صحيفة المثقف

حتى المترجمين!

mohamad sayfalmoftiأعلم تماما مدى صعوبة الحيادية في أجواء الازمات والحروب وأعلم يقينا أنه توجد بعض المهن، تصبح الحيادية فيها جوهر المهنة، لصلتها المباشرة بشرف المهنة وشرف الممارس للمهنة شخصيا وأمانته. مثل الطبيب والصحفي والمترجم وبعض المهن الاخرى.

المهنة التي أنا بصددها هي مهنتي، الترجمة الشفهية والفورية والتي درستها على ايدي اساتذة من النرويج والدانمارك بالاضافة الى خبرتي الشخصية بالخطاب السياسي.

مقارنة لفهم خطورة الكلمة، الخطأ الطبي قد يؤدي بحياة انسان أما الخطأ اللغوي قد يؤدي الى أزمة أو حرب.

أذكر أن كثير من اساتذتني في علم الترجمة ابتدئوا محاضراتهم بهذه الجملة

(انسى الكلمات وتمسك بالمعانى). هذه النقطة تتعلق بالحيادية والتي نسميها في علم الترجمة الحيادية المطلقة ، وهي جزء لا يتجزأ من واجب سرية العمل في مهنة لا يستطيع الاطراف التأكد من مواصفات المنتج. فهم يعتمدون على خبرة المترجم وأمانته في نقل النص.

في محاضرة للاستاذة هاننا سكودن قالت فيها " يجب أن يكون المترجم منحازا لكلا الطرفين، بمعنى آخر أن المترجم سيكون منحازا لكلا الطرفين بنسبة 100%.

في زيارة للعراق قبل عدة سنوات، قمت خلالها ببحث عن السلطة الرابعة وتأكدت أنها سلطة للبيع والشراء حالها حال السلطة التنفيذية في البلد. معظم السياسيين يستخدمون الصحافة بطريقة سيئة، ولا يدركون أهمية الحيادية في نقل الاخبار وخطورة تضليل الرأي العام. بل على العكس يستخدمون التضليل والتسقيط بطريقة ممنهجة تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

 سألت صديقي الروائي والصحفي نوزت شمدين قبل عدة ايام في حوار معه في ندوة عامة، وهو رجل ذو خبرة طويلة في الصحافة وعمل في عدة صحف وقنوات فضائية عراقية ولسنوات طويلة.

_ هل هناك سلطة رابعة في العراق، صحافة حرة تماما ومن هي إن وجدت؟

_ نعم موجودة، إنها موقع باشطابيا الذي اديره بنفسي هنا في النرويج وانا رئيس جمهوريته.

_ ألا تعلم بوجود غيره؟

_ لا يوجد.

رغم خطورة عدم حيادية السلطة الرابعة إلا أنها لا تصل الى مستوى خيانة المترجم لضميره ولاخلاقيات مهنته.

نشهد في هذه الايام حرب كلامية وازمة سياسية بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان.

الشعب العراقي كله برمته كان ينتظر كلمة الرئيس مسعود برزاني ولقائه وينتظر كل كلمة يتلفظ بها لأن كلامه يعني الكثير لمستقبل المنطقة وستكون كلماته توقعا لتداعيات المرحلة المقبلة، بغض النظر إن كانت مطمئنة أم مقلقة.

من حق العراقيين الناطقين بالعربية أن يفهموا جوهر الصراعات السياسية. ومن حق الشعب الكردي كذلك أن يفهم كلمة الرئيس حيدر العبادي. خطابات نارية وتصعيد وتهديدات على الهواء، وشعب مترقب لما ستحمله الايام المقبلة، ومترجم ينقل الكلام وفق ادراكه ورغباته كما يشاء دون رقيب أو حسيب.

غير دارك أنه ليس من واجبنا كمترجمين أن نقدم السيد الجعفري كـ ديكارت عصره سهل أو جعل خطاب الخزاعي حمامة سلام لأننا نحب السلام.

من حق الشعب العراقي وبكل أطيافه أن يفهم السجالات السياسية وحتى المهاترات بطريقة صحيحة تتسم بالحيادية وعدم انحياز، والأهم أن لا يظهر رأي المترجم في الحديث ولا حتى من خلال نبرة صوته.

الذي حدث خلال الايام الماضية كان فضيحة مدوية في مجال الترجمة. لم يمسك المترجم بالمعنى الحقيقي لكلمات الرئيس مسعود. في علم الترجمة نتحدث عن تأثير الكلمة، بمعنى لو كان التعبير فيه شئ من الفكاهة باللغة الكردية فيجب أن يكون مضحكا كذلك باللغة العربية، كثير من المترجمين كانوا بعيدين تماما عن شروط الاحتراف في هذه المهنة.

الذي حدث في القنوات الممولة من الجهات المعارضة لسياسة الاقليم، هو أن المترجمين فيها قاموا إما متعمدين أو عن جهالة بتحويل كلمة الرئيس مسعود البرزاني الى كلمة ركيكة غير متماسكة من جهة ومن جهة أخرى أخفقوا تماما في نقل المعنى الصحيح.

تنقلت بين القنوات التي قامت بنقل اللقاء التلفزيوني ومع الاسف كنت انتقل بين مترجمين سيئين، فكان الخيار أن استمع الى افضل السيئين.

ولم أستمع الى كلمة العبادي باللغة الكردية لكي أحكم على التنرجمة.

قال المترجم الشهير في قناة الجزيرة موفق الخالدي في حوار صحفي معه عن قدرات المترجم:

" من اخلاقيات المهنة ان لايقبل المترجم ان يترجم لمؤتمر اقتصادي مثلا اذا لم يكن لديه المام بالموضوع فقط للتظاهر بانه يستطيع الترجمة او مقابل منفعة مادية او تحقيق شهرة فيجب ان يعتذر عن العمل اذا شعر بانه غير قادر او غير ملم بالموضوع "

في ظل الازمات وفي أجواء الحرب يصبح الفرق بين كلمة " يجب " وكلمة " علينا " شاسعا. واحيانا يتحول المعنى من مناشدة للسلام الى تهديد مبطن بالحرب.

من حق الحكومة المركزية والشعب العراقي أن يدرك ويفهم تماما ما قاله الرئيس مسعود البرزاني كما جاء في نص خطابه وفي أي سياق جاءت الكلمات.

أما أصحاب القنوات الفضائية فلو أثبت أنهم قد تعمدوا أو أهملوا في التحقق من قدرات المترجم فيجب أن يقدموا الى المحاكم.

أما بالنسبة لأداء المترجمين، إذا كانت الترجمة عن جهل باللغة فهذه مصيبة وان كان متعمدا فالمصيبة أعظم.

هذه خيانة ليس لفئة معينة من فئات الشعب العراقي بل هي خيانة وطن وأمة بالكامل. 

 

محمد سيف المفتي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم