صحيفة المثقف

الطواحين البشرية وحمير الرحى؟

mohamad ghaniكثيرا ما نطرح التساؤل على أنفسنا نحن أهل الشرق لماذا نحن متأخرين في حين أن إخوانا لنا في البشرية على الضفة الأخرى من البحر، سواء ذلك الجانب الغربي منه أو ذاك الحفاف الشمالي  يرغدون في هنيء العيش ويسبغون في رغد الحياة؟

يتشعب الجواب بقدر تنوع أساليب الحياة واختلاف الأسباب وتنوع البواعث وتفاوت العلل وتباين المثالب وتفنن الحوافز.

لكن أبرز الدوافع الظاهرة الخفية في نفس الآن في معادلة لا يفك شيفرتها الا ذووا النهى وأصحاب الحصافة هو تلك القدرة على الفرار من حالة حمار الرحى الذي وصفه الحكيم الصوفي ابن عطاء الله الاسكندري بقوله: لا ترحل من كون إلى كون ، فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه، ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون "وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى"

انها رحلة في النفس تتجاوز بها حجب الفكر وسراب الوهم لتظهر لك حقائق الأشياء، آنذاك تستطيع أن تنتقل من حالة الطواحين البشرية التي تنشغل بالأطنان من الأعمال دون انتاج حتى ولو القليل من المردودية، وهو عين ما وصفت به المبدعة الايرلاندية كارولين دونيلي أمثال هؤلاء بقولها: "البعض لا يستطيع التمييز بين الاتصاف بالانشغال وبين القدرة على الإنتاج. إنهم طواحين بشرية، مستغرقون في العمل، ولكنهم في واقع الأمر لا ينتجون سوى القليل"

فمن خلال رؤية المبتكرة دونيللي فإن ما يميز المبتكر من بني آدم عن درجة البهائمية في بني الانسان هو المردودية والإنتاجية والتي لا تذكيها الا القدرة على الابتكار والابداع، وهذا عين ما اتصفت به الحضارة الشرقية في أوج عطائها الى أن خبى نورها وكادت تنطفأ شعلتها، لكن ضوء الأمل دائما متواجد ذاك ان المتشائم  في نظر تشرشل يرى الصعوبة في كل فرصة ، أما المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة ،و الا لم يكن للكد معنى ولا للسعي فحوى ولا للتطلع مغزى، وكما أبدع الشاعر جميل صادق الزهاوي:

يعيشُ بالأملِ الإِنسانُ فهو إِذا … أضَاعَه زالَ عنه السعيُ والعملُ

لم يَعْبُدِ الناسُ كلُّ الناسِ في زمنٍ … سِوى إِلهٍ له شأنٌ هو الأملُ

انه لا ييأس من روح الله الا القوم الخاسرون أو كما ارتأى العالم الاسكتلندي روبيرت ليجتون: " الزهرة التي تتبع الشمس تفعل ذلك حتى في اليوم المليء بالغيوم."

و لا يخفى على نبيه ما للتفاؤل من دور في شحذ الهمم لبلوغ أي مرمى وللوصول لأي مقصود ولتحقيق أي غاية وقد أنشد في هذا المعنى الأديب جبران خليل جبران فيما يشبه الشعر الحر:" هناك من يتذمر لأن للورد شوكاً، وهناك من يتفاءل لأن فوق الشوك وردة" فمن يتصبر ويصابر يجد من الله عونا فهو مع الصابرين والى هذا المعنى وصل المفكرون أمثال الأمريكية بام بونتوس التي أبدعت قائلة:" إن قوة الدفع تخلق المزيد من قوة الدفع وكذلك التحفيز فإنه يغذي نفسه بنفسه" وهو ما يمنحك الثبات والعزم على طول الطريق الى أن يشرق الضوء في آخر النفق كما يرمز الى ذلك المثل الفنلندي

كما أن تحقيق الأهداف الكبرى لا يتم الا بالتدرج بإنجاز الصغير منها حيث أشار الى ذلك هارولد ميلخرت  حين صرح قائلا "عش حياتك كل يوم كما لو كنت تتسلق جبلا، إن نظرة من حين لآخر باتجاه القمة ستحافظ على بقاء هدفك في عقلك، إلا أنه سيظل أمامك الكثير من المناظر الجميلة لتتأملها من على كل نقطة وصول أثناء صعودك. تسلق ببطء وبثبات مستمتعا بكل لحظة تمر عليك، ومنظر الجبل تحت قدميك عندما تعتلي القمة سيكون ذروة الإثارة في تلك الرحلة".

 

د محمد غاني، كاتب، المغرب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم