صحيفة المثقف

آل سعود هل هو السقوط صوب الهاوية؟ (1)

في هذا المقال نحن لا نتحدث بلسان حالنا، وإنما نقوم برصد بعض وجهات نظر الشعوب العربية والإسلامية نخبة وعوام تجاه آل سعود، وسوف نتجنب كل أشكال التهريج والشعبوية والشتم والسباب والخوض في الأعراض . وعليه نقول بأن الشيء الملاحظ هو أن الكل يتفق - وبصورة شبه كلية - على أن آل سعود قد فقدوا عذريتهم الأخلاقية والتي تمنحهم شرعية البقاء في السلطة، ومعها فقدوا الحاضنة الشعبية والتي هي بمثابة الماء للسمكة، أو قل هي الحبل السري للجنين ومتي قطعا، كان الموت المحقق للإثنين . ولأجل كل هذا فهناك من يرى بأنهم قد تحولوا، إلى مجرد متغلبين وغاصبين للحكم، ومحتلين لأرض شبه الجزيرة العربية، وهذا ما تقوله الكثير من الألسن همسا أو جهرا .

وقد نتفق مع كل هذه الأحكام أو مع بعضها، ولكن الشيء المؤكد هو أن شعبيتهم ومنذ العقود الأخيرة وخاصة في السنوات القليلة الماضية قد عرفت نزيفا حادا، وهذا الأمر أصابها وأصابهم في مقتل . ولم يبق من حولهم وكما يقول منتقدوهم دوما، سوى مجموعات من المرتزقة، والمنتفعين والانتهازيين والوصوليين المتملقين، والذين يعملون عمل الأبواق في الميدان الإعلامي والديني والسياسي والاجتماعي . وهذه لأبواق نجد بأن ولاءها ليس للفكرة وللأيديولوجيا، وهذا لكون آل سعود، وكما يقول خصومهم نقول هذا ونكرره، لا يملكون أصلا أي مشروع فكري أو حضاري أو سياسي – ولا مشروع مجتمع حديث يواكب روح العصر، ويدخل السعودية في قلب الحداثة . وهذا الأمر بحاجة إلى دراسة أكاديمية شاملة ودقيقة وصارمة، ولا يمكن مناقشته في هذه العجالة -، ولهذا فولاء تلك الأبواق في البداية والنهاية لهو لدفتر شيكات آل سعود ولمن يدفع أكثر منهم أو من أعدائهم . وهم في معظمهم أي هؤلاء الأبواق ما هم إلا عيون للأخيرين، وخاصة لإسرائيل وهذا لأهداف معروفة للعام والخاص .

نعم إن آل سعود لا مشروع دولة أو مجتمع لهم وقد يصدق هذا الحكم أو قد يخطأ، ولكن هناك من يرميهم بكل ما هو سلبي وقبيح وسمج . وهذا خاصة في ظل ما يرى ويسمع عنهم، وبالدلائل الموثقة صورة وصوتا . وانطلاقا من هذه الدلائل فهناك شرائح واسعة في العالمين العربي والإسلامي، ومن بعد افتضاح ما كان مستورا . أصبحت لا ترى في أمراء آل سعود سوى مجموعة من الكذابين والمنافقين . ومجموعة من الأوباش المدمنين على ارتياد المواخير الحقيرة، واللاهثين وراء المومسات والشواذ، وكل أنواع الشرور والخطايا . وعليه فقد أصبح الكثير يعتبرهم مجرد شلة من المنحرفين، والذين هم بحاجة إلى إعادة التربية . ومكانهم الذي يليق بهم هو الاصلاحيات وليس القصور، أو مجالس صنع القرار، والتحكم في رقاب الناس . وفي أقل الحالات ما هم إلا مجموعات من السفهاء يجب الحجر عليهم، وهذا انطلاقا مما هو موثق صورة وصوتا . نعيدها ونكررها هذا ليس مقال لسان حالنا نحن، وإنما ما يقوله الشارع العربي والإسلامي عنهم، وخاصة ممن كان مقيما في الغرب ولا يخشى رد فعل آل سعود، وإن كنا نرى في بعض هذه الأحكام التحيز واللاموضوعية وهدفها التشهير، أكثر من تحرى الحقيقة، فالصالح والطالح في كل مكان وزمان وفي كل أسرة وعائلة، ولا يمكن التعميم أبدا، وهذا الكلام نراه أقرب للقذف وللشتم منه للنقد الموضوعي، وعلينا أن نحفر عميقا في خلفياته لنحرى الحقيقة حتى لا نظلم أحدا .

ولكن ومن جهة أخرى هل حقا آل سعود قد فقدوا كل شرعية للبقاء في الحكم، أو هم لا يملكون أي مشروع أو فكرة، يجعل وتجعل الناس أوفياء لهم ويلتفون حولهم؟ . خاصة وأن دولة آل سعود لم توجد لتجسيد مبادئ الحكم الرشيد أو لخدمة الشعب، وإنما هي مقامة لتحافظ على حكمهم وامتيازاتهم، شأنهم شأن جل أنظمة حكم العالم الثالث . وهنا آل سعود لهم أمام تحدي كبير، وبقاء حكمهم مرهون بمدى قدرتهم على الاستجابة لهذا التحدي، بتعبير المفكر البريطاني أرنولد توينبي . أو هم وكما يقول فلاسفة التاريخ، ما عادوا النخبة المبدعة والخلاقة . والتي هي بمثابة القاطرة التي تجر خلفها باقي فئات المجتمع الأخرى، وهذا لعجزها عن الابداع وبمختلف أبعاده، ولهذا فقد فقدت شرعية قيادتها للمجتمع .

ولعل ما أسقط آل سعود من عيون الناس، لهي تلك التصريحات غير المسؤولة من قبل بعض ملوكهم، والتي تبدو تافهة أو هي تشي بعمالة واسترضاء لمراكز صنع القرار العالمي، كما يقول خصومهم، وفي هذا الصدد يجد البعض بأنه لمن المضحكات المبكيات . مثلا أن يخرج علينا يقول الشارع العربي، ملك سعودي ويخبرنا بأن عودة الفلسطينيين إلى بلادهم لن تحدث، إلا إذا رجع الهنود الحمر إلى أمريكا . ويا له من قياس مغالطي، إما أن صاحبه جاهل أو هو يتعمد ما قاله . وفي كلتا الحالتين، فهو قد أجرم في حق القضية الفلسطينية العادلة جرما لا يغتفر . ووقف إلى جانب الظالم وضد العدالة، وارتكب في حق الجميع خيانة يستحق أن يحاسب ويعاقب عليها . خاصة وأن زوال إسرائيل لهو حتمية تاريخية وواجب أخلاقي وضرورة إنسانية يقول المعسكر العارض لوجودها . وهذا الموضوع ليس مجاله مقالنا هذا، ويمكن العودة له في موضع آخر . ولهذا فإن الشارع العربي والإسلامي وحتى أحرار الإنسانية، قد أصيبوا جميعا بصدمة من هذا التصريح والذي يبدو أخرقا . والكل يتساءل، هل الصهاينة الذين اغتصبوا فلسطين وشردوا أهلها قد دعاهم أحد للمجيئ من أوطانهم الأصلية ليغتصبوا فلسطين ؟ وكيف يتباكي يقول البعض، هذا الملك وبصورة مذلة وخانعة على مصير حفنة من الصهاينة ويتناسي عن عمد مصير شعب بأكمله، شرد كما لو كان بشرا دون البشر، وقطيع من الكلاب الضالة . ولئن هو يتباكي عليهم فليرجعوا من حيث أتوا، خاصة وأن معظمهم يمتلك جنسيات أوروبية وأمريكية وأخرى متنوعة ومتعددة . ثم ألم تستقبل ألمانيا لوحدها في العامين الماضيين أكثر من مليونين من اللاجئين، وكم هم صهاينة فلسطين أليسوا ستة ملايين فلتستقبلهم دولهم، ولينتهي المشكل فأمريكا وكندا وأستراليا لوحدها لهي دول قادرة على استيعابهم جميعا . هذا أولا وثانيا ألم يكن في الجزائر عشر سكانها من المعمرين المغتصبين ألم يعودوا إلى أوطانهم، ورجعت الجزائر إلى أصحابها الحقيقيين . وأين هم الغزاة من الصليبيين في بلاد الشام، ألم يعودوا من حيث أتوا، وهم من اغتصب المنطقة ولحوالي قرنين من الزمن، ومن قبلهم الرومان وغيرهم كثيرون ؟ . أم أن المنطق هنا هو تجسيد لما قاله ألبير كامو وهذا عندما سئل، فأجاب بأنه في حالة الاختيار بين أمه والعدالة، فإنه سوف يختار أمه . ولهذا فإن البعض يلمز بأن هذا الملك من آل سعود، قد اختار بالفعل أهله على حساب العدالة . وهذا اللمز مرفوض، لاعتبارات سنذكر بعضها في جزء لاحق من هذا المقال، لأن الأصح محاسبة الناس انطلاقا من أفعالهم وليس انطلاقا من ألوانهم أو أجناسهم .

كما يرد آخرون على ما قاله ذلك الملك السعودي، من أنه وحتى الاحتلال الإسباني القشتالي لأراضي الأندلس التاريخية، وعلى الرغم من مرور خمسة قرون على سقوط غرناطة . إلا إن هذا الاحتلال قد بدأ يتراجع وفي كل يوم نرى عملية احياء جديدة، وما هي إلا مسألة وقت وتعود الأمور كما كانت . فما بالك بفلسطين التي لم يبرد دم شهدائها بعد . وهنا يكمن جهل الحكم السابق الذي أصدره ملك آل سعود، فهو ينظر إلى الأمور بسطحية الجهال والجبناء يردف آخرون وإن اختلفت ألوان طيفهم، لا ببعد نظر الحكماء والعقلاء، ولهذا فهو يرى الظاهر فيبدو له، وكأنه الحقيقة السرمدية الباقية . ولكن العارف بخبايا التاريخ وبالآليات التي تحركه يعرف النهاية الحتمية لكل كيان غاصب ومحتل .

والمشكلة الكبيرة الأخرى في آل سعود وكما يقول آخرون، لهي النفاق وبمختلف أبعاده، وخصوصا النفاق السياسي والأخلاقي والاجتماعي . فآل سعود ينطبق عليهم حديث النبي محمد والذي جاء فيه: " إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ". ونحن هنا لا ننطلق من منطلق ديني بقدر ما يهمنا الاستدلال، وبغض النظر إذا ما كان محمد نبيا أم لا . ولكن ما قاله لهو عين الصواب وها هو الغرب ككل ينتبه إليه، ولهذا فالعدالة فيه مستقلة ومقدسة وفوق الجميع . وهذا ما لا نجده في دولة آل سعود ففيها قانون الغاب هو السائد، وليس فيها هي فقط وإنما في كل دول العالم الثالث، والتي تشاركها وضعية التخلف عموما . نعم ما هو موجود في دولة آل سعود، لهو العنصرية ولا مجال للحديث عن حقوق الإنسان هناك، فكيف يكونوا أوفياء يتساءل البعض لتعاليم دينهم أو الوصاية عليه وخدمة أماكنه المقدسة، كما يزعمون وهم أول من داس على تعاليم القرآن ومحمد ؟ بحيث يوظفونها بصورة انتقائية وفق ما يخدم مصالحهم، يقول معارضوهم دوما .

وكيف لا يكون نفاقا وهم يعاقبون الضعيف على كأس خمرة، وفي نفس الوقت يغضون الطرف على أمرائهم الذين يسكرون ويعربدون، وبالصورة والصوت مع كيسنجر، ومع رؤساء أمريكا المتعاقبين على البيت الأبيض . أمّا في باريس، وفي باقي العواصم الأوروبية الأخرى، فهم يصنفون مع زمرة المنحرفين يقول معارضوهم دوما، وهذا بناء على تصرفاتهم هناك . فكيف لمثل هؤلاء أن يحموا مقدسات المسلمين وينتصروا للحق وللعدالة ؟ . وهذه كلها أسئلة مشروعة، وعلى آل سعود أن يجيبوا عليها، خصوصا وأن آل سعود يستمدون شرعية حكمهم من المقدس، وإن لم يشهد لهم فقل عليهم وعلى دولتهم السلام . والمشكلة هنا ليست في شربهم للخمرة، وإتيانهم للمومسات فهذه حياتهم الشخصية، وهم أحرار وليعيشوها وكما يريدون . ولكن المشكلة لهي في النفاق، ولبس لبوس المسيح والقديس الفاضل والطاهر، ونسوا بأنه يمكن الكذب على الناس بعض الوقت، ولكن ليس كل الوقت . كما نسوا بأن الناس على استعداد لكي يغفروا للسفيه كل خطاياه، ومهما عظمت ولكنهم لا يغفرون أبدا لمدعي الفضيلة، فمصيره السقوط الحر والانتحار مرة واحدة، وهذا ما يحدث مع آل سعود .

 

بن امهيدي / الطارف / الجزائر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم