صحيفة المثقف

قراءة في رواية "اللاز" للكاتب الجزائري الطاهر وطار

anaas alkanoniمن خلال ملاحظة غلاف رواية "اللاز" للكاتب الجزائري الطاهر وطار والوقوف عند غموض عنوانها، تبعث في ذهنك عدة تساؤلات، التي سرعان ما تدفعك إلى قراءة هذه الرواية رغبة في معرفة ماذا تعني كلمة "اللاز"؟ ومن خلال اطلاعنا على أول صفحات الرواية، سيتضح لنا أن "اللاز" اسم لشخصية من شخصيات الرواية، وسيتبادر إلى ذهنا أنها شخصية البطل كون أن الكاتب اختارها عنوانا لروايته، وبلا شك أن هذا العنوان يحمل في طياته دلالات عديدة ومعاني كثيرة، وهذا ما سنكتشفه كلما تعقنا في قراءة الرواية، ف"اللاز" تعني البطل باللغة المجازية، في حين تعني اللقيط عند العامة ممن يحتقرون اللاز، فحديث الكاتب عن شخصية "اللاز" في بداية الرواية جاء على لسان أهل قريته الذين يمقتونه، موضحا أسباب كره أهل القرية له عن طريق وصفه لنا حياة اللاز، بادئا من مراحل طفولته اللعينة التي عاشها مع أمه دون أن يعرف من هو أبوه بداية، فذاقت أمه على يده الويلات، وحتى أهل القرية لم يسلموا من مصائبه، لينتقل اللاز فيما بعد للعمل مع ضابط عسكري للفرنسيين، لكن سرعان ما يتعرض اللاز للاعتقال إثر وشاية به من طرف أحد الخونة، كونه كان ينتمي إلى الإخوان المجاهدين الذين يهربون العسكر من المخيم إلى الجبل، عند اعتقاله ظل أغلبية أهل القرية يمقتونه ويتمنون في قرارة أنفسهم أن يعدم، كونهم قد تربت لهم خلفية أن اللاز رمز للمصائب والويلات، لأنه كان يخفي جانبه الثوري مع الإخوان، وكذلك لارتباطه بأعمال التهريب والمقاومة والجهاد في سرية تامة ضد المستعمر الفرنسي.

فاللاز هو الشخصية المحورية التي تدور عنها أحداث الرواية، وبهذا فهو يمثل شخصية البطل في الرواية، ومن خلال تتبع أحداث الرواية نلاحظ تطور الأحداث بعد القبض على اللاز، لتأخذ  الأحداث بعد ذلك أبعاد عديدة، وتكشف عن شخصيات عديدة مرتبطة باللاز، شخصيات مؤيدة للاز ومرتبطة معه عن طريق النضال وتأييد أفكار الثورة الجزائرية التي تتمثل في مقاومة المستعمر الفرنسي، وشخصيات خائنة مؤيدة للمستعمر الفرنسي، تكره اللاز وتتمنى موته، وهدفها الوشاية بالمقاومين ليتم إلقاء القبض عليهم وإفشال مخططاتهم الجهادية.

 اللاز هذا رجل ثورة بامتياز، حولته ظروف الحياة من عربيد إلى رمز للمقاومة والثورة الجزائرية والصمود في وجه الأعداء، حين تم القبض عليه، أرسل اللاز رسالة مشفرة لقدور حين كان يقتاده العسكر أمام دكانه، قدور أحس بالخطر وفر من القرية لينضم إلى رفاقه بالقرية، وبعدما يضيق الحصار عليهم يفرون إلى الجبل ليستعدوا مجددا للجهاد والمقاومة، فيلتقي قدور بمجموعة من الإخوان المجاهدين، الذين جلهم من الطبقة الفقيرة، ومن معارفه بالمدينة، والذين كانوا يعملون في سرية تامة دون أن يدري بعضهم من الخلية ببعض، اللاز كان واحدا منهم، وكان الكثير منهم لا يعرفون بذلك، زيدان هو أول من عرف بذلك، لأنه هو من قام باستقطابه إلى الخلية بعدما اعترف له بأنه أبوه، وبأن أمه اسمها مريم وليس مريانه، وأنه فر مع ابنة عمه من القرية قبل عدة سنوات حين كان عمره 18 سنة، وتزوج بها ليفرق بينهما الأهل والأقارب.

 كان اللاز يعتقد في قرارة نفسه لمدة طويلة أنه ليس له أب، إلى التقى بأبيه واعترف له بحبه له، فكانت فرحة اللاز بأبيه لا تصدق، وحمو صار عم للاز الذي طالما اعتبره مجرد لقيط، وبهذا صار اللاز من أهل زيدان، وطيلة فترة معاناة اللاز في معتقل الجنود الفرنسين، كان الكل يفكر فيه وينتظر عودته بصبر، وكان اللاز طيلة فترة غيابه حكاية كل الألسن وبطل الثورة الجزائرية، كيف تحول اللاز في فترة من لقيط إلى بطل في أعينهم؟ فالأبطال تلدهم شجاعتهم وإيمانهم بالحرية والانتصار والنجاح دون الخنوع والخضوع لأي  سلطة كلامية أو عسكرية تريد الإطاحة بإيمانهم.

في يحن كان اللاز يفكر كيف يهرب من المعتقل، إذا بإخوانه يدخلون عليه للمعتقل وحرروه من يد العسكر الفرنسي ليعودوا به إلى الجبل، بعد تهريب اللاز، استعاد الجزائريين نفسيتهم من جديد واستعدوا للمقاومة، وانضم الكثير منهم إلى الحرب التحريرية، ليضع  اللاز حياته وتجربته كلها تحت تصرف الثورة التحريرية، مع العلم أن التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني كان خياره الشخصي النابع من نزوعه الثوري الذي كان منطلقه الشيوعية، والذي كان يدفعه به الى الأمام ويمنعه من خيانة وطنه.

 لقد لقي زيدان حتفه في نهاية الرواية إذ اغتيل رفقة جملة من أصدقاءه بسبب أفكاره الشيوعية التي رفض التخلي عنها، بالمقابل أصيب اللاز بصدمة كبيرة بعد موت أبيه، وهو لا يتذكر من خلالها سوى عبارة بقيت ثابتة في رأسه قد حفظها من أبيه "ما يبقى في الوادي غير أحجاره"، هذه هي كلمة السر بين الإخوان طيلة فترة نضالهم، وهذا المثل يحمل بدوره خلفية سياسية قوية المعاني كدليل قاطع على حتمية نجاح الثورة الجزائرية وبقاء الجزائر للجزائريين الأحرار. داخل أحداث الرواية نكتشف شخصيات أخرى كان لها دور نضالي لا يقل أهمية  عن اللاز، كشخصية حمو و هو أخ زيدان البطل الذي يجد نفسه يتحول من معلم بسيط للقرآن الكريم الى العمل في كهف ضيق وسط الدخان يصارع الفرن لتسخين ماء الحمام، وداخل هذا النمط الاجتماعي المتشابك والمرهق بعذابات وآلام المستعمر الفرنسي، ما كان هناك سبيل للانتصار سوى الثورة كطريق للخلاص من تلك المأساة التي كان يعيشها الإنسان الجزائري إبان الاستعمار والاستغلال الفرنسي البشع، لقد صار حمو يتحدث بلسان أخيه مرددا كلامه لجميع الناس حيث بات يؤكد على ضرورة الالتحاق بالفدائيين للتخلص من حياة العذاب.

 ما يلفت انتباه القارئ وهو يقرأ الرواية هي بدايتها التي ترتكز على شخصية الربيعي الذي يكون واقفا لاستلام المنحة الشهرية الخاصة بابنه قدور الشهيد حيث يتذكر من خلاله النضال الثوري بأفراحه وأحزانه وكأن الكاتب يشير الى واقع الشهداء الجزائريين الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الحرية والحصول على الاستقلال وطرد المستعمر الفرنسي من بلادهم. إلى جانب ذلك حرص الروائي الطاهر وطار من خلال شخصية زيدان وأصحابه على غلق كل الأبواب في وجه الاستعمار الفرنسي، كما اتخذ الروائي من بعض شخصياته الأخرى مادة دسمة للسرد انطلاقا من الظروف الاجتماعية التي يغمرها العوز والفقر والبؤس، لتكون قوى محركة للمشاركة في المقاومة والنضال والجهاد في سبيل إرجاع الحقوق المهضومة وتحرير الوطن من المستعمر الفرنسي.

 قبل أن نختم هذه القراءة البسيطة لرواية "اللاز"، لا يسعنا القول إلا أن الروائي الطاهر وطار استطاع بقدرة فنية  وأسلوبية رائعة لا تخلو من عنصر التشويق، وبأسلوب إبداعي مميز عن غيره في تصوير ذلك الإنسان المقاوم المرتبط بهويته ووطنه والذي لا تخلو نفسيته من الآلام والأوجاع المعيشية، المرتبطة بحقها في الحرية والحياة، ويظل طيلة حياته يحلم بغد أفضل ووطن تسود فيه الكرامة والحرية والمساواة.

فرواية اللاز هي رواية مشوقة تبرز حبكة عالية للروائي الطاهر وطار، وهي سهلة الفهم بالنسبة للقارئ، فبنيتها الأسلوبية والسردية تجعلنا نصنفها من أهم الرواية التي يجب قراءتها ودراستها، كونها تعتبر رواية تاريخية أكثر من كونها واقعية تعالج واقعا معينا في ظرفية تاريخية استعمارية من طرف المستعمر الفرنسي، فهي تحمل في طياتها مجموعة من القيم الإنسانية من قبيل الحرية والهوية الوطنية، والديمقراطية والمساواة، الكرامة والإيمان بالنجاح والانتصار.. كما تعتبر طفرة تغيير وتحول في المسار الكرونولوجي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الجزائري، إنها بمثابة ثورة إبداعية جديدة في مسار الأدب الجزائري.

 

أناس الكنوني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم