صحيفة المثقف

التسامح و"التسامح المتكافئ"

لا ننتبه احيانا لاهمية السؤال رغم ان البحوث والدراسات المتخصصة تبدأ بسؤال او اجابة عن سؤال، يشمل ذلك البحوث المتعلقة بنيل درجات علمية كرسائل الماجستير او اطروحات الدكتوراه . هذه في الحقيقة عبارة عن اجابة عن سؤال او عدة اسئلة تنتظم حول محور واحد، تتشكل منها الرسالة او الاطروحة .اذن السؤال يعتبر محفزا بشكل اساسي للبحث لذلك فان له اهمية استثنائية في العوالم الاكاديمية او البحثية الحرة غير الملتزمة بقوانين البحث الاكاديمي .

استوقفتني اجابات الباحث المستنير الاستاذ ماجد الغرباوي كتابة هذه المقدمة او متابعة حواره مع نخبة واسعة من المثقفين والكتاب والباحين العراقيين والعرب، بسبب ما يتعرض له الباحثون العرب من تهديدات يومية من قبل دعاة الاسلام السياسي، هؤلاء يعتبرون ان كل نقد للاسلام السياسي او احزابه هو نقد للاسلام كدين، لكن شتان بين احزاب الاسلام السياسي وبرامجها التي هي في جوهرها فاشية واقصائية الى ابعد الحدود وبين الاسلام كدين، ودليل معرفة الجوهر الفاشي اوالاقصائي لاحزاب الاسلام السياسي غياب مفهوم التسامح وقبول الاخر اوالتعايش معه رغم ادعائها للاسلام او تمثيله .

تخلل الحوار مصطلحات كثيرة ادت احيانا الى تشتت الموضوع او مضمون الحوار وهدفه مفهوم "التسامح" ومنه "العقلانية الشاملة" وقد اوضح الباحث الغرباوي نقطة مهمة مشيرا الى مسيرة تطور المجتمعات الغربية الحديثة والمعاصرة، فقد بنيت من الاساس على "التسامح" و"العقلانية" لان الدين كما اشار الباحث يختلف عن الدولة . الدولة باعتقادي لا دين لها لانها تمثل الجميع بشكل متساو في الحقوق والواجبات، ورغم ان بعض دول الغرب تعترف بمسيحية الدولة علنا، ولكن الواقع او دساتير هذه الدول تنفي ذلك .ودور الكنيسة بهذه الدول يكاد يكون بلا تأثير يذكر، رغم حضورها رمزيا واعلاميا، وبالنتيجة القانون والدستور هما من يحكم المجتمع وليس اللاهوت او المعتقد .

أردت ان اشير الى نقطة مهمة لم يولها الباحث الاهتمام المناسب او تبيين مدى تأثيرها التاريخي في المجتمعات الغربية ربما لالتزامه حرفية الاجابة عن الاسئلة، فعصر الانوار الاوربي ما كان له ان يظهر للوجود لولا مظالم وجور حكم الكنيسة في اوربا، ومفهوم التسامح من ابتكارات عصر الانوار ارتبط بالمسيحية بشكل خاطيء لانه كمفهوم وجد قبل عصر الانوار وربما قبل المسيحية والاديان،ويمكن العودة بهذا الصدد الى الفلسفة الهندية القديمة او الصينية .

مفهوم التسامح في الواقع واحد من عدة محاور تناولها الحوار، انه حوار شامل ان جاز التعبير، ركزت في هذا التقديم او التعريف بمحتواه على مفهومي التسامح والعقلانية لانه لا يمكن تناول جميع ما ورد في الحوار من افكار ورؤى اومناقشة احيانا بين المتحاورين في اكثر من نقطة او تعريف، ولكن الباحث يركز على نقطة مهمة لها علاقة مباشرة بمفهوم التسامح لتخليصه من استعلائيته ويضفي عليه انسنة عامة ليست له بمفهومه الاصطلاحي او اللغوي، ربما ينفرد الباحث في البحث او التبشير بمفهوم جديد للتسامح لتخليصه من سلبياته ودلالاته اللغوية ليكون مفهوما شاملا بقوله او توضيحه لمفهوم التسامح من وجهة نظره : "التسامح كما أفهمه وادعو له: موقف إيجابي متفهم من العقائد والأفكار، يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة بعيدا عن الاحتراب والإقصاء، على أساس شرعية الآخر المختلف دينيا وسياسيا، وحرية التعبير عن آرائه وعقيدته، ما دامت الطرق إلى الحقيقة متعددة، وليس لأحد الحق في احتكارها، فيكون التسامح اعترافا حقيقيا بالآخر، لا منّة ولا تكرما، فيسود المجتمع مبدأ المواطنة في المساواة والتكافؤ في جميع الحقوق والواجبات" .. نعم الدساتير جميعها تقر بالمساواة ولكن الواقع عبارة عن شيء مختلف، لذلك فان دعوة الباحث من خلال مفهومه الجديد الذي يقدمه للتسامح، يحتاج الى ايضاحات اضافية او ان يفرد له بحثا خاصا لانه يختلف عن التسامح السائد او مفهومه المتداول والمعروف في الاوساط السياسية والبحثية، لاعتقادي ان ما جاء به الباحث ماجد الغرباوي في تعريفه للتسامح يختلف عما هو معروف عن هذا المفهوم حتى ان الكثير من الباحثين العرب عدوه متعاليا و"هشا" .

لذلك اقترح على الباحث ان يسميه تسمية اصطلاحية تتلائم مع مفهومه وتعريفه الجديد اي خلق مصطلح يلائم مفهوم الباحث لتمييزه عن التعريف المتداول . ك "التسامح المتكافيء" مثلا . لتخليصه من التعالي او المنة الذي ينطوي عليه كمصطلح لغويا وبحثيا. ومع ذلك يبقى التسامح بمفهومه العام ضرورة لسلمية المجتمعات متعددة الاعراق والمذاهب وللتعايش السلمي كما يقول او يؤكد الباحث: "يبقى التسامح الحقيقي الإطار الجامع لوحدة الشعب رغم تنوعه القومي والديني والمذهبي" .

اما النقطة المهمة الثانية، كما جاءت في الحوار وتناولها الباحث في اكثر من محور على طول حواره، ربط مفهوم التسامح بالمواطنة، باعتبارها المشترك بين الجميع، وخاصة في مجتمعاتنا العربية وفي العراق بالذات، ولكننا مع الاسف كما يؤكد الباحث لم نصل الى مستوى الوعي باهمية المواطنة التي تقوم على مبدأ التسامح وقبول الاخر على المستويين الثقافي والديني .التي قامت على اساسه الحضارة الغربية المعاصرة من خلال سن القوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق جميع المواطنين .

وبين الباحث او حث بشكل واضح على التفريق بين النقد والتخريب، فنقد البنيات الطائفية والعشائرية في مجتمعنا الموروثة من عصور وعهود سابقة واعادة ترسيخ مفهوم التسامح ومن ثمة المواطنة، تهدفان الى صيانة هذه المجتمعات اوتخليصها من الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية، حيث تصل هذه النزاعات احيانا لدرجة الحروب والتخريب المتعمد الذي يطال اقتصاديات وعمران مجتمعاتنا العربية والاسلامية وتهديد مسقبلها،

كما ان مفهوم التسامح ليس من المفاهيم الاجنبية او الغريبة على ثقافتنا او مجتمعاتنا العربية والاسلامية. وهنالك وقائع معاصرة وتاريخية تثبت ذلك رغم انه لم يأت على ذكرها او ذكر بعضها او كشواهد منها في حواره، وربما نحتاج الى بحث اخر او الى بحث مستقل للتأكيد فيه ان التسامح بمفهومه العام ليس اجنبيا او غريبا على ثقافتنا العربية والاسلامية ماضيا وحاضرا .

 

قيس العذاري

...................

اشارات وتوضيحات:

الافكار والاقتراحات تناولت المحاور المخصصة فقط لمفهوم التسامح وهما: التسامح والحرمان السياسي والتسامح وسلطة الحقيقة، الحلقاتان: 10 و11 حسب تسلسل الحوار المنشور بصحيفة المثقف .

المحاورون : سامي العامري وبثينة بوقرة.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم