صحيفة المثقف

نبذة عن رواية: رأس الرجل الكبير للكاتب عدنان فرزات

anaas alkanoniرواية "رأس الرجل الكبير" للروائي عدنان فرزات، تدور أحداثها حول قضية الثراء المفاجئ وغير المشروع الناتج عن المتاجرة بالتاريخ وتزويره، وظهور طبقات فاسدة في المجتمع السوري، كما أنها تشير إلى الشرارة الأولى لاندلاع الثورة السورية، وتشير كذلك إلى أصحاب المبادئ المزيفة، والأحزاب السياسية الهشة اللاهثة وراء مصالحها، كأنها تريد أن تكشف لنا مؤامرة تحك في الخفاء حول الموروث التاريخي للبلاد، وكيف يتم التلاعب بتاريخ البلاد مقابل فحش الثراء، والحصول على المناصب العليا، وخدمة العصابات وحمايتهم، إنها تكشف لنا وجها متخفيا للدكتاتورية السائدة في بعض البلدان العربية، ومن بينهم سوريا، والتسلط القائم من طرف أرباب الأعمال، أو التجار الكبار المتحكمين في الأسواق، والذي يحصلون على أموالهم بطرق غير مشروعة، ضاربين بكل القيم والمبادئ التي أسست منذ قرون عرض الحائط، إن الكاتب عدنان فرزات من خلال روايته هذه، يحاول ما أمكن تسليط الضوء على قضايا الفساد المجتمع السوري، ويربطه بالثورة السورية، محاولا أن يفهمنا بأن الفساد الذي عم في معظم القطاعات بسوريا، وعلى راسهم قطاع التجارة، هو السبب الرئيسي في اندلاع المظاهرات بسوريا، كون أن المجتمع السوري لم يعد يطيق العيش في العبودية والمتاجرة بأعراضه وتاريخيه ومبادئه وإنسانية، فقد ثارت حفيظته قضايا الفساد التي كثرت، والتي سببها الرئيسي الطبقة الغنية التي تنعم في ثراء جنته من حقوق الفقراء، حيث باعت واشترت في كرامتهم، وأعراضهم.

تأخذ أحداث الرواية شكلا عكسيا في السرد، فالسارد يبدأ بالحكي من أخر فكرة وصل إليها، ويعد لنا الشريط الزمني، فيحكي لنا عن المراحل التي قطعها بطل الرواية السيد "صهيب" حتى أصبح ثريا، فالسيد صهيب أصبح يخصص أسبوعا للفقراء في كل سنة من شهر أيلول، فيأخذ معه مبلغا كبيرا ويوزعه على الفقراء الذين يصادفهم في ذلك الأسبوع حيث كان يقيم عندما كان طالبا فقيرا، فيقضي هنالك أسبوعا كاملا بين جدران منزله الصغير، وينفق مبلغا كبيرا على الفقراء دون أن يفشي هويته لأحد، ليعود أدراجه إلى قصره في منطقة الشهباء بعد مضي المدة، حيث يقيم مع زوجته وابنتيه فلا يسمع هناك أنين الفقراء، رغم أنه من الأثرياء الباذخين إلا أنه لا يتوقف عن تأنيب ضميره، كون الثراء الذي يعيش فيه الآن حصل عليه بطريقة غير شرعية، فصار كل يوم يفكر في طريقة للتكفير عن الذنب الذي اقترفه، والذي لا أحد يعلم به غير صديقه عادل.

يتميز صهيب بموهبة فريدة في النحت والرسم، والتي بها كان يكسب قوت يومه ويسدد نفقات دراسته بالجامعة، فكان يبيع كل منحوتاته بسوق في قلب حلب، وعن طريق ذلك تعرف على تاجر كبير من تجار حلب الذي يدعى "السبع" والذي عرفه عليه أحد معجبيه، فعرض السبع على صهيب العمل معه من أجل التنقيب عن رأس تمثال، معروف بين التجار باسم "رأس الرجل الكبير"، فكان اختياره لصهيب نظرا لموهبته الفريدة في النحت، إضافة إلى أنه ينتمي إلى نفس القرية التي سيتم التنقيب فيها، والتي اسمها "تل مارديخ"، وهذا سيسهل عليه عملية التنقيب، كون أن لا أحد من القرية سيشك فيه.

عادل هذا الأخير الذي سيصير صديق صهيب، لا زال يتذكر بحفاوة أيام النضال، ويتذكر مع ذلك قصة "سمور الطبال" الذي كان معروفا بنضاله ومظاهراته، وإن كان لا يفقه شيئا في السياسة، إلا أنه كثيرا ما يرفع شعارات يحفظها دون أن يعرف مغزاها، والتي تسببت في اعتقاله لثلاث مرات، وكثيرا ما كان يتفاخر سمور الطبال بماضيه النضالي ويهين المناضلين القدماء، ويستهزئ بتاريخهم النضالي، مما سيدفع "أبو جمال" الذي كان يعرف تاريخه جيدا إلى أن يفشي سره الذي يتضمن حقيقة المخادع الذي يدعي أنه مجرد ضحية ولكنه في الأصل مناضل كبير. عادل إضافة إلى هذا كله لا زال يتذكر حبيبته المسيحية "رولا" التي طالما أعجب بها كثيرا، فيلقي نظرة على مدينة حلب التي تتغير مع السنين، لا زالت كما عرفها من قبل، لم تتغير ملامحها.

صهيب كان مترددا كثيرا بين أن يقبل عرض السبع أو أن يرفضه، وظل مدة وهو متردد قبل أن يستشير صديقه عادل في الأمر، عادل الذي نصحه بعدم العمل مع "السبع" كون أن العمل الذي سيقوم به فيه مخاطرة كبيرة، وهو يخالف الشروط القانونية والشرعية، إضافة إلى ذلك فهو يعد متاجرة بتاريخ أجداده وبأناس مدنيين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، إلا أن صهيب كان من البداية مصمما على هذا العمل مقابل حصوله على الثروة، أوقف صهيب دراسته لمدة عام كامل حتى يستطيع البقاء في القرية ويمارس مهمة البحث والتنقيب عن راس التمثال، وفي خضم تعب الحفر زاره رجل من رجال السبع ليتفقد أحوال التنقيب والبحث وليطمئن على سير أمور التنقيب على ما يرام، وهو من الرسامين البارعين الذين غادروا المدينة من فترة طويلة نحو القرية.

بعد تنقيب دام لمدة وجد صهيب أخيرا رأس التمثال، إلا أنه بقي مترددا في إعطاءه للتاجر السبع، ففكر في طريقة يخفيه بها عنه ويسلمه للساهرين على الآثار، وإذا بالرسام قد أتى على غفلة فاستطاع في الحين أن يعرف من صهيب بأنه عثر على رأس التمثال، فأخبره صهيب بنواياه، وأنه لا يرغب في تسليمه إلى تجار الأثار، بعدما سرد له صهيب كل شيء وافقه الرسام الرأي، ففكرا في أن يصنعا نسخة مشابهة لذلك الرأس، حتى لا يتعرض أحد منهم للأذية أو غير ذلك، وإثر ذلك سافر صهيب ليحضر الأدوات اللازمة لأسعد حتى يضع صورة مشابهة لرأس التمثال، وبتلك النسخة المزيفة تم وضع مقلب للسبع، بجعله يسقط من يديه أمامه ويتكسر، وعند ذلك قبل أن يكون للسبع ردت فعل، وصلت الجماهير الشعبية محتجة. وبهذا الحدث يختم الكاتب روايته بهذه دون أن يفصل فيه أكثر.

رواية "رأس الرجل الكبير" لعدنان فرزات من الروايات التي تستدعي أكثر من قراءة متأنية لفهمها، وللغوص في مضامينها، كون أنها تحمل إيحاءات لا حصر لها، فهي مادة أدبية خصبة تعالج مواضيع راهنة، منفتحة على الثورات العربية، وعلى الديكتاتورية العربية، وعلى التسلط العربي، وعلى المتاجرة بأعراض الناس وتاريخهم، دون رأفت أو ضمير، فأسلوبها السردي ممتع وشيق إلى حد كبير، يجعل كل من يقرأها لا يمل منها ويتوق إلى معرفة نهاياتها وأبعادها وخصوصياتها، وحمولتها الفكرية والمعرفية، إلا أنها تترك النهاية مفتوحة للمتلقي ليملأها بما يناسب، كأنها بهذا تريد أن تشارك القارئ في بناء متنها السردي، وملئ البياضات بما يناسب.

 

أناس الكنوني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم