صحيفة المثقف

غشاء البكارة بـ 53 يورو فقط .. شرف في مزاد

wadea shamekh2متجر الماني فجّر مفاجئة مائعة القبول بتزويد العذارى سابقا بعدة كاملة للرجوع الى عذريتهن بمبلغ لا يتعدى 53 يورو، حفاظا على مشاهد الدم المراق بين فخذي المرأة إكراما لفحولة الرجل المهووس بالشرف الرفيع المحصور بين الفخذين والحرية الحمراء .!

...........

لا اعرف بالتحديد متى كان هذا المحل معنيّاً بغشاء البكارة ؟؟ لان البكارة شيء من

مخلفات العقل الشخصي الشرقي ، فهل كان صاحب المتجر والخبراء خلفه قد اعدوا العدة لانتاج تقنية جديدة تناسب مع موجة المهاجرين والمهاجرات الى الغرب الكافر !!؟؟ هل صارت اللعنة الشرقية وشرف الرجل الشرقي العربي الاسلامي مبعث اجندة في تفكير  الصناعات الغربية وحوانيتها التي تُسوق كل ما لا يخطر على البال ؟؟

........

لنا مع الشرف نحن معشر الامم التي " لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق على جوانبه الدم" قصص وحكايات تبدأ من المخيال ولا تنتهي في واقع يكرسها قيما للفروسية وفقرات قانوينة .

فالقضية ترجع الى تاريخ ضارب في العمق اضحى ذاكرة جمعية قامعة ومستبدة ومسوقة لهكذا نظام قيمي، منذ " لو بشر احدهم بالاثنى لاسودّ وجهه .. الى المرأة ناقصة عقل ودين .. مرورا بمرويات الف ليلة ليلة، ومنسوجات المخيال الجمعي العربي " ترسخت قناعات قارة بأن المرأة شرف الرجل وان شرف المرأة ينحصر في غشاء بكارتها بشكل مركزي ومخصوص .

......

العربي الشرقي يجسد شهوانية مريضة ازاء هذا الموقف من المرأة وبكارتها اصلا، لان الشرف يتعلق بهذا الغشاء الرقيق والذي يمتاز احيانا بمطاطية غير طبيعية تشعر الفحل الشرقي انه مخذول في فضه ورؤية الدم فترتكب جرائم جراء هذا الوهم ايضا .

ومضى هذا الوباء يتكرس في مجتمعاتنا الفحولية كقيم اجتماعية ويتطاول الى بلوغ حماية مجتمعية من مرتكبي " جرائم غسل العار" ليعززها القانون المدني بوصفها جرائم مخففة ويحاكم عليها بأحكام رمزية لا تتعدى حدود الجرائم المرورية ان لم لم تكن أقل !!

.............

ولعل ذكاء الانثى لم يغادرها وهي تطارد من مجتمعاتها الفحولية وقوانينها الصارمة، فصارت لعبة رد البكارة هاجساً  وتجارة بدأت في ابتكار اساليب جراحية بسيطة باعادة خياطة الغشاء او ترقيعه .. حتى وان شائع أمر المرأة بتعاطيها الجنس مع آخرين ولكنها سوف تنتصر بدليلها الدموي -ليلة الدخلة – للرجل الذي يحمل رايات الانتصار وهي تحمل خرقتها البيضاء مغمسة بدم الطهر والعفة، ولعل من اكثر التقنيات مثارا للسؤال والضحك معا هو انتشار بخاخ صيني يفي بالغرض تماما بكلفة لا تتجاوز 50 الف دينار عراقي شاع بعد مرحلة سقوط الصنم العراقي 2003!!

.......

ومع مضي الزمن تناقص الرمز الشرفي لدى شعوب الشرق العربية شيئا فشيئا، ودخل الجنس  في خانة الاباحة الشرعية في باب المطلقات والارامل اولا  بوصفه – زواج متعة – وتدرج الامر الى قبوله مع الزمن والتعايش معه ونتج عنه التناقص في مفهوم الشرف القديم لتحل قيمّ اخرى مضافة كالعمل مثلا " عملك شرفك "، والدفاع عن الوطن في حروب الجنرالات الخاسرة وغياب الرجال وتناقص عددهم، مع بروز الاهتمام في قوانين الاحوال الشخصية في الدساتير وصرامتها تجاة شهوانية الرجل وعقليتة الذكروية كما في الدستور التونسي، أو ليس حبا بالمرأة احيانا ولكن امعانا في تركيع الرجال ليكونوا وقودا للحروب كما في الدستور العراقي السابق .!

............

في محنة المهاجرات هناك قسر في مفهوم الشرف وعنوانه البكارة، وهناك اكراه للانحياز الى منظمة قيمية مختلفة عن المجتمعات الجديدة، فمن المهاجرين من تخطاها بالتعايش الايجابي مع المحيط والاحتفاظ بقيمها الشخصية في حدود التداول الشخصي، واخرون نفروا ولم يستوعبوا وجودهم في هذه المجتمعات حتى صار البون شاسعا والهوة عميقة، فكان للقيم البالية ان تبعث في مجتمعات  لها نسقها الخاص قدرا من التحفظ ، فصار التشدد والتوقع من قبل هؤلاء المهاجرين والغلو في الملبس والمأكل والمعشر .

وبرزت قيمهم البدوية وفحولتهم ازاء النساء المهاجرات " نساء، اخوات .. " فجاء رد الفعل التجاري الفكري الغربي بتحويل هذه القيم القارة الى مصلحته كموضات الحجاب والبيكني الشرعي على البحر، وصولا الى تخصيص اماكن  للنساء في الحلاقة والتصوير الخ، ولكن بروز الاعلان عن اعادة غشاء البكارة وبهذا الثمن البخس في متجر اوربي وفي المانيا تحديدا وفي زمن الهجرات الجماعية من شرقنا الذي لا شرف له، اثار عندي تساؤلات لا ارجح الجواب المطلق عليها ولكني ارجح انها رسالة واضحة لهؤلاء  المهووسين بالشرف الانثوي بأن مركزية قضيتهم لا يتعدى حلها بدراهم اوربيات معدودات، كما سقطت من قبل القضايا المركزية وغدت خرقاً بالية ورايات عاطلة عن التلويح، وهي درس مديد لمن يريد ان يزرع قيما خارجة عن سياقات واصول وتربية وتاريخ وجغرافية ومزاج وثقافة المجتمعات المختلفة وهو لاجيء مفزوع من وطنه ومرحب به وحر بين ابناء تلك المجتمعات الغربية .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم