صحيفة المثقف

رسوم كهوف التاميرا في اسبانيا

khadom shamhod2كانتابريا Cantabria   هي احد الاقاليم الاسبانية التي تقع في الشمال على شواطىء بحر كانتابريا. ومن اشهر مدنها سانتاندير Santander . وتشير المعلومات من علماء الاثار بأن هذه المنطقة تعتبر من اقدم المستوطنات التي استقر فيها الانسان الاول ويستدلون على ذلك بكهوف التاميرا المشهورة والتي لازالت رسومها البدائية محفورة على الجدران .

يذكر علماء الدراسات الانسانية ان هناك ثلاثة مواقع جغرافية لفن الانسان البدائي  وهي  1- مجموعة كانتابريا الفرنسية .. 2- مجموعة كانتابريا الاسبانية 3 – والمجموعة الافريقية الشمالية وكذلك رسوم البوشمان في روديسيا الجنوبية .. وتحدد تواريخها ما بين  30،000 الى 10،00 ق م – واشهرها واهمها هي المجموعة الاسبانية .

خصائص الفن البدائي

يذكر العلماء ان هناك تشابهة بين رسوم الكهوف في اسبانيا ورسوم قبائل البوشمان في افريقيا وحسب رائ الدكتور هربرت كوهن ان هذه الاقوام ترجع الى جنس مرتبط - بالثقافة الكابسية – وربما يقصد بان تلك الاقوام كانت تعتقد بالسحر وعبادة الارواح والموتى .. ويذكر ان الرسام البدائي كان يملك حساسية جمالية راقية وان الرسوم التي كشفت في الكهوف ليست الا نتيجة لمواهب خارقة . وكان الفنان يتخلى بشكل واضح عن التفاصيل لصالح الرمزية، فهو مثلا  يطيل جسم الثور لكي يوحي بعملية القفز . وعادة ما تكون الرسوم ذات لون واحد ومتدرجة ولها بعدين وخالية من التضليل . وكان الفنان البدائي يشغل وظيفة  في مرتبة مصور البلاط في العصور الماضية حيث له اهمية ومكانة خاصة عند الكهنة والناس و كان يرسم وينحت الآلهة ويجسد الارواح الشريرة وطردها،  وكذلك يرسم  الحيوانات وهي تجري وغيرها من مشاهد الصيد .

كهوف التاميرا

و من جانب آخر يذكر بعض العلماء ان حضورالانسان  واستقراره في كانتابريا يعود الى حوالي قبل مائة الف سنة ق.م. في نهاية العصر الحجري المتاخر ومن المحتمل ان هذا الانسان قد قدم من الشرق او افريقيا عبر مضيق جبل طارق  . وكانت هذه التجمعات البشرية الصغيرة اخذت بمرور الزمن تنمو وتتصل ببعضها حفاظا على وجودها من وحشية الطبيعة . وكانت مهنتها الوحيدة للعيش هي الصيد . ويذكر ان هذه المنطقة تعرضت لمناخ جليدي عم كل انحاء اوربا حيث تجمد كل شيء في الطبيعة مما اضطر الانسان الى الانتقال بضع كيلو مترات الى الداخل .

وقد عثر  في المجموعة الاسبانية على ثروة ثقافية وفنية تعد من اهم ماوجد في العالم  عن حياة الانسان الاول والذي ينسبه بعض المؤرخين الى العصر الحجري الاول .

وقد عثر  العلماء على عدد من الكهوف في شمال اسبانيا و التي تحتوي على  رسوم رائعة محفورة على الجدران ، ولكنها بمرور الزمن درست ثم اعيد ترميمها واصلاحها . ان ماتحتويه هذه الكهوف هو شيء مثير للاعجاب والتامل حيث اشارت الى كيفية  معيشة وحياة ذلك الانسان القديم ومعتقداته . وقد عثر على هذه الكهوف في اماكن Altamira، EL Castillo، La pasiega، Los Monedas، Covalanas، EL Pendo، Hornos de la pena ،EL Pendo وغيرها من اماكن تواجد الانسان القديم في منطقة كانتابريا .

التقنيات البدائية

وقد احتوت كهوف هذه المناطق على ثروة هائلة من الاثار الفنية . فقد وجدت رسوم بدائية متنوعة لحيوانات بسيطة الاشكال واخرى  اسطورية، منفذة على الجدران،  كما وجدوا اثاث وادوات  واشياء كثيرة، مثل العظام والاسنان وغيرها، والتي تستخدم بعضها كسلاح .

وقد نفذت هذه الرسوم بتقنيات مختلفة ومتعددة منها الحفر والتصوير والنحت وكان الحفر قد نفذ بواسطة اصابع اليد على مواد رخوة مثل الطين وكذلك بواسطة مادة الحجر  بعد سنها  وحدها  لاجل استخدامها في الحفر على الموادة الصلبة .

وكانت الاصباغ المستخدمة في الرسم مأخوذة من مواد طبيعية مثل اوكسيد الحديد ذو اللون القهوائي ومادة الكاربون النباتية  وغير ذلك،  وبدأت هذه العملية تنموا وتتطورا بمرور الوقت . يضاف الى ذلك ان الانسان الفنان القديم قد اشتغل في  اشكال الاحجار والجدران وتحويلها الى اشكال فنية جميلة واصيلة . هذه الاعمال البدائية نشاهدها اليوم عند مداخل الكهوف التي ذكرناها سابقا .

كما استغل الانسان القديم ضوء النار  وتوظيفه  في تنفيذ الاعمال وتقنية الالوان وكان احيانا يرسم على ضوء المشاعل داخل الدهاليز والكهوف . واصبح الرسم جزء من حياته ومعيشته، وكان يعتقد بالسحر، فعندما يهم في الخروج للصيد عليه قبل ذلك ان يرسم الحيوان على الجدار مضروبا بالسهام ومقتولا، وما عليه الا الخروج والقبض عليه ..

وقد فكر ذلك الانسان في جعل رسومه بعيدة عن تأثيرات مناخ الطبيعة المتقلب من حر ورطوبة وبرد وغيرها وفعلا نجح في ذلك حتى وصلتنا اليوم عبر الاف السنين .

وكان الموضوع الرئيسي الذي يظهر في رسوم الانسان القديم هوموضوع الصيد الذي كان  شاغله اليومي والذي يعيش عليه . فقد رسم عدد من الحيوانات مثل الغزلان والثيران الوحشية والابل والحصن . ولكن لم نجد حضورا واضحا ابداً للحيوانات الجارحة مثل الصقور وكذلك لم نجد تمثيلا لاشكال الانسان ماعدا طبعات الاصابع والايادي . وبالمقابل نجد زخما وكثرة في الزخارف المتنوعة من اشكال هندسية ونباتيه واشكال رمزية وغيرها . هذه الرموز نجدها غير واضحة المعاني ويعتقد انها ربما وضعت لطقوس دينية على الموتى وقضايا سحرية اخرى .

هذه النشاطات الفنية والاعتقادات الدينية كلها كانت قد بدأت حسب بعض المؤرخين وعلماء الاثار عند نهاية العصر الحجري الاول وبداية العصر الحجري الثاني او الحديث . وفي هذه المرحلة بدأت تظهر الغابات والاعشاب وبدأ يختفي العصر المتجمد مع اختفاء الحيوانات التي كانت عائشة على جو البرودة .

هذه التحولات دعت الانسان القديم الى التكيف مع الطبيعة والاتجاه الى الزراعة وتربية الحيوانات وتكوين التجمعات السكنية ثم انشاء المجالس الادارية الصغيرة كالمختارية على سبيل المثال وهكذا بدأت الحياة في التمدن والتحضر شيئاً فشيئاَ .

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم