صحيفة المثقف

أثر كليلة ودمنة

yousri abdulganiلقد شغل كتاب كليلة ودمنة مكانة عظيمة في عالم القصص الحيواني، وفتح مجالات للخيال أمام الكتاب شرقًا وغربًا، وبالذات كتاب الأطفال في عصرنا الحديث، فألفوا على غراره .

وقد نظم بعضهم الكتاب شعرًا، مثل: إبان اللاحقي الشاعر العباسي، ثم نظمه شاعر آخر هو الشريف بن الهبارية في كتاب (الفطنة)، ويقول ابن الهبارية في ترجمته: إنها خير من ترجمة إبان اللاحقي، ونذكر أيضًا الصياغة الشعرية للكتاب التي قام بها سهل بن توبخت، وكذلك علي بن داود .

ولهذه الحكايات نظم ثالث أسمه (درر الحكم في أمثال الهنود والعجم) أكمله عبد المؤمن بن حسن الصاغاني، وهو من أدباء القرن السابع، ومنه نسخة محفوظة مخطوطة بمكتبة فينا النمساوية، وأخرى في مكتبة ميونخ، كما ألف ابن الهبارية أيضًا على غراره كتاب (الصادح و الباغم) الذي طبع في بيروت والقاهرة .

وكذلك ألف أبو عبد الله محمد بن القاسم القرشي، المعروف بابن ظفر، وهو من أدباء القرن السادس، كتاباً بعنوان (سلوك المطاع في عدوان الطباع)، وذلك على غرار كليلة ودمنة، و تم طبعه أكثر من مرة .

ونذكر كتاب (الأمثال المنظومة) لجلال الدين بن النقاش، وهو من أدباء القرن التاسع، ومنه نسخة خطية في مكتبة الأباء اليسوعيين ببيروت، وأخرى بالمتحف البريطاني بلدن

وكثر المتأثرون بهذه الحكايات إلى أن ألف المؤرخ / ابن عرب شاه، أحمد بن محمد بن عبد الله، وهو من أدباء القرن التاسع، المتوفى سنة 884 هـ كتابه (فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء) على ألسنة الحيوان، وقد طبع مرارًا .

كما ذكر صاحب كتاب (كشف الظنون) أن أبا العلاء المعري ألف كتاباً اسمه (القائف) على منوال كليلة ودمنة، وهو يقع في 60 كراسة، لم يتموه، كما أن له كتاباً آخر يسمى (منار القائف) يتضمن تفسيراً للقائف في 10 كراسات .

وفي ( رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا ) نجد قصة (الإنسان والحيوان أمام محكمة الجان) لا تخلو من لون كتاب كليلة ودمنة الذي عرفه إخوان الصفا جيداً واطلعوا عليه وتأثروا به .

يقول المستشرق (جولد تسيهر) : إن اسم إخوان الصفا نفسه قد يكون مقتبساً من كتاب كليلة ودمنة، إذ ورد هذا الاسم في صدر باب(الحمامة المطوقة).

وقد ألف كثير من الكتاب بعد ذلك عديد من القصص التي نسجت على منوال كليلة ودمنة وعلى غرار قصص : الأسد والثور، والبوم والغربان، والقرد والغيلم، والناسك وابن عُرس .. وغيرها ..

ونحب أن نشير هنا إلى أن طه حسين نشر كتاباً سنة 1950 م، في 146 صفحة، سماه (جنة الحيوان)، وجعل الأسلوب في هذا الكتاب يجري على لسان ما فيه من حيوان، والواقع أن طه حسين لم يكن يقصد بحديثه حيواناً معيناً، أو نوعاً من الطير، وإنما كان يقصد غرضاً سياسياً في نفسه يكمن وراء قصته والحكمة التي تستخلص منها .

وكذلك يمكن أن نقول بالقياس إلى ابن المقفع، فالحرية السياسية لم تكن متوافرة في زمنه، وهو بذلك لا يستطيع أن ينقد الخليفة وبطانته نقداً صريحاً، وكان الخليفة أبو جعفر المنصور مشهوراً في ذلك الوقت بالبطش والشدة وإعمال السيف في رأس كل من تحدثه نفسه بخروج عليه، حتى كان من ضحاياه من قتل بالظن، وتذرع المنصور في قتلهم بالزندقة، وكان ابن المقفع نفسه أحد هؤلاء الضحايا في نهاية الأمر، فلعله رأى أن موقفه مع المنصور العباسي يشبه إلى حد كبير موقف بيدبا الفيلسوف مع دبشليم الملك الطاغية، ووجد بينهم وبين بيدبا كثيراً من المشابهة التي يمكن أن يجلوها هذا الكتاب، ويعبر عن دخيلة نفسه .

ولكتاب كليلة ودمنة أثره أيضاً في اللغة الفارسية الحديثة، فقد ترجم إلى الفارسية على أساس تعريب عبد الله بن المقفع له، وممن نقله إلى الفارسية / أبو المعالي نصر الله، حوالي عام 1144 م، وحسين واعظ كاشفي في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ولهذا الكتاب أثره أيضاً في الأدب الأوربي، كما يبدو لنا من تأثر لافونتين الفرنسي الكبير به

 

بقلم: دكتور يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم