صحيفة المثقف

المتمرد أسيرالشفاه المشمشيّة

sardar mohamad2حَدَث وأن بزغ مذنب في السماء، فأفرخ الروع في قلوب الناس وصار حديث المجالس متخيلين أن الأرض ستأفل ولن يروا شروق شمس مرة أخرى .

آية من آيات اقتراب الساعة .

سخر من جهل إمام المسجد .

ماهي إلا شهقة واحدة ويصير أمدهم غير ممدود .الوعي جريمة بعرف الذين لا وعي لهم . ضاق ذرعاً بهم إذ وصفوه بالمتمرد.

إعترض على مدرّس العربية حين طلب من الطلبة كتابة موضوع في درس التعبير والإنشاء عنوانه " القناعة كنز لا يفنى " .

وقد تكون القناعة مقبرة للطموح .

إعترض على مدرس العلوم يوم قال أن احمرار الدم بسبب وجود كريّات الدم الحمراء .

ولمّا سأل المدرس : لماذا الكريات حمراء؟

وقع المدرس في حيرة .

 " كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء " .

ستظل الصدفة تشرق حتى في المساء وتطارد بالهُ حتى يصل قطار العمر آخر المحطات .

وبمنأى عن ذاكرة متعبة يظل طويلاً يتذكر النهير الفراتي الذي أوجدته الطبيعة، ويتذكرانزلاج عجلات القطارفي قضبان السكة الحديد التي مدّها الجيش الإنجليزي .

وكم هجعت نفوس وكم قُطر انزلجت، لكنه ظل متمرداً .

أكانت زرقة السماء هي من أوحت ببحر يرقد فيه حوت يتحين الفرصة ليبتلع القمر؟

فيروح الصبية والعجائز والرجال الجهلة يطرقون صحاف وقدور نحاس عتيقة متوسلين الحوت ليتقيأ قمرهم .

ومن لحظة لأخرى تترقب العيون فضة ضوئه وعودة الحوت ليرقد في فراشه المائي .

سيعودون لمضغ خبز الشعير بهدوء رغم سكون الزمن، فطوبى لمن لا يمسهم ضجر وطوبى لعقل متخشّب .

المرّة الأولى التي أبدى اهتماماً لأحد ....لمعلمه

يوم عرف أن للطبيعة قوى تتفجربوجه الشبابيك الموصدة .

في ذلك اليوم تقطعت حبال تشد العقل بصخور الوهم .

حبال متشابكة لا حصر لها .

صار يعشق قطف زهور تضوع بالعلم .

وسع مساحة متعته بوسع مساحة القوى الخفيّة للطبيعة .

 بوسع ما سيشغف بالشفاه المشمشية .

إفترش باحة التساؤل ولم يغرم بشهوة الصمت ومزق وسادته ؟

فضاء واسع . جداً... جداً ما زال يتغشى بعباءة لا يعرف مداه، ولم يستطع البشر سوى ازاحة طرف منها .

غمره الفرح عندما سمع بقوة الكهرباء التي تفوق قوة البخار.

سعُد باكتشاف البشر القوة النووية وتمنى أن يعيش أطول ليسمع إعتراف الذكورة أن عشق الإناث يفوق القوى كلها .

بعض الناس مات بضربة سيف وبعضهم هرستهم عجلات قطار، ومئات ماتوا دفعة واحدة بتفجير نووي .

ملايين النساء هرس نفوسهن الفكر الذكوري النتن .

لا نلام إذ نحزن إذ نرى العلم والدين أداة بيد الطغاة .

حزن وهو يرى منجزاتهما يمتلكها الأغنياء، ويوظفها الطغاة للجلوس على كراسي أعدت لتكون مرتكزاً لشفاء جراح التعساء ومسح دموع الثكالى .

ليهنأ الطغاة فإن منجزات العلم لن تتوقف .

الأعم هناءة حين تبتسم أنثى له فيسعدها بأية وسيلة فهذا من منجزات الشهوة العصيّة على المتخلفين والجهلة .

أول نبضات غدده حفّزتها جارته الصبيّة السمراء .

كان من الصعب أن يرى باخرة مدينة صغيرة بعيدة عن البحر.

الصبية السمراء نضّت ثيابها له وراودته عن موانيء الجسد .

رؤية ما هو أكثر فخامة يحتاج إلى مواجهة كوامن النفس بقوة توازيه .

تحطيم القلاع الراسيات رسو الحروف في هيكل الكلام وجعلها خرائب ضرورة لتصير ملاذاً للهذيان .

الصبيّة التي تلتفع بعباءة سوداء مهللة وتعكس ألواناً زرقاء وخضراء عُرف أنها بقيّة من عباءة امها البالية .

أبوها سائق القطار غير قادر على شراء واحدة جديدة .

أول أنثى عرفها في حياته غير أمه .

أحسّت أمه بذلك، ولم يكن عسيراً عليها أن تدرك تحوّل حب ابنها إلى خارج المنزل وتنازل تلهفه لاحتضانها مما سرّها .

سيترك الحقل هوسه ما دام يحلم بالربيع .

لكن ذلك أخاف أم الصبيّة .

يملأ الشبق عينيه ويسير فيه كسير القطار حثيثاً .

وتتعامى عن الشبق الطافح في عيون ابنتها وسحنتها وتغريد عصفورتا الصدر .

للقطار وجهة واحدة تحددها السكة ولا سكة تحدد هذا الصبي .

يا أمة .. إنهم أطفال .

إبنتك لم تعد طفلة فقد بلغت الحلم منذ شهور .

سكب في جوفه الشاي الأسود دفعة واحدة وتناول قطعة من خبز الشعير لا يقل اسمراراً عن وجه حبيبته الأولى، وسارع ليصل المحطة حيث ينتظر ليأخذهما معاً برحلة إلى موقع يقام فيه حفل .

أول وآخر مرّة يراه .

بضعة أنفار من عمال يرفعون أعلاماً حمر ورقيّة .

القطار يملأ الأرض بسيره رعباً . لكن المساحات الخضرتتبسم له وسنابل القمح تهتز طرباً .

أصابع الفلاحين المخضبة بالطين لوّحت لهم بالمناجل الشبيهه بقلامات أظفار السادة

لا وقت لديهم، ليفنى القوت وتحيا معجزة الدغل .

يبقون خدم سادتهم ..الحقول .

حبيبته تهز رأسها يمنة ويسرة فتنوس ضفيرتها دون خوف من مجهول لا تعرف عنه شيئاً .

الخوف في بلداننا يهجم كتنين خرافي متى أراد وفي أي وقت بلا مقدمات .

أستقبلوا بهتافات لا يفقه معناها .

ومن شدة عشقه للقطار صار مثله يسير على سكة واحدة ووجهته واحدة .

هل يسير النهر بعكس مجراه ؟

لم يعد بمقدوره أن يختار طريقاً آخر .

وجد في ذلك متعة ولو انه أضحى كجماد .

إقتادت قوى الأمن سائق القطار ولم يعد .

نزحت الأسرة وفقد حبيبته الأولى .

ظل يعشق القطار .

ليس للجماد يد في سلب الأرواح ولا منجزات العلم والطغاة هم الذين يتفننون في سلبها، وهم يمهدون السبل لكي تتبختر قوى الشر على أعتاب رحيل البشر .

ولما بلغ من العمر الشباب وجد أن فمه مليء برسائل عشق تحتاج ألف شاعر ليرمي بها قدود الفاتنات، ومدّ خياله لعنان حنجرته ليزيد فمه أناشيد غابت عن ذاكرة الرعاة .

وجد نفسه أسيرمذاق الشفاه المشمشية .

معلمه الذي أحب فيه حب العلم والعمل لن يتركه ليضيع في طرقات المدينة الغافية أو خلف متاريس الغفلة .

إعانته على تخطي تلك المتاريس كانت بصحف طويت بتعسف خوف رجال الأمن والمخبرين .

إطلع على لغة بالغة التعقيد تحتاج إلى صبر وجهد لتفهم .

عجباً كيف يفهمها من لا يعرف الأبجدية ولم يخرق بكارة الحروف .

سعُد بدراسة تراث البشرالذين يبشرون بقدوم الثورة على أنغام الموسيقى .

صار لا يغفو إلا على صدر كتاب ولا يحلم إلا بعناق ذات الشفاه المشمشية .

ولن يحزن وإن صاركحبل تخلى عنه بهلوان السيرك .

إقرأ هذا الكتاب

هل أعجبتك الخاتمة ؟

جداً .

 

سردار محمد سعيد

نقيب العشاق بين "أربائيللو" و" إيميسا " .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم