صحيفة المثقف

هلوسة الشهرة وحب الثناء

khadom shamhod2(من رامى وصل الشمس حاك خيوطها – سببا الى آماله وتعلقا . / حافظ ابراهيم) من كرامة الانسان وارتفاع الهمم هو الوصول الى اسمى معاني الاخلاق و تحقيق الامل في بلوغ البعيد عن طريق تعب الاجسام والروح .... وقد جدت في الثقافة الاسبانية من الامثال ما يشابهها في الثقافة العربية . مثلا ان الرجل يخلد بثلاثة امور: ولد صالح، زرع شجرة،و علم ينتفع به الناس . نفس هذا المفهوم نجده عند المسلمين : ولد صالح، علم ينتفع به الناس وصدقة جارية كبناء مدرسة او ملجئ للايتام .. هذه المفاهيم الانسانية التي كانت ولا زالت تعتبر من القيم الاخلاقية والجمالية عند الناس سواء كانت في اوربا او العالم العربي وهي المعيار لتقييم سلوك الناس وسمعتهم .

حب الشهرة داء يفتك بصاحبه

اليوم اصبح هاجس الشهرة يطارد كثير من الفنانين والادباء والمثقفين واصبح مشهد ممل ومكرر تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات .. فحب الشهرة من اجل الذات والعمل على طلبها يصفها القرآن كالباحث عن الماء في السراب (يحسبه الظمآن ماءا حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ..) .. ويشخص علماء النفس هذه الظاهرة الى عقد نفسية سلوكية اجتماعية متاصلة بالتكوين النفسي للفرد كما يذكروا ان حب الشهرة داء يفتك بصاحبه قبل غيره وانه حب للذات ..و والمتابع الى مواقع التواصل الاجتماعي يرى اليوم ظاهرة تكرار نشر الصور الشخصية او العمل الفني بطريقة مملة حد الازعاج و.. وكأنه اسطورة فريدة نازلة من السماء .. هذا الاعجاب الشخصي وحب الشهرة يحول المرأ الى شكليات ومسرحيات يخادع بها نفسه والآخرين . فالشهرة عندما تصبح غاية في ذاتها تصبح نفاق وخداع وكذب، فليس كل من سلك هذا الطريق ناجحا وليس كل من كان بعيد عن الاضواء فاشلا ..

 في عام 1968 تنبأ الفنان الامريكي اندي وارهول بانه في المستقبل كل شخص في العالم سيكون مشهورا خلال 15 دقيقة .. 15 minutes of fame . وفعلا هذه النبوءة تتحقق اليوم من خلال وسائل الاعلام، ولكنها ظاهرة قصيرة الزمن مقارنة بمشاهير فناني العصور القديمة الذين قضوا كل حياتهم في الرسم والاكتشافات والاختراعات الجديدة دون ان يكون في بالهم طلب الشهرة بقدر ما كان همهم الفن ولهذا خلدتهم اعمالهم .

ولكن اليوم اصبحت الشهرة تباع وتشترى كأ ى بضاعة اخرى ومن خلال عدة دقائق كما اشار الى ذلك- اندي وارهول - ولهذا يجب ان نفرق بين الفنان او الاديب او الشخص وبين الشهرة او السمعة، فالشهرة شئ والفنان شئ آخر، فهناك فنانين وادباء مرموقين لم ينالو الشهرة وهناك رسامين نالوا الشهرة ولكنهم ليسوا بفنانين ولا ادباء .. فالشهرة او السمعة ممكن ان يكسبها ويحصل عليها اي شخص، سواء كان فنانا او غيرة وبطرق مختلفة وكثيرة ..

بعض الفنانين اشتهروا بعد موتهم:

الفنان الهولندي فان كوخ 1853-1890 اشتهر بعد موته بعدة سنوات عن طريق اخوه تيو-Teo ولم يبع في حياته الا لوحتين او ثلاث وكانت حياته مأساوية وكان يكتب رسائل لاخيه باستمرار يعبر فيها حياته وبؤسه وعن جمال الفن وبداعة الخلق (اصلي واعمل) وقد جمعت هذه الرسائل بعد ذلك ونشرت بستة مجلدات . ثم اصبح قان كوخ اليوم احد مرجعيات الفن الحديث . (لن ينتهي البؤس أبداً…وداعاً يا ثيو، سأغادر نحو الربيع ..)

الفنان الاسباني خوان غريس 1887-1927 كان يشكل احد رموز المدرسة التكعيبية الى جانب بيكاسو وبراك،.. وفي اسبانيا لم يشتهر الا عام 1980 حيث قامت له حملة اعلامية كبيرة من قبل المتاحف وتجار اللوحات والمؤسسات الثقافية وغيرها .. مما ادى الى صعود رقم شهرته و سمعته وبالتالي احتلت اعماله متاحف العالم كاسبانيا ونيويورك وباريس والمانيا ولندن وغيرها وو صلت اسعارها الى ارقام خيالية مثل لوحة - القيثارة - التي وصل سعرها عام 2010 الى 28،6 مليون دولار –violón et guitare - ولهذا نرى ان هذين الفنانين قد اكتسبا شهرة وسمعة بعد وفاتهما من خلال اعمالهم المميزة والفريدة والتي في الحقيقة هي التي منحتهما الشهرة.

موقف الدين من الشهرة

في مفهوم الدين ان طالب الشهرة مذموم والمؤمن مخبت متواضع وان ما يفسد المرأ بعلاقته مع ربه هو حب الشهرة والمال والسلطة (من استطاع منكم ان يكون له خبئ من عمل صالح فليفعل) وذكر ابن خلدون بان (الناس مولعون بحب الثناء ... وكثير من اشتهر بالشر وهو خلافة وكثير من تجاوزت عنه الشهرة وهو احق بها ..) وورد في ادبيات المتصوفة (.. ادنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى به بلية ..) .. (فلتكن اعمالكم تسبق اقوالكم) وهذا هو منطق الخلود والجمال في نظر الدين . فالشخص يخلد وينال السمعة بعمله النافع كالشجرة الطيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين ... . تحياتي

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم