صحيفة المثقف

نبذة عن رواية: قاع الخابية لعبد اللطيف اللعبي

anaas alkanoniمن خلال القراءة الأولى يتضح أن الرواية صورة فوتوغرافية لتاريخ غابر من مدينة فاس العتيقة، كنت فيما قبل أعتقد أن الكاتب الروائي محمد برادة هو الوحيد الذي فصل في أزقة فاس العتيقة وصورها أجمل تصوير للقارئ، بحيث يستطيع أن يتذكر القارئ الأزقة ودروب المدينة القديمة في الرواية وهو يزورها في أرض الواقع، وهذا ما وقع معي شخصيا، عرفت كثير من دروب وأزقة المدينة القدية في روايته "لعبة النسان" و"امرأة النسيان" قبل أن أزور فاس، وإذا كان الروائي محمد برادة قد مر بنا على غطاء الخابية، فالروائي عبد اللطيف اللعبي قد نزل بنا إلى قاع الخابية ليكشف لنا عن المستور، ويقربنا من الحياة اليومية لأهل فاس في ما قبل وبعد خمسينيات القرن الماضي.

فالرواية "قاع الخابية" لمؤلفها الروائي عبد اللطيف اللعبي/ ترجمة حسان بورقية، هي أقرب إلى الرواية التاريخية من السيرة الذاتية، وأقرب إلى الواقعية من الخيالية، يعود بنا فيها الكاتب إلى مرحلة حرجة من تاريخ المغرب، مرحلة عرف فيها أخطبوط الحماية كيف يتحكم في الوسط الاجتماعي وكيف يضعف الحراك الاجتماعي والسياسي بالمغرب، وخصوصا أن فاس مهد التمرد والرفض بدأ من ثورة الجلادين، فالروائي في كتابه لمتن الرواية اختار لنا أسرة فاسية عريقة من مدينة فاس العتيقة، وسينطلق منها في سرد واقع المدينة وثقافاتها وتقاليدها ومحيطها الاجتماعي، وسيجعل "ناموس" الشخصية الرئيسية لهذه الأسرة والتي ستنبني عليها أغلب أحداث الرواية، ومن بيت الأسرة يخرج بنا السارد طلوعا بكلتا الطلعات الكبيرة والصغيرة، وصولا إلى المركب الرياضي وجنان السبيل، وسيجول بنا في العطارين والصباغين، ودار الدبغ، والنجارين والرصيف وباب الفتوح.. ولن يفوت الكاتب أيا من دروب المدينة القديمة وأزقتها، وسيقف بنا جليا عند متجر السيد إدريس أب ناموس، وسيقف بنا متأملا في مولاي إدريس المكان الرباني الذي يلجأ إليه الفاسيين للاحتماء من بطش المستعمر واللجوء إلى الله تعالى دعوة وتذرعا.

ولم يفوت السارد طقوس الزواج والحياة اليومية والزرْدات أو النْزَاهاتْ التي تنظم على جنبات المدينة بسيدي حرازم، ونقل لنا كذلك الصراع اليومي مع المستعمر الفرنسي الذي لا يبث من مضايقة أهل فاس والاشتباه بتجمعاتهم، وإطلاق النار على الوطنين منهم، أو من اشتبهوا فيه أنه من الوطنين الأحرار المطالبين باستقلال المغرب، ومن بين أهم ما وقف عليه السارد هو كيف كانت تنظم الحملات النضالية المقاومة للاستعمار الفرنسي من داخل فاس، والمساهمة الكبيرة والفعالة للمرأة الفاسية في هذا النضال التي أعلنت التمرد على قيود المستعمر، والتي أظهرت رباطة جأش في الوقوف في وجهه، وترديد أمثال وحكم تحرض على مقاومة المستعمر وعدم الإذعان له.

وقف بنا الكاتب عند دور حزب الاستقلال في هذه المقاومة، وكيف كان يتم رفع الحصار عن المدينة بخوض إضرابات منظمة، ومقاطعات العديد من المنتوجات، وكذلك العلاقة الروحية الوطيدة للمغاربة مع ملكهم الراحل محمد الخامس، التي جعلتهم يعربون عن سخطهم إزاء إبعاده عن عرشه ونفيه، وكيف ظل المغاربة مرتبطين به، لدرجة أن العديد منهم أجزم أنه قد رآه في القمر، هذه العلاقة الوطيدة التي جعلت المستعمر في ذهول من هذا المنظر الذي ملأ سطوح مدينة فاس لرؤية الملك الراحل محمد الخامس في القمر، كل دأب إلى رسمه في صورة بهية في مخيلته، وما لعبه الدور الإعلامي، وخصوصا الإعلام المسموع، مثل إذاعة طنجة وإذاعة القاهرة، في تقريب المواطنين من الأحداث التي تجري، وبهذه الطريقة كان من السهل على الوطنيين الأحرار تنظيم حملات ضد المستعمر الفرنسي.

إن قراءة الرواية من ناحية اللغة والأسلوب، يجعلنا نحسم أن الرواية كتبت بقالب مبدع متبصر بأساليب الكاتبة الروائية، فالجانب الفني حاضر والتشويق حاضر مع الأحداث الموظفة في الرواية، والرواية حداثية من ناحية الأسلوب الإبداعي الموظف، لكنها لا تتعدى مرحلة الحداثة إلى مرحلة التجريب، فالرواية في تصميمها تقتصر على حيز زمني محدد، ومكان جغرافي محدد، وشخصيات رئيسية معروفة ومحدد، وتمازج بين تسلسل الأحداث فتبني لنا حدثا عاما شاملا، يمكننا حصره في حياة الأسرة الفاسية في مرحلة الاستعمار، وما واجهته من اكتساحي استعماري مباشر، وغير مباشر لمس مجموعة من التقاليد والعادات لدى الأسر الفاسية وحاول عولمتها، أو بلفظ آخر تحريرها من عبق مدينة فاس، والدخول بها في نفق الحداثة والانفتاح.

فرواية "قاع الخابية" للروائي عبد اللطيف اللعبي، هي رواية تستحق أكثر من قراءة وعناية، وخصوصا أنها تحكي جزءا مهما من تاريخ فاس، ومن تقاليد وعادات فاس التي لم نعد نرى لها أثرا الآن، والتي طمست مع كثير من أثار فاس التي طمست ونهبت، فالرواية هي تراث وتاريخ حي لا زال حاضرا بيننا، يحتاج منا قراءات ومقاربات عديدة لإخراجه إلى الواقع ونفث الغبار عنه، وتذكير أهل فاس ومحبين مدينة فاس العتيقة بما تحتوي هذه المدينة من ثقافة وفنون مميزة، وخصوصية تميزها عن باقي المدن المغربية، وبأن فاس كانت مهد النضال والمقاومة وستظل كذلك.

 

بقلم أناس الكنوني

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم