صحيفة المثقف

صوت الرعاع.. ثقافة أم نمط؟

wadea shamekh2من ايِّ عَمامٍ انتَ .. الى ... من ايِّ برجٍ أنتِ؟

الحياة محطات، احلام، رايات منكسرة، مباهج، علاقات، وجود، عدم، حضور، غياب، علاقات لا تنفك عن صيرورة الحياة كواقعة ومرجعية ومثابات للقفز على الموانع المادية والروحية .

الحياة مقوسة تماما وتنحو بسيرها على شكل دائرة لاكتمال دورتها حول نفسها وحول محيطها، وهكذا نحن انعكاس حي لهذه الدورة في استحالاتها وباختلاف مراحلها وتمامها .

.......

حياة الناس افرادا وجماعات إزاء الاندماج بالحياة تتوقف على جملة من العوامل التي تساهم في المشاركة ايجابا ام سلبا، وترسم الخطوط العامة لنمط حياة الفرد والجماعات داخل منظومة الحياة الكلية مجتمعا وبيئة، وما تفرزه من قيم وعلاقات لشراكات قائمة على ديمومة الحياة المتنوعة بالاختلاف .

الحياة ليست وصفة اجتماعية، سياسية، دينية، فكرية مخصوصة ينتهجها الكائن للوصول الى ما يبتغي بمقاييس رياضية صارمة، ولا هي انفلات عن دائرة الحياة الكلية ودورات استحالاتها .

......

 الحياة تكامل ونمو عضوي متوازن بين الفرد والمجتمع، بين المجتمع والبيئة، بين البيئة وكوكب الارض، بين كوكب الارض والمنظومة الكونية الشاملة .. ما ظهر منها وما استتر .

لو نظرنا بهذا الافق الكوني الشامل للدائرة وارجعناها في تصور جديد للدائرة، من أفقها الكوني الى مستقرها الانساني في عقل الفرد سنجد ان الفرد سيتورد باشراقات عالية فكريا وروحيا وهو يتعامل مع المجتمع افرادا والطبيعة بيئة وفضاء.

.........

أما حين نعكس دورة استحالة الكائن في دائرة الحياة من داخل الفرد وخانته الضيقة وحقله المخصوص فكريا وروحيا والمندغم من اخلاقيات الجماعة وافكارها، سنجد عسرا واضحا في تعامل الفرد المدجج بأيديولوجيا مكافحة الآخر المختلف، الجماعات غير المنضوية تحت راياته، الطبائع التي لم يعتد عليها، ادوار استحالات لم يمر بها، لا يستطيع هظمها .

هنا تبرز معضلة الهظم الايجابي والتمثل الصحي للحياة مع آخر ومجتمع وبيئة وكون .

فيأتي انعكاسا مقوسا تماما بقيم فردية خالصة معجونة بعصبية جماعة ما – قومية – اثنية – فكرية – دينية – طائفية ..، لتؤسس جدرانا من الوحشة بين الكائن والمجتمع وتبني جدرانا من القطيعة، لذا تبدو الاسئلة اكثر من وحشية ازاء الآخر .

..........

الفرد الفاقد لحس التنوع المجتمعي والملفوظ من منظومة قيمية منغلقة ، سيكون مرايا عاكسة لظلال العقل الجمعي الذي يمثله وعبدا أجيرا لاسئلتها، وهنا تنشأ ثقافة مريبة حين يبدأ التواصل مع الآخر بهذه الاحادية ..

عندما تنطلق موجهات الفرد للتعايش مع المجتمع بسؤال فردي عن خصلة واحد تشكل عاملا من نسيج جامع ولكنه يعطيها مركزية ومحورية لعلاقته بالاخر . فيبدأ بالسؤال " من أي عمّام أنت ؟" والقصد (من أي قبيلة أنت؟) .. ما هو (انتماؤك) العشائري، ليكون جوابك مفتاحا لرسم الأفق العام للتعامل معك صعودا او هبوطا قيميا !

..........

ليست القبيلة او القومية او الدين .. الخ من الهويات الجزئية الاخرى هي المعضلة في تكامل الكائن في انتمائه لذاته وعلاقته بمجتمعه، بل الخانق حين تكون حاضنة الكائن ودائرته انسانيا ومجتمعيا خاضعة لسؤاله الوحيد وطيفه المديد، فتكون دائرة مغلقة ولها مفتاح واحد .

ولعل من طرائف الامور ان الاسئلة المغلقة عندما تحاول الحوار مع الاخر المختلف ولم تجد جوابا مقنعا تبقى فاقدة لخيط التواصل مع الآخرين لانها أحادية ومبرمجة على منطق الببغاء، وتشمل ثقافة الرعاع، فان كنت خارجا من دائرتهم فسوف تكون مطعونا في هويتك، منبوذا في دائرتك .

......

ولكن الخانق الكبير والفخ الاكبر عندما يمضي السؤال الاحادي لتحدي القيمة معياريا للتعامل مع الآخر سوف يفضي الى جملة من الخسارات المجتمعية، لان الصدأ الذي يتراكم على الاسئلة سوف يزال بأكسير آخر من اسئلة لا تقل نفعية وشخصية عن سؤال الأحادي .. فسوف يجابه المنغلق اسئلة تلائم مزاجه " من أي برج أنت ؟" ليرتبط السؤال الاول بمتاهة آخرى، من القبيلة الى البرج .. تحولات السؤال الخانق للبيئة المجتمعية، الخانق لتعدد الاجوبة، سيتماهى مع سذاجة اجوبة اخرى تمثل الخواء الآخر للحوار الانساني، فبدلا من سؤال القبيلة سيأتي السؤال بنسخته الفارغة من المعنى " من اي برج أنت ؟"

...........

الكون أفق كبير، الكرة الارضية مناخنا وقدرنا، المجتمع عنوان هويتنا الجمعية، الانسان ركيزة الوجود وسر وجوده، الاسئلة بيان جمعي للسير بالدائرة بنسقها الدال على الاستمرارية، وليس بحصرها كخانق واسوار دون مفاتيح .

من سؤال العشيرة، القبيلة، الى سؤال البرج .. متاهة لا يردمها إلا ثقافة تسلق الدائرة بتناوب حر، تسلق الاسئلة بمرح وبراءة دون صرامة .

لكي نستبدل ثقافة الرعاع، علينا فقط التقصي الحر عن وجودنا في دائرة مجتمعية، أرضية، كونية، لنكون فاعلين بالاسئلة، عارفين الفرق النوعي بين السؤال والوجود المقنع في ترس السلحفاة

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم