صحيفة المثقف

الشحنات (3)

haidar alhadrawiأ-3- غير موجهة: هناك الكثير من الممارسات التي تقوم بها الشعوب والاقوام وأصحاب الاديان بطريقة غير موجهة واقعها يولد شحنات الا ان لا أحد يتحكم بها كما هو الحال لدى:

 أ-3-1- الشيعة : لديهم ممارسات جبارة في توليد الطاقة (الشحنات)، الا انها تتولد بدون علم المشتركين، وبدون تحكم احدا من الحاضرين، تقام وتختم بشكل عفوي، وهي على ستة انواع :

أ-3-1-1- مجالس اللطم: وهي لا تختلف كثيرا عن حلقات الذكر لدى الصوفية، بل تلتقي معها بكثير من النقاط، حيث يشترط في مجلس اللطم :

أ-3-1-1-1- القطب: وعليه مدار العمل، ومن أجله تعقد المجالس، لذا سميت باسمه، المجالس الحسينية. 

أ-3-1-1-2- المداح: او المنشد او كما يسمى الرادود، وهو يقوم بدور المداح في الطرق الصوفية، يقوم بإنشاد القصائد الحسينية منمقا إياها بصوته الرخيم والحان شادية تهفو نحوها قلوب المشتركين والمستمعين بشغف بالغ .

أ-3-1-1-3- المشتركون: هم اكثر عددا من مشتركي الطرق الصوفية في الغالب، يؤدون حركات ضرب الصدر بطريقة موحدة وثابتة مع انحناءات في الجسد .

أ-3-1-1-4- الطبول: لا تستعمل في مجالس اللطم، بل يكتفى بالصوت الصادر من لطمات الصدور، وإن استعملت الطبول فإنها تكون قد شتت الحواس ابعدتها عن الانسجام، لذا يكتفى بصوت ضرب الصدور، فهو مغنٍ وكافٍ .

أ-3-1-1-5- الشادود: يطلق عليه هذا العنوان لأنه يتوسط المشتركين او بعضا منهم يهيج فيهم الحماسة ويحافظ على توحيد الحركة، وهو يقوم بنفس دور الشيخ في حلقات الذكر الصوفية، الا انه في مجلس اللطم قد يكون هناك اكثر من شادود واحد.

أ-3-1-1-6- الختام: هناك جهد فيزيائي نشط الدورة الدموية، وزوّد الدماغ بمزيد من الاوكسجين، وقلب واجد تحت تأثير القصائد ولحن وصوت المداح (الرادود) واستنفار الحواس، كل ذاك كافٍ لتوليد الطاقة وملئها للمكان وانبعاثها منه، فلابد من ختام، كي تستقر الطاقة، ولابد من التفريغ، بطريقة عفوية جدا، يتوقف الرادود ويتوقف المشتركون ايضا، كل يبقى في مكانه، الامر الضروري لعدم تشتت الشحنات بلا طائل، فيقوم الرادود بتلاوة دعاء ما، ومن ثم يهدي ثواب سورة الفاتحة الى شرائح معينة، هذه الفترة القصيرة كافية لحفظ الشحنات وعدم تبددها،كل ذاك بدون وعي او أدراك أيا ممن في المجلس .

أ-3-1-2- الزنجيل: فعالية ومرسوم حسيني يقوم به مجموعة من الاشخاص، متطلباته لا تختلف كثيرا عن متطلبات حلقات الذكر الصوفية ولا عن مجالس اللطم، غير انه متحرك، متجول، غير ثابت في مكان، له نقطة بداية، حيث تستقطب الشحنات، وله نقطة نهاية، حيث تفرغ الشحنات بشكل ناجع، لكن عفوي، أبرز متطلباته:

أ-3-1-2-1- المنشد (الرادود): صاحب الصوت الشجي والمثير للحزن.

أ-3-1-2-2- القصيدة: او الترنيمة ولحنها التي تداعب العواطف وتهيج المشاعر، ما يعلق بالقلب ويبدأ بالشحن العاطفي.

أ-3-1-2-3- المشتركون: صفين من الناس، في مقدمة الصفين رايات واعلام تبدو كبوابة للزنجيل، وحركتين رياضيتين نصف دائرية، احداهن باتجاه عقارب الساعة والاخرى عكس عقارب الساعة، تؤدى بقلوب واجدة، وحواس غمرتها العاطفة، ما يعني بذل الجهد ودورة دموية نشطة، الامر الذي يرسل المزيد من الاوكسجين للدماغ كي يتفاعل ويعمل مع القلب تحت قرع الطبول.

أ-3-1-2-4- الطبول: تقرع لتنبيه الحواس، وتعمل على التوفيق والانسجام بين القلب والدماغ بتنبيهها من السهو او الغفلة، فكلما سها او غفل احد من المشتركين، فأن صوت الطبول تنبهه من غفلته وتعيده الى لب المجموعة وروحية العمل الجماعي.

أ-3-1-2-5- المسير: بخطوط مستقيمة يوازي مسير القطب المستقيم، لذا لم نذكر القطب في البداية، ما يعني هناك اكثر من شحن وتفريغ للشحنات في الزنجيل، على عكس حلقات الذكر الصوفية ومجالس اللطم التي فيها شحن وتفريغ واحد فقط، ففي كل حركة نصف دائرية يكون فيها شحن، ثم انتقال خطوة ثم حركة نصف دائرية اخرى عكس الاولى في الاتجاه يكون فيها التفريغ، وهكذا.

أ-3-1-2-6- لاعبي الوسط: عادة يكون قارعي الطبول في الوسط، لكن هناك اخرون يدورون في الوسط، دورهم كقائد حلقة الذكر الصوفية (الشيخ) او كالشادود في مجالس اللطم، مهمتهم توحيد الحركة لتأتي متناغمة مع صوت المنشد ولحظة قرع الطبول .

أ-3-1-3- مجالس العزاء الحسيني : المجالس الحسينية من مصادر توليد الشحنات الساكنة الا انها قد تكون الاقوى لو استجمعت للشروط، لأنها تداعب الدماغ، العقل الانساني، القلب السليم، الفطرة السليمة من الشوائب، حيث ان متطلباتها:

أ-3-1-3-1- القارئ او الشيخ او الخطيب: ومن دونه لا يعقد المجلس او لا يكتمل انعقاده .

أ-3-1-3-2- يستهل الخطيب كلامه بآية قرآنية، وقد قلنا فيما تقدم ان الكلام الرباني يجد له محلا في الفطرة السليمة، وهو أسرع الاشياء نفوذا فيها، على العكس من الفطرة الملوثة التي تنفر منه .

أ-3-1-3-3- محور الخطبة: يستمر الخطيب بشرح وتفسير الآية القرآنية التي أختارها مستهلا لخطبته، ومن ثم ربطها بالموضوع الرئيسي الذي عقد المجلس من أجله، وهذا ما يستهدف الدماغ ودفعه الى التفكير بعمق .

أ-3-1-3-4- المستمعون: لا يتطلب الامر منهم أي حركة، بل يكتفى منهم بالتفكير العقلي والحضور القلبي، ما يكفي لتوليد الشحنات بمجرد حصول التماس بين عملي الدماغ والقلب، يتعاطف القلب مع الحدث او مع ما يتكلم به الخطيب، ويضخ المزيد من الدم (الاوكسجين) الى الدماغ، الذي يستلم ايضا ما تلتقطه الحواس من صوت الخطيب وغيره، وما يستشعره الوجدان من التأثير الحاصل في الجالسين حوله، فيعمل على توحيد المدارك والجهد النفسي والجسدي لتوليد الشحنات، لكن الساكنة منها فقط، والتي هي بدورها اشد أثرا واكثر خطرا من الشحنات التي تكلمنا عنها اعلاه، لذا في الختام تطلب الامر من الخطيب ان يختم الجلسة بشكل لا يؤثر سلبا على الجالسين لكن دون انتباهه لذلك .

أ-3-1-3-5- الختام: يختتم المجلس الحسيني بطريقة ثلاثية، أي بثلاث طرق، كي تستجمع الشحنات ولا تفرغ بشكل عشوائي قد يوقع الضرر بأحد الموجودين، بل على العكس من ذلك يكون تفريغها لصالح الحاضرين، فكانت كما يلي:

أ-3-1-3-5- 1- النعي: بعد ان يربط الخطيب كلامه بحادثة ما من حوادث معركة الطف، يقوم بتلاوة بعض الابيات الشعرية بطريقة النعي، ما يشعر الحاضرين باقتراب نهاية المجلس، في هذه الحالة تبدأ الشحنات بالتفريغ بعد انفصال الاتحاد بين الدماغ والقلب، حيث ان دور النعي قلبي بحت.

أ-3-1-3-5- 2- الدعاء: بعد النعي يتوجه الخطيب بالدعاء، فيقوم بتلاوة دعاء ما، غالبا ما يكون قصيرا، في هذه الحالة، تكون الشحنات قد تم تفريغها بالفعل بطريقة غير مباشرة، الا انها حققت اهدافها بنجاح، حيث ان الدعاء يتناغم وينسجم مع الفطرة السليمة .

أ-3-1-3-5- سورة الفاتحة الشريفة: بعد الدعاء مباشرة تهدى سورة الفاتحة الشريفة لأموات المؤمنين والمؤمنات مسبوقة بالصلاة على النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم، في هذه الحالة، تكون الشحنات قد تم تفريغها بالكامل، لكن الايجابي منها يعود على الحاضرين، فمن منهم كان منسجما حاضر القلب ومتأثرا شعر بالراحة النفسية، اما لو كان مريضا فلا عجب ان يشفى على الفور، ولا غرابة في استجابة الدعاء عندها، وان كان من بين الحضور شخص ذو فطرة غير سليمة، فلا غرابة ولا عجب ان أصيب بوعكة صحية، سببها الشحنات التي لم تتوافق مع فطرته.  

أ-3-1-4- المائدة الحسينية: تكلمنا مسبقا عن أهمية اعداد الطعام ودعوة بعض الافراد اليه، وأوجزنا الكلام في توصيات القرآن حول الموضوع، ألا ان المائدة الحسينية تتخذ اشكالا اخرى، مغايرة لما يجري في الولائم والطرق الصوفية، حيث :

أ-3-1-4-1- تقام المائدة سنويا في نفس موعد السنوات السابقة، وتسمى "العادة"، يقوم اصحابها بالمحافظة عليها واداءها بالصورة الافضل، وهذا مما يضمن عملية استمرار الجهد الفيزيائي والتفكير العقلي، الامر الذي يجعلها محور الشحنات.

أ-3-1-4- 2- من حيث الدعوة تتخذ شكلين اساسيين:

أ-3-1-4- 2- أ- ان تقام ويدعى الناس اليها، ولابد ان تكون الدعوة عامة، للغني والفقير، للصحيح والمعتل، وهي على هذا النحو لا تختلف عن الولائم المذكورة آنفا.

 أ-3-1-4- 2- ب – جل ما يميز المائدة الحسينية، ان الطعام لا ينتظر المدعوين اليه، بل يذهب اليهم، حيث يطبخ في مكان ما ثم ينقل ليوزع في مكان اخر، وهذه الممارسة هي الاكثر والاضخم من سابقتها .

ان الجهود المبذولة في اعداد المائدة وتفكير القائمين عليها من جانب، ومن جانب اخر، قلوب والباب المقبلين المتهافتين عليها اثناء التوزيع تتحد مع بعضها تحت قرع العاطفة والوجدان والتعاطف المشترك بين القائم والمستفيد، كفيل بتوليد شحنات ايجابية نافعة للجميع، فلا غرابة ولا عجب ان شفي مريض، ولا غرابة ان ظهرت بعض الاشياء الغريبة التي لا يمكن تفسيرها الا على نحو الاعجاز او الكرامات.   

أ-3-1-5- اللحمة الايمانية: حث الاسلام كثيرا الى تلاحم المؤمنين فيما بينهم وأكد كثيرا على ضرورة ترابطهم، حتى وصفهم الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله وسلم بأنهم "كالبنيان المرصوص"، واقعا لا يختلف الشيعة عن غيرهم من فرق الاسلام في ذلك، لكنه يتجلى لديهم اكثر من غيرهم، حيث لا يدعو داع الا ويدعو للمؤمنين، ولا يقوم بشيء الا ويشرك المؤمنين فيه، حتى انه ليقرأ سورة الفاتحة الشريفة ويهدي ثوابها لأبيه، لكن يشمل المؤمنين معه في الثواب، بعبارة اخرى، ان المؤمن يدعو لنفسه ويشمل المؤمنين بدعائه، وهم بدورهم يدعون له بشموله في ادعيتهم واعمالهم، من غير ان يكون هناك تعارف بينهم، وهذا مما نص عليه القرآن الكريم في آيات كريمة عدة منها {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}إبراهيم41 .

مورد الشحنات، ان قلب ولب الداعي متوجه منشغلا بالدعاء، متأثرا بالعاطفة والوجد القلبي، وحضور العقل، الامر الذي ينسق عمل القلب والدماغ، ما يولد الشحنات الايجابية له، ومن ثم يرسلها للمؤمنين، وفي نفس الوقت، يتلقى الشحنات الايجابية المنبعثة من المؤمنين انفسهم بدعائهم له، وهكذا. 

هذا الترابط فريد من نوعه، تشرك وتشمل المؤمنين بعملك ويشركونك ويشملونك في اعمالهم، لحمة جبارة، منقطعة النضير، فلا ريب ولا غرابة، عندما يلتقي مؤمنان لا يعرف احدهما الاخر، يشعر كلا منهما بمشاعر خاصة نحوه، حتى دون ان يعرفه، فيشعر مثلا كأنه يعرفه منذ زمن بعيد، ويبادله الاخر نفس الشعور، حتى ان كثيرا منهم يتعرف على المؤمنين الاخرين عن طريق نور الايمان، الذي ولدته شحناته والشحنات التي اكتسبها من المؤمنين . 

أ-3-1-6- المسيرة الاربعينية: المسيرة الاضخم والاكثر والاطول زمانا في توليد الشحنات، حيث تشترك فيها كتل بشرية هائلة ضمن قطاعين:

الاول: الحجيج: وهم كل من غادر منزله متوجها الى كربلاء المقدسة سيرا على الاقدام، دون ان يحمل معه زهاب السفر المتعارف، مدركا ان الامر سيستغرق عدة ايام حتى يصل الى الهدف، الذي تتمحور نحوه الشحنات بوجد القلوب والهامها، وفكر العقول وانذهالها، تحت قرع نكران الذات، والجهد الفيزيائي الكبير المبذول  من اعداد مليونيه تتحد في نفس العمل الجماعي وروحيته .

سيكون تولد الشحنات الايجابية كبيرا بشكل غير معهود، فلا غرابة ان استجيبت الدعوات حينها، ولا غرابة ان شفي المرضى في محاورها، ولا غرابة ان حلت البركة في الارض التي داستها اقدام الحجيج.

الثاني: القائمون بخدمة الحجيج، يهرعون من كل حدب وصوب، يقدمون كل ما يحتاجه الحجيج من الشراب والطعام وتوفير المنام والوسائل الاخرى، بجهد فيزيائي كبير، ووجد قلبي وفكر عقلي ومؤاخاة منقطعة النضير، بذا يولدون شحناتهم الايجابية الخاصة، والتي تتحد مع شحنات الحجيج، تدور في مدارها، لتصب في نفس مصبها .

لا ريب، ان كل عمل يخدم مؤمنا وتراعى فيه المؤاخاة الايمانية يكون مباركا من الله جل وعلا، ولك ان تتأمل ذلك .

**** يتبع ان شاء الله

 

حيدر الحدراوي       

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم