان من قصص دينية، ففي ذروة الفكاهة لابد من معرفة عمق المأساة المتجلية في خباياها، وهذا ما أراد الكاتب حليم يوسف من تبيانه وجلاءه، حيث الاغتصاب الذي عبر عنه  بطريقة تدعو للضحك والغضب في آن، إنها ثنائيات مضادة، لكنها تثير التساؤل، فالتعبير عن مراحل البؤس والمشقة التي يلاقيها الإنسان منذ طفولته في ظل منظومة شاملة من القمع تمارسها المدرسة إلى جانب العائلة بالتواطؤ مع رجال الدين، جعل المجتمعات تنتقل من موت إلى موت، في دوامة من العزلة والاغتراب الكلي، هو انتقال سلس وسريع من قضية لقضية ومن ألم إلى ألم، سلسلة من شخوص يجمعها البؤس و القناعة الجافة الصامتة، حيث ثمة ومضات درامية توحي بالشغف وكذلك تحاول معالجة ذلك في الفارق الطبقي وتلك الشعارات التي يحاول سليمان هنا التأقلم سريعاً في فهمها لنتأمل هنا ص43:  

         .-سأنهي قراءة "رأس المال" اليوم 

يا ألطاف اﷲ... ماأجمل المبادئ الموحَّدة، عندما تعتنقها عائلة كاملة ومتجانسة لا تسودها صراعات وانقسامات فظيعة كعائلتنا المشتتة، المتآكلة تماماً.

ما أجمل الآنسة المبدئية

ما أجمل الأستاذ المبدئي 

ما أجمل العالم بلا جوع 

ما أجمل حزب الآنسة وهو يتوق إلى تحويل أناس الكرة الأرضية كلهم إلى  عائلة سعيدة ومُرفَّهَة. حيث لا فقر ولا صراع، لا ظالم ولا مظلوم. تردَّدت أمامي كلمات أخرى مثل "البروليتاريا" شرح لي الملاَّ معناها ضاحكاً: البرو هو ابن جارك محمد سيتي، أما "ليتاريا" فقصدهم أن برو الآن في إيتاليا   

:أما تفسير الملاَّ  لمعنى "الطبقة العاملة" فحيَّرني

         ابحث عنها في المجهر وستراها- 

:أضاف الملاَّ  بحماس

         بحثت كثيراً عن هذه المخلوقة التي  تسمى "الطبقة العاملة" ولازلت أحلم بالالتقاء بها لأشرب معها الكازوز 

يغرق لوحده في قهقهة بلهاء

دعوت اﷲ أن أكبر بسرعة لأتمكَّن من فك طلاسم وألغاز كتاب "رأس المال" فأناقشه مع الآنسة حتى تتأكد من أن تعبها لم يذهب سُدَى وأنني في شوق إلى معرفة كل شيء أكثر من بسكويتو نفسه، فما أن ألتقط من فمه عناوين الكتب حتى ألتهمها بنهم 

 "قرأت كثيراً ولم أفهم إلا القليل

إذ يخاطب الكاتب حليم يوسف تلك النفس الحالمة والمتقصية بما بداخلها، ليبرهن على إيقاع الحياة السارية في شخصية سليمان الطفل، الذي يحاول قدماً تحقيق ما عجز عنه الملاّ المحاط بغلالة سميكة من الخرافة من جراء التعصب والتشبث بحرفية النص دون فهم ما يعتريه من رموز وأفكار، ويخلص للتفاؤل في سلوكه مذهب التقصي والتنقيب اللاغي بطبيعة الحال للإتكال والدعابة الهازئة، ولعل الكاتب أراد من خلال هذا المحور أن يذهب بعيداً للنفاد بروية داخل الشخصية للتلمس نضجها المبكر، وسرعة انقيادها للمستقبل رغم تلك  العوائق الجمة التي تقف في طريق أفرادها، المحاصرين بأغلال الحياة    وطبيعة المجتمع وكذلك سلوك المؤسسة التربوية الماضية لإقصاء الطفولة عن حقها في الحياة الأفضل والمعرفة الموضوعية، في إشارة أن كل مظاهر البؤس والفاقة المتجسدة في رواية سوبارتو، هي بدورها النسيج العام للسلوك الاجتماعي الذي جبُل عليه عامة الناس في هذه البيئة المحاصرة بأغلال الذكورة وهيمنة السلطة المركزية على مفاصل المجتمع عبر مؤسساتها، وأحزابها الرافعة الشعارات البراقة، من خلال توظيفها لجوع الناس ووعودها الخلبية في إسعادهم وضمان رفاهيتهم، حيث أن المجتمع في سوبارتو عاكس حتماً للوجود برمته بما يسوده من صراعات وتناقضات، الوجود الجزئي في بعض علاته، نعم تبقى الرواية الواقعية عاكسة بسماتها وإيحاءاتها كل ما ينتجه المجتمع البشري من تصورات وسلوكيات، وأفكار، وكذلك تنتج لنا خليطاً من الأفكار التي من خلالها يمكن للنقد الأدبي أن يشتغل في حقله ليقارب ويقارن ويسعى لعقد أوجه ذكية من خلال إبداء الآراء على نحو سجال خارق في ميادين العلوم الإنسانية، فالصراع ما بين قوى الجهالة وقوى التنوير واضح المعالم في أتون ذلك التباين الحاصل ما بين الملاً وسليمان الطفل، الذي يود أن يعلم وينقّب أكثر دون تهاون أو تخاذل أو تضييع وقت، حيث يشير الكاتب إلى تلك الأحلام الوادعة والتي تستشرف المستقبل وتحاول تبصر الحقيقة أكثر بعيداً عن تكهنات وسخف الشيوخ، ودجلهم، وتلاعبهم بالكلمات والألفاظ دونما تفكر أو تأمل لمحتواها، حيث يمهد الحلم للمشروع البديل عن سلوك الارتهان واللهو العبثي واستسخاف العقل وروح الموضوعية الهادفة، ولاشيء يلغي الوداعة وشفافية الحلم بالرغم من محاولات الوأد المتكررة والتي تخوضها منظومة السلطة القمعية والأبوية الاجتماعية في جعل المجتمع يلفظ أنفاسه ويتهالك باستمرار، إزاء حالة الاضطراب التي يشهدها الأفراد، المتشردون منذ طفولتهم، إن في الشارع أو في المدرسة، أو على صعيد فساد السلطة السياسية والتنظيمية بصورة خاصة، حيث أن كل شيء محكوم بالطغيان، حيث الإله الطاغية والسلطة القامعة، والأب الذكوري، تشاؤم هادف ويتجه نحو توصيف فاجعة الحدث، ومخلفاته التدميرية، ولا يقف الكاتب حول التجسيد، وإنما دس المواقف والأفكار بطرائق إيحائية تتناول نقد الأمراض المتعلقة في علاقة السلطة بالجماهير، وكذلك ليكشف عن التخلف السياسي العام على مستوى التنظيم والوعي الاجتماعي، ولاشك أن أفكار الرواية الواقعية تتجه إلى الفلسفة الاجتماعية وعبر طرائق حديثها وحواراتها المتعددة من خلال تقابلات الشخوص مع المكان والزمان أي الحقبة التاريخية والتي يشار لها من خلال الرموز  والإيحاءات هنا وهناك، لتعكس بطبيعة الحال التجارب الإنسانية الوليدة عن الحركة والتأمل والمعاناة في أتون الحياة التي تغص بالغرابة والتناقض، ولاسيما أن الرواية لا تغدو حديث المتلقي مالم تكن مشبعة بالمأساة ومكتظة بتصوير الأحزان والنهايات المؤسفة، وسوبارتو بطبيعتها كتلة درامية تتحدث عن الألم وطرائق مواجهتها ومرور أبطالها بظروف كئيبة تثير الشفقة ، فبحسب  أرسطو  فإن "هيكل العمل التراجيدي لا ينبغي أن يكون بسيطاً بل معقداً وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة"وعلى ذلك يتأسس الفضاء المكاني والزماني للرواية، من بيان حقيقة التفاعل اليقظ ما بين العناصر الوصفية والأبعاد والمرامي الحية من إقامتها والمتلخصة بالأفكار المراد طرحها وتجسيدها،فالحب بين سليمان وبلقيس يمثل التماسك الحميم فيما بينهما عبر رابطة المعاناة، ودفع الطاقة لتقديم الأفضل، رغم العوائق والمصاعب، وإبراز للحب الطبيعي المغلف بعواطف مثالية نقية تكشف عن الروابط الأزلية ما بين المرأة والرجل فبتصاعد وتيرة الألم تظهر مناجاة الرجل للمرأة في أشدها  لتمثل جمال النص، وكذلك متعة الإيغال للمضامين الجوهرية والإفادة منها حيث نتأمل هنا ص54: "كان قلبي مرمياً إلى جوار حائط بيتكم حينها، عندما سقطت على الأرض، سقط هو من صدري راكضاً إليك، وضع فمه على أذنك اليسرى هامساً بكلمة قلتها لك قبل قليل، يومها اجتمعت حولك قطط الجيران ونساء الحارة وقلبي." حيث نرى هنا تلك الهالة اللغوية الشعرية محاولة أن تلامس الشغف الوجداني لعاطفة المتلقي، لتحاكي فيه إرادة القلب في التحرر من قيود العقل وسطوة المنطق في استعباده لعالم الوجدان الذي يأنس به المرء لسلوك المواجهة ضد ضراوة اليأس وخشونة الحياة،فالحب هو الموضوع الأكمل للرواية المضمخة بالويلات والمتاعب والمواقف المتعددة، وهي أيضاً تعريف لجودة الفكر في حضوره ليتماهى مع تلك العاطفة وليهيأ لها ركناً رحباً في تلابيب ذلك الغمار الهائج في حيوية الشباب وتقلباتها، ففيه لابد من الحديث عن لون الحياة، طبيعة البيئة، أنماط تفكيرها، عوائدها، وكذلك حجم العثرات التي تواجه الأبناء في مسيرتهم، وذلك يؤثر بل يلعب دوراً في تحديد مصائرهم، فالحب وحده لا   يكفي بل للواقع جلجلته وعصبيته، فها هي الفتاة تفاجأ سليمان بسؤال طائش ص:55

لدي سؤال وحيد -

.تفضلي -

هل أنت من حزب أبي ؟-

 لا وما دخل الأحزاب بالحب؟ -

.ومضت

 تماماً يقف القاسي في تناوله كمادة للحديث أمام رهبة المشاعر ولوعتها، كأن المرء على قدر مع التفاهة في كل مكان، حيث يصعب على الملتاع وجدانياً تصديق نفسه قائماً في أمكنة الخشونة حيث تسقط جميع الألوان، وتتداعى صروح الحلم أمام قدر من السذاجة والأنانية البارزة الخادشة لكل مظاهر التواصل المنمة على قدر من الفكر والتوازن، وهنا يغص المشهد بالخيبة الباعثة على الكآبة وردة الفعل المتعبة، إذ يواصل سليمان البحث عن الحب في خياله غير آبه لما يلاقيه من عثرات ونكبات، تحاول أن تنال من هرم الحب ورحلة البحث عن الجوهر في القيم والمبادئ، دون الشعارات وبذخ الأوسمة، حيث أن معالجة السلوكيات هو في سبيل استنباط أفكار ورؤى تساعد على فهم الإنسان وعلله، أمام الوجود والآخر، فالإثارة الحسية مابين رشو وخالته وما بين هوفو والبيليا، لا تحتملان المقاربة والمقارنة، عدا من أنهما وليدي بيئة مضطربة، تسودها حياة صاخبة، مبنية على الكبت والخوف من الحب والمطالبة به، فالشباب مكبل بالجهل والتقاليد والعداوات المترتبة عن عهود الغشاوة والاغتراب، فلاشيء وقف بين الغريزة والمطالبة بممارستها، حيث باتت الفضيلة مجرد ظاهرة صوتية، وساد الحب والتدافع الغريزي الذي أثبت مهابة الرغبة أمام هاجس الفضيلة والعقاب، لنتأمل هنا ص65: "أوقفتني الأجساد العارية المثيرة وهي تدخل بعضها وتخرج بإثارة صعدت الدماء إلى وجهينا، أنا وخالتي، ارتفع لهاث الشاشة وأنين الوسائد تحتنا .سالت اللذة على جدران الغرفة، تسللت إلى أثوابنا...نزعت عن خالتي قميصها،نزعت عني قميصي.امتدت يدها إلى فتحة السروال.تهالكت بجسدها الناري على جسدي.تفعل بي ما تفعله نساء الفيديو برجالهن العراة وبالكلاب وبحمار الوحش الذي ربطته أربع نساء عاريات، ثم بدأن يوقظن ظله الطويل.تبادلن الأدوار في إدخاله، وخالتي تزداد شراسة، تدخلني في جسدها وتخرجني كسكين.وهي تعض رجلي وأصابعي ورقبتي، تغرز أظافرها في ظهري العاري، وأنا بين يديها المشويتين أصعد وأهبط ذاهلاً عن نقاط دمها المبعثرة على الشرشف وهي غافلة عن دمها والعالم، متنقلة ببصرها بين الفيديو وبين جسدي العاري المباح."لعل الغاية في تجسيد العلاقة هنا هو التأكيد على وجود الغريزة الأسبق في الظهور من هالة المعايير المتعلقة بالفضيلة والخطيئة وما بينهما فرغم ذلك الطوق الأخلاقي المفروض على هذا المجتمع المضطرب بتقاليده وسلوكياته العنيفة، إلا أن ذلك لا يعتبر ذريعة لانسداد الجنس كمطلب يفرض وجوده في تلك الحياة ولو بأي طريقة متاحة، رغم التشدد والقمع الحاصل على كل صعيد، حيث لا يعني الإقصاء اللفظي للجنس، إنعداماً له ولحقيقته التي تمارس ماوراء الكواليس، حيث أن العلائق التي قد تعتبر محرمة في العرف الديني والاجتماعي، وممقوتة الممارسة سلوكياً، تعد واقعاً وحقيقة، وهو ما أشار إليه الكاتب بخصوص علاقة اللواطة التي يذكرها سليمان في عرضه لبؤس طفولته، وكذلك في جنس المحارم المتجسد في علاقة رشو بخالته، وكذلك تلك العلاقة الجنسية المختلة بين هوفو والبيليا، حيث نتأمل الآن هذا المقطتف الذي يبين غرابة تلك العلاقة ص66:"تزوج هوفو من (البيليا)، والبيليا هذه ليست امرأة بالطبع. قطعة حديدية دائرية مثقوبة. ما فعلته هذا لا يخطر على بال الجن. أدخل عضوه في الفتحة الدائرية الحديدية الصغيرة فتورم إثر هذا الاحتكاك. ظل الورم يتضخم وثقب البيليا يضيق حتى بلغ به الألم حد الصراخ، فالتمَّ عليه إخوته مستغربين، أسعفوه، رفض الطبيب معالجته بحجة أنه طبيب بشري، أضاف:-ما فعلته هذا ليس فعلاً بشرياً..فك البيليا عن عضوه المتورم من اختصاص الحداد." فبعيداً عن سكاكين الفقهاء ومدعي الوعظ الأخلاقي، يبقى جديراً بالذكر أن الكاتب حليم يوسف أراد من عرض هذه الحوادث مقاصد تتجلى في تلك الغرابة المرافقة للفوضى والقسوة في تلك الحياة السائدة، والتي تغص بالحوادث والسلوكيات الاعتباطية، المتمخضة عن سلوك سادي مازوشي يبديه المجتمع تجاه أفراده، كما تفعل المنظومة الحاكمة في تواطؤها مع رجال الدين في التآمر على الحياة والأخلاق معاً، حيث تبدو سوبارتو للرائي على أنه تسلسل من الرموز تتخللها فجوات تتغطى بالكوميديا تارة وأخرى بالتراجيديا، إلا أنها نسق رمزي يأخذ صدقيته من الأحداث التي تمر في حياتنا، استناداً للتاريخ، وحقب المآسي، وكذلك فإن هذا الوضوح الصريح في عرض الحادث هو ما يجعل الرواية وسيلة إمتاع فنية تحاكي مستويات العقل والوجدان على نحو متكامل، وفي تباين مستوى الوعي ما بين الشخوص كلٌّ حسب دوره التمثيلي،  فإننا نجد اضطراباً نفسياً في بنية تلك الشخصيات وكذلك في ذاكرتها المبنية على تشرب الأحلام والأوهام وكذلك الصراعات الاجتماعية ناهيك عن الفساد السياسي والقمع الممنهج الممارس أبداً،حيث يتم إضفاء مسحة الدعابة إلى جانب الألم لإثبات تلازمهما، وكذلك للتعريف بطبيعة الحياة، والحوادث التي تعترض الأفراد وتتحكم بمسار رغباتهم وطموحاتهم، وليست الغرابة والمبالغة مذهباً فنياً بحتاً، إنما توصيف للحدث وتشعباته، حيث تّقدَّم التراجيديا بوصفها تجسيداً لطابع الصراع، ما بين . القيم الطبيعية والتشويه الممارس.

 

ريبر هبون

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم