صحيفة المثقف

هاجس الكتابة

hamid taoulostلست بكائن انطوائي ولا غير اجتماعي ولا مريض نفسي، كما يتوهم الكثير من المحيطين بي والذين يقدم لي بعضهم النصح  بالخروج من بوتقة العزلة التي أحيا فيها لأصبح منفتحا اجتماعيا، كم هم واهمون أولئك الذين يظنون بي ذلك الظن، ويعتبرون أني إنسان انطوائي وشخص غير اجتماعي، ولا أحب الناس، وأكره الظهور العلني، وكل ما في الأمر أني أحب التفرغ لهوايتي وعشقي،"الكتابة"، الذي أحبذ في كثير من الأحيان أن يكون في صمت وبعيدا عن الأعين، ويقلقني الإنفصال عنها، ويصيبني الرهاب الشديد لمجرد التفكير في التخلي عن إقتراف فعلها، وأمقت أن يقاطعني أحد أثناء اندماجي في طقوسها، التي تغنيني عن ضرورة الظهور العلني للجمهور، حتى أني فكرت مرارات في تعليق لوحة تنبيهية على باب غرفتي تشرح لمن حولي، أني لا أريد لا أن آكل ولا أن أنام، ولا أرغب في التكلم مع أحد، حين أكون بصدد الكتابة، التي لا أطمح من ورائها لا الظهور ولا جذب الأنظار، مادامت هي وسيلتي الفضلى للتواصل مع الناس، وحل بعض من مشاكلهم، لو هي خرجت للوجود، وقرأها الناس أجمعين، السبب الذي يمنعني عن التوقف عن إتمام ما أبدأ منها، وأواصل إتمامه ضدا في كل الظروف، ورغما على جميع الأوضاع، حتى غير الصحية منها والتي تتسبب لي في آلام الرقبة والكتفين وأوجاع الظهر، التي ينسينيها كم السعادة التي يغمرني بها الاستمرار في الكتابة في أي مكان أتواجد فيه، وحتى لا اتوقف عن فعلها، لا أغادر البتة ترك منزلي بدون حاسوب، ولا أسافر إلا بحقائب ثقيلة، لأكتب متى وأينما فاضت قريحتي، ونشط شيطان إبداعي، واستمرت قهوتي المركزة في إثارة حواسي وإدكاء أحاسيسي بما يكفي لمصاحبة مخاض مقالاتي، التي يكون محبطا أن تنفذ قهوتي قبل أن أكمل بدأت منها مع أول رشفة، وتخرج للوجود شكلاً جديداً أو نمطاً جميلاً من الإبداع الممتع، حتى لو لم تحدث شرخا في العلم، ولم تكسف بالشمس، ولم تخسف بالقمر، ولم يهتم بها أحد غيري، والأكثر إحباطا من ذلك، والذي أشعر معه بالحزن الكبير، والغضب العارم، والخسارة التي لا تعوض، حين يطلب مني من لم يتذوق لذة الكتابة ومن لم يعرف متعتها، بأن أقوم بشيء أنفع منها، وكأنها ليست غير مجرد تصفيف للحروف ورص للكلمات بلا هدف، بينما هي هبة من الله، لترجمة حية لما في القلب والوجدان والذاكرة والمخيلة من المشاعر إنسانية، لتتدفق شهداً صافياً، يلهم صخب صمتها المبدعين، والتي أنا مؤمن إلى درجة عالية بجدواها الكبير في التعامل والتجاوب مع المجتمع المحيط، احتسابل ارضا الرحمن، أكثر من أي ثرثرة وكثرة لغط أو حديث، كما يوقن المولعين بها، أنها بوح ذاتي مسكّن للألم الداخلي يفرغ الكاتب فيها شحنته النفسية فيتخلص من ضغطها، ويتمتع بارتكابها متعة لا تجاريها أي متعة..

 

يتبع . حميد طولست

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم