صحيفة المثقف

الصدام الازلي بين القديم والحديث

khadom shamhodكل جيل  جديد من الشباب  يأتي فينهج اسلوبا  جديدا للصدام  مع الجيل الذي سبقة في مسألة التفضيل وفهم الحياة والتغيير والتجديد الذي يجب ان يحدث في كل مرافقها (لا تضربوا اولادكم  فانهم ولدوا في زمان غير زمانكم) هذا الصراع بين الآباء والابناء بين التقاليد القديمة والحديثة يكاد ان يكون ازلي .. ولو انك جلست مع احد الآباء وطلبت  منه رأيه في جيل اليوم لحمل عليهم  هدما وذما وسخرية وحتى المتقفين منهم والادباء والفنانين . وقد شاهدت  مقابلة مع الاديب المعروف نجيب محفوظ على احد القنوات الفضائيه يقول فيها ان جيله وعصره كان عصر العباقرة وانه من الصعب المجيئ بمثلهم .. كما تحدث الممثل المصري القدير سيد رجب في مقابلة تلفزيونية عن  حياته وعن سؤال كيف يرى جيل اليوم  فقال ان ذلك الوقت يختلف عن جيل اليوم حيث كانوا يدرسون ويتعبون  ويسافرون من اجل  الفن وحب الفن  واليوم  اصبح العمل من  اجل حب  الشهرة والمال . ومعظم الشباب  خالي من لموهبة وان النجومية يخلقها المخرج  .. وهكذا  نجد كل جيل يعتز بقيمه ويذم الآخر . .

قصة ـ مدام بوفاري ـ للكاتب الالمعي جوستابو فلوبير  تمثل مثلا جيدا للتصادم المرير بين الطبقة البرجوازية المحافظة المتمسكة بتقاليدها  وعاداتها وبين الجيل الجديد الذي يريد  التحرر منها .. وتتميز هذه القصة بانها تمثل  ملاحظة عميقة لما كان يحدث من شخصيات هذه الطبقة التي كانت في نظره مثيرة للسخرية والاستهزاء، بل ان مدام بوفاري  تحاول الهروب من هذا العالم الذي هي جزءا منه .. كما تمثل فهما عميقا للبواعث التي تغذي كل من الرجال والنساء المتحررين اخلاقيا .. وبسبب هذه القصة عانى فلوبير الاضطهاد . وكان فلوبير هو نفسه من الطبقة البرجوازية وقد  خرج منها بعدما شاهد الزيف والفساد الاخلاقي  وتكدس الاموال على حساب الفقراء .

هناك امثلة اخرى حدثت في  بلداننا وعالمنا المعاصر حيث وجدنا ان كثير من ابناء  بعض علماء الدين قد خرجوا عن سكة أبائهمم وتمردوا عليها بعدما شاهدوا الجمود والتحجر في الفكر والعقلية وليس بسبب الدين ولكن بسبب فهمه الخاطئ واتباعهم للسلف القديم في الافتاء والآراء والتفسير مما حجر العقل وحبسه بقيود الماضي .. كان الشاعر محمد مهدي الجواهري من اسرة عريقة بالدين (أل الجواهري) وكان معمما لكنه عندما خرج من النجف وزار بغداد وشاهد التمدن والتطور رأى ان هذا الخط  الذي هو فيه بعيدا عن ذلك التطور ، فنزع عمامته ورماها في الشارع .. كما وجدنا ان  الكثير من الشباب الواعي المعاصر قد انخرط في الاحزاب القومية واليسارية والمتطرفة  بعدما وجد ان بعض رجال الدين والآباء قد فشلوا في التعايش المعاصر وتهيئة  الارضية  الفكرية والحضارية  الخصبة والمتطورة  المواكبة للعالم الحديث .

 في القرن التاسع عشر ظهرت جماعة في فرنسا تسمى ـ الداندييزم ـ وتعني الاناقة في الابداع، وقد ظهرت كرد فعل للرومانسية في الادب والشعر والفن حيث دعت  الى ترك الطبيعة والاجواء الرومانسية الحالمة  والتي يتغنى بها الشعراء الرومانسيين والعودة الى المدينة  والتغني بجمالها  التي فسحت لها الثورة الصناعية مجالا للابتكار والابداع  . واعتبر ذلك تصادما مع المألوف وخروجا عليه . وقد وصفت هذه الجماعة بانها قلة غير متوازنه .  وقد اصبح هؤلاء  الشباب الجدد يستمدون الالهام لمواضيعهم من الطرقات والمسارح والحانات والمطاعم ومن كل ما هو صناعي . واعتبر ذلك  عند البعض  كشفا حضاريا متطورا .

ومن زعماء هذا التيار الجديد تيوفيل جوتيه 1811ـ1872 حيث قضى شطرا من  حياته في  زيارة المتاحف  وكان يرغب ان يكون مصورا او نحاتا . ولكن الاقدار رمته باتجاه أخر حيث مال الى الكتابة واصبح بعد ذلك من اكبر اساتذة  العالم الحديث في التقد والشعر والقصة ... وكان جوتيه احد تلامذة فكتور هيجو ولكنه تمرد عليه وخرج من رومانسيته الى  اخرى مضادة لها تتصف باكثر  حرية ورفضا لما هو سائد سواء كان في الادب او الفن .. ومن الفنانين الذين تأثروا بالتيار الجديد ـ الداندييزم ـ هو الفنان الامريكي الاصل جيمس ابوت ماكنيل وشهرته ـ ويستلر ـ حيث كان متحمسا بالاتجاه الفني  نحو المدينة والمضاد للطبيعة. وقد درس ويستلر في باريس ثم استقر في انكلترا عام 1859 .

وهذه الحالات  تذكرنا ايضا  بالنابغة واصل بن عطاء (700 م) احد تلاميذ الحسن البصري الذي كان من  علماء الفقه والمتصوفة  في البصرة حيث خرج عليه وعلى آراءه التي تتمسك باتباع السلف، فقد جادله في مسألة مرتكب الكبيرة واختلف معه  ثم اعتزل عنه وشكل تيارا جديدا اطلق عليه بعد ذلك  بالمعتزلة المعروفة  في التاريخ العربي وباتجاهها العقلي . ويقال ان واصل كان لا يحسن نطق  حرف الراء ويتجنب الكلمات التي فيها الراء وقد سجل له المؤرخون خطبة بدون راء.

 

د. كاظم شمهود 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم