صحيفة المثقف

بضاعتنا ردت الينا.. مع الاستشراق ثانية

salam kadomfarajلا بد من الإشادة أولا بالجهد الرائع والاستثنائي لمقدم برنامج موضوعة الاستشراق الأستاذ محمد عزيز وللباحث الأستاذ رائد السوداني في قناة كربلاء الفضائية.. فعلى الرغم من التوجه الديني الإسلامي البحت للقناة وللبرنامج.. استطاع بتناوله لموضوعة الاستشراق من جذب اهتمام عدد لا بأس به من المهتمين بالفكر الإنساني الشامل الذي لا يقتصر على الاطروحة الدينية فقط..

 ولابد من الإشادة أيضا بسماحة الأستاذ رائد والأستاذ محمد بتقبلهما لنقدنا المنشور في الحوار المتمدن والمثقف ومناقشته مناقشة هادئة موضوعية رصينة فاستحقا منا التحية والتقدير/

ولكن كل ذلك لا يمنعنا من متابعة الجدل الموضوعي  معهما.. والاختلاف العلمي الهادف الى توخي افضل الدروب لفهم موضوعة الاستشراق . والإشكال العلمي عند التعامل معها كصناعة امبريالية او كوليدة شرعية للتبشير الديني الاستعماري. مع ديمومة ذلك النسب..

 أولا //في مناقشته لموضوع المستشرق الألماني بروكلمان ذكر الأستاذ رائد السوداني  حقيقة لانختلف فيها معه تأريخيا. لكننا نختلف موضوعيا.. لقد تحدث كارل بروكلمان عن الرسول الكريم كرجل سياسة ورجل دولة ولم يتحدث عنه كرسول كريم ونبي مرسل.. ومن خلال حديثه هذا وردت الكثير من الأفكار النقدية والتي لا تتلائم ونظرتنا للرسول الكريم ..  في كل ذلك نتفق مع الأستاذ رائد تماما.. ولكن بروكلمان لم يكتب من فراغ .. وقد ذكر محمد عزيز مقدم البرنامج ان بروكلمان قد  أخذ عن البخاري والطبري ...  ونقول هنا ان بضاعتنا قد ردت الينا.. أي ان المستشرق لم يقل فينا اكثر مما يقوله البخاري او الطبري وهما من اقطاب الفكر الإسلامي.. ويأتي رد الأستاذ رائد مقبولا ولكنه يحمل في ثناياه إشكالية كبيرة.. يقول الأستاذ رائد ان الطبري والبخاري يمثلان التأريخ السني وان بروكلمان وجد فيهما ما يرضي طموحه في الإساءة للمسلمين. ولو كان موضوعيا لاستقى من المؤرخين الشيعة أيضا .. هذا مالم يحصل.. وهنا تبرز مهمة صعبة وعسيرة امام الأستاذ رائد.. وهي  التعريف بأهم المؤرخين الشيعة لفهم مرحلة فجر الإسلام بشكل صادق..

 في رأينا المتواضع ان الطبري كان موضوعيا الى حد ما في طرح الكثير من وقائع العلويين .. في حديثه عن واقعة الطف مثلا او ثورة المختار الثقفي. وحسب علمي ان الدراما الإيرانية قد استقت من الطبري عند تنفيذ مسلسل المختار /  كذلك هناك كتاب مقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصفهاني وهو يحكي تأريخا إسلاميا مريرا من القتل المبرمج ضد آل الرسول .. ومع ذلك اجد ان مهمة التعريف بالمؤرخين الشيعة المعتبرين والمعروفين بموضوعيتهم باتت ضرورة ملحة للبرنامج .. هو إقتراح متواضع.. لكنه وحده من يستطيع ان يبرر عدم موضوعية بروكلمان كما طرح الأستاذ رائد. وإلا سنظل نقول ان بضاعتنا قد ردت الينا ولا عتب على المستشرق المذكور آنفا..

 ثانيا: حول علاقة ميشيل عفلق بالاستشراق

في رأيي المتواضع اننا لا نستطيع ان نعتبر ميشيل عفلق مفكرا لكي ننسبه للإستشراق او غيره.. بمعنى انه لايصل الى مستوى طه حسين مثلا  او سلامة موسى اوجرجي زيدان.. هو ليس صنيعة الاستشراق.. بل صنيعة مؤسسات  سياسية ومخابراتية.. كل مالديه كتاب يتيم عبارة عن مجموعة من المقالات المتناثرة.. البعث العفلقي في الأصل تأسس لمواجهة قوة سياسية صاعدة كانت تمثل خطرا  كبيراعلى مصالح الغرب الرأسمالي اعني بها الحركة الشيوعية في سوريا ولبنان والعراق.. لقد استطاع خالد بكداش (سكرتيرالحزب  الشيوعي السوري )وخالد العظم من اكتساح الانتخابات النيابية وشكلا تحديا حقيقيا للغرب الرأسمالي.. ولولا الانقلابات المتتالية لما وصل البعثيون الى اية سلطة.. بمعنى ان البعث لم يؤسسه مفكرون.. بل عسكريون مغامرون مدعومون من مخابرات غربية.. امين الحافظ وصلاح جديد وحردان والبكر وعماش عسكريون مغامرون لا يعرفون شيئا عن الاستشراق .... كانت توجههم السفارة المصرية مدعومة بمباركة  انجلو // أميركية..

 ثالثا / ثمة إشكالية لابد من تفكيكها لدعم فكرة الأستاذ رائد التي ترى ان الاستشراق لا ينتج الا التخريب للوعي العربي والإسلامي.. من وجهة نظري ان للإستشراق فضل التعريف بخير ما في تراثنا من قيم  إنسانية وعرفانية .. لنا وللعالم..  ومن خلال المستشرقين بزغت قامات فكرية عربية عالية القيمة.. طه حسين مثلا. وتأثره بإستاذه صموئيل مرجليوث . وبديكارت.. طه حسين عميد الادب العربي.. رفد المكتبة العربية بعشرات الكتب المهمة.. طه حسين ابن الاستشرق بإمتياز.. كيف نغمط هذا الحق عنهم؟؟ وهل من الموضوعية ان نبخس الناس اشياءهم؟؟ حتى وان مر حين من الدهر دعا فيه طه حسين الى المصرية والفرعونية.. ليس المهم ان نختلف او نتفق مع طه حسين . المهم ان نعترف بإعجاز ما وصل اليه. وقوة نفوذه على جيل من الشبيبة العربية.. كذلك الامر بالنسبة لمحمد مهدي البصير خريج السوربون.. وعالم الاجتماع الكبير علي الوردي . وعالم الآثار الكبير والمعجز  طه باقر الذي استطاع وبمعونة المستشرقين ان يفكك رموز اللغات السومرية والبابلية ويترجم اول ملحمة في التأريخ الإنساني . ملحمة كلكامش؟؟ كل هذه أسئلة ترد على البال. ونحن نواجه معضلة قصدية المستشرقين في الإساءة الينا.. في رأيي انهم خدمونا كثيرا..

ولا علاقة رابطة بينهم وبين من سهلوا مهمتهم من سياسيين او عسكريين او محتلين..

 رابعا /في العهد العثماني كان المواطن في افضل حالاته يتعلم أصول القراءة والكتابة ودراسة العلوم الفقهية.. وكانت الامية تشكل نسبة تتجاوز التسعين بالمئة من سكان العراق..

ساطع الحصري ربيب المستشرقين والمتأثر بالإطروحة العلمانية لكمال اتاتورك.. صنع للعراق نظاما تعليميا هائلا.. ادخل العلوم والرياضيات والطبيعيات وتعلم اللغات الأجنبية جنبا الى جنب الى علوم القرآن والتأريخ والجغرافية.. ما زلت اعتبر نفسي مدينا لساطع الحصري لانني  تعلمت كتابة الحروف من خلال القراءة الخلدونية التي كتبها بخط يده.. لا افهم كيف يمكنني ان انكر جهد الحصري لأنه ابن الاستشراق.. لقد كان أيضا المسؤول الأول امام الملك عن التعليم في العراق.. وقد  اختار اكثر من مرة وزراء شيعة للمعارف منهم عبد المهدي المنتفكي وأبو المحاسن,. وغيرهما . ولا استطيع ان افهم تهمة الطائفية التي توجه اليه أحيانا,,..

 هذه الإشكالية نحتاج الى تفكيكها نقديا والعمل على إيجاد أجوبة  مقنعة..

 

سلام كاظم فرج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم