صحيفة المثقف

هيبة المدرسة من هيبة المعلم .. تعنيف المعلمين الحلقة المفرغة !!

hamid taoulost2العنف والشدة والقسوة، ضد الرفق واللين. ويمكن أن يكون فرديا كما يمكن أن يكون جماعيا، وهو عند علماء النفس سلوك شاذ مشوب بالقسوة والعدوانية والقهر والإكراه، وفي معجم اللغة العربي هو معاملة الآخر بشدة وقسوة، وهوفي جميع أحواله، سلوك بعيد عن التحضر والتمدن، تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثمارا بدائيا كالضرب والتقتيل للأفراد (اغتصاب الأطفال والنساء) والتكسير والتدمير للممتلكات (العبث بالملك العمومي من حدائق ومعدات عمومية، وتكسير التلاميذ للطاولات وأبواب الأقسام والمراحيض) واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره (الاستعمار بكل أشكاله الظاهرة والمبطنة). وقد بدأ العنف يتطور مع تطور وتعدد أشكال وأنماط الحياة الاجتماعية وبروز العلاقات الاقتصادية المعقدة والمتشابكة، ويأخذ أبعادا تتجاوزت الحدود النسيطة المقبولة والمتعارف عليها، وتتجه أشكاله من العفوية والبساطة إلى التنظيم الذي يتميز بالذكاء والدقة والتخطيط والإعداد، هذا التطور المخيف فرض علي اليوم الخوض في موضوع نغص على الناس حياتهم، بما يروج في الآونة الأخيرة حوله، من أخبا رجال التعليم الذين تعرضوا للعنف بكلّ صنوفه الخطيرة، وأشكاله الهمجية، التي تمت في الغالب بسبق الإصرار والترصّد، على يد تلامذة كان من الفروض فيهم احترام مربيهم.

كم هو مؤلم ومؤرق أن يصبح تعنيف هذه الفئة ظاهرة تشق طريقها في بلادنا للتوسع والانتشار، فلا تطالعنا الجرادة  والمدونات و الموقع الايلكترونية، ولا تسمعنا الإذاعات و التلفزات، إلا أخبار تعنيف معلمين في هذه المدرسة وآخرين في تلك المؤسسة، لا فرق بين الإعدادي منها والثانوي وربما حتى الابتدائي..

والأكثر إيلاما من ذلك هو السكوت عن الكثير من حالات الاعتداء، وعدم الإفصاح عن وقوعها، في ظل أجواء تواطؤ سافر مع الاستبداد السياسي، والتشدد الديني، والتخلف الاجتماعي، ضد المبلغ عنه من الاعتداءات وقلة اتخاذ الإجراءات المحددة والصارمة التي تناسب أثر الأذي الجسدي والنفسية التي لحقت بالمعنف، لأن المشكل لا يتوقف على الحدث مجردا عن تبعاته وأثاره الوخيمة على المعلم -إن هو سَلِم وأمدّ الله بعمره – بل تتعدى نتائج ذاك العنف المادي والمعنوي، إلى المنظومة التعليمية بكاملها، وذلك بتحويلها المعلم المعنف إلى إنسان سلبي تلازمه العقد النفسية ويصبح انطوائي و شرس في تعامله وتغشاه الكآبة والوحشة وانعدام الثقة بالنفس والآخرين،ما يشل الحركة الإبداعيه في المجال التعليمي، ويبطئ مسيرة تطويره، ويمنع البلاد من تجاوز تخلفها ..

أمام كل هذا الخطر المحذق بالمنظومة التعليمية ورجالها،وجب على الجميع الوقوف لحظة تأمل في هذه  الظاهرة المشينة بكل أشكالها  ومناقشة الحلول الممكنة بجدية، للحد غلوائها، والتفكير في تأسيس مراكز بحثية متخصصة في دراسة العنف ضد المعلمين، وتكثيف الأبحاث حول سوء معاملتهم، حتى يتم الحصول على قاعدة بيانات ملائمة تمكن من إعداد استراتيجية ناجحة لحماية هذه الفئة من العنف.  إضافة إلى تأسيس وحدات اجتماعية ونفسية مختصة داخل المؤسسات التعليمية وتدريب كل المعنيين بقضايا التربوية على معالجة الحالات المتعلقة بالعنف وسوء المعاملة داخل المؤسسات، وتخصيص برامج رصد الأدوار المختلفة للمعالجة والتوعية، التي يتم عبرها تشخيص المشكل بشكل علمي دقيق ومتكامل مبني على دراسات واعية ذات أهداف واضحة، في تثقيف المجتمع وتوعيته بحقوقه وواجباته التي كفلها له الدستور ومواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان الملزم على الدولة تفعيلها وإنفاذها، وجميع ما سبق وغيره كثير، يحتاج إلى منظومة تعليمية سليمة وبيئة مناسبة وتشريعات جديدة،أو تعديل القديم منها على الأقل، لمواجهة الظاهرة، التي كانت بالأمس تتمثل في النزاعات البدنية التي تحدث بين التلاميذ بمختلف فضاءات المدرسة، كبابها وساحتها ومراحيضها، فإنتقلت اليوم إلى داخل الأقسام، وأصبح المستهدف بها هو المعلم، الذي أصبح يسحل أمام تلامذته بكيفية ملفتة للانتباه .

حميد طولست

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم