صحيفة المثقف

الشباب والثقافة في عراق الحاضر

كثير من التساؤولات تدور في بالي، الى أين نحن سائرون بكل هذا الإنهيار الثقافي في الوسط الطلابي الجامعي؟ فجل هم الطالب الجامعي هو الإهتمام بالمظهر، ولا يهتم إلا القلة منهم بتطوير ثقافته وتنمية وعيه الأكاديمي. ولا هوايات لنا "نحن الطلبة" سوى التفكير بإمور "الدين والطائفية" أو بالصراع حول أفضلية فريقي كرة القدم "ريال مدريد أم برشلونه"، وحتى إنتماءاتنا هذه لا تُعد أن تكون سوى محاولة لقضاء وقتنا وهدره بسذاجة مُفرطة، ولا علاقة لكثير منا بالثقافة أو تطور العلوم والتكنولوجيا أو االإهتمكام بالتحولات الساسية والأيديولوجية التي تعصف ببلدنا "العراق" أو ببلداننا العربية. فلا يشعر سوى القلة منا بالمسؤولية، على الأقل تجاه أنفسهم. كيف لطالب جامعي أن يكون بمثل هذه العقلية البائسة ولا يرى في ذلك عيبا؟. لذلك أردت أن أُبين لنفسي العكس فأجريت إستطلاع رأي سألت فيه مجموعة من الطلاب والطالبات عن عدد الكتب التي يقرؤوها أو التي قرؤوها في الماضي ، فكان الجواب صادماً. فمجموع ما يقرأه الطالب من كتب خارج المنهج الدراسي تكاد تقترب من (الصفر). وبذلك أصابني اليأس وأدركت أننا نعيش جدب ثقافي يمكن أن يكون هو المشكلة العسيرة في الوقت الحاضر التي ستكون العقبة الأكبر في طريق تقدمنا في المستقبل، لأن الشباب هو من يصنع الغد، وحينما لا يكون جُل هؤلاء الشباب غير مُدركين لحجم المسؤولية المُلقاة على عاتقهم، فنحن لا بد سائرون للمجهول !! وهي مشكلة كبيرة ومُعقدة لست أنا من يستطيع حلها في ما أكتبه نا من سطور. ويُمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تُدرك حجم المشكلة التي أذكرها، فعندما أسأل طالب جامعي عن أي كتاب قرأ، يهزأ بي وكأن القراءة موضة قديمة كما وصفها البعض، فأستطيع أن القول أننا في خطر ونسير نحو الهاوية.

بكل تأكيد هناك الكثير من العوامل التي أوصلتنا الى قعر البئر وأرجعتنا الى كهوف إنسان النيادرتال، فأصبح أكبر همنا أن نأكل وننام، أو نفكر في إنشاء علاقات يشوبها الكثير من الريبة والشك القيمي.

وحين قرأت عن العراق منذ بداية الثمانينيات الى يومنا هذا، وجدت أن العراق مع بداية الحرب العراقيةـ الإيرانية وفي التسعينيات بحرب الكويت، قد تحولت الثقافة فيه الى ثقافة حرب. كتاب يُقدسون الحروب وشعراء يمجدون السلطان من أجل حفنة من الدراهم كما كان يفعل سابقوهم. والسياسة الخاطئة التي راح ضحيتها آلاف العراقيين وبذلك فقد أصبحت الكثير من العوائل العراقية دون معيل، فكان سُقيا الارض دماء طاهرة زكية راحت ضحية رغبات المستبد، وشهيد يقتفي خطوى شهيد، وفقيد ضاع سجل شجاعته بين لفظتي أسير وشهيد، وأسير ضيع الأحلام والعمربسُكنى وطن حر وشعب سعيد، وحينما عاد، ضاع منه القديم ولا معرفة له ولا دراية بالجديد، وبعد كل ذلك، كان الحصار الذي فرض على العراق وهو القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد أصبح العراق يُعاني الجوع والفقر، وبدأ الفساد يدب في أغلب مؤسسات الدولة أهمها: المؤسسة التربوية، حينما صار راتب المعلم لا يكفي قوت أيام ثلاث، ومعها المؤسسة العسكرية "الأمن والجيش والشرطة"، ومن ثم المؤسسة القضائية، فعندما يصبح القاضي والمعلم مرتشي ما الذي نرجوه بعد سوى الأمل بالشباب الذين لا زال الكثير منهم لا يعرف حجم الكارثة والمسؤولية المُلقاة على عاتقه للنهوض بالبلد والوصول به لبر الأمان الذي فقدناه منذ عقود.

والمشكلة الأكثر تعقيداً هي غياب دور المثقف وتخلي الكثير من المثقفين عن دوره الحقيقي في الكشف عن إخفاقات السلطة والمجتمع. حتى صار أسيرها والناطق بإسمها والمبرر لأيديولوجيا القمع التي تنتهجها، مبتعداً عن طموحات الجماهير وآمالهم، فإتسع التباين بين المثقف والجماهير، لدرجة وصلت إلى حد الإنفصال شبه التام بينهما.

إنها مشكلة العراقيين والعرب والمسلمين التي لا حل جليُ لها: مالعلاقة بين الثقافة والسياسة؟ وكيف يُمكن لنا حل مشكلة العلاقة بين الثقافة والدين؟ وبذلك نرى تأرجح المثقفين وفق مواقفهم أو مُتبنياتهم الأيديولوجيةز ولا تختلف المشكلة مع  رجال الدين المرتبطين بالسياسة او السياسيين الذين يدعون أنهم متدينون.

وبهذا فأن التدهور الذي أصاب العراق اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وتأثيره على الثقافة في العراق من جهة،  وتحديات العولمة التي إستطاعت ربط أجزاء العالم على الرغم من تباعدها وإنفصالها بروابط عدة حتى تحول العالم الى قرية صغيرة، من جهة أخرى.

مع العولمة صارت الهوية الوطنية مفهوماً قديماً، فما صنعته العولمة ومؤسساتها العابرة للقارات عبر فرضها لحُرية حركة رأس المال يُعادل ما صنعته المرحلة الإستعمارية بقرنيها الثامن عشر والتاسع عشر، من محو للهوية الوطنية، ولذلك نجد الصراع بين دُعاة العولمة ودُعاة الهوية الوطنية علة أشده في الفكر العربي المعاصر. لما في العولمة من هدم لعادات وقلب لقيم موروثة، لصناعة عادات وتقاليد مجتمعية جديدة، الأمر الذي يؤدي الى حدوث (تناشز اجتماعي) كما أسماه الوردي.

إن إحدى اشكاليات الثقافة العربية هي في بُعدها عن واقعها، أو في تقوقعها داخل ذاتها، وما زالت تغرف من نهر الثقافة والفكر الموروث الذي يكاد ينفذ زاد إنائه. والمشكلة الأكبر هي أننا مُصَرون على أن نبقى مجتمع إتباعي ـ تقليدي ، أي أننا نتلقى المعلومة جاهزة ومن ثم نحفظها وبعد ذلك نفخر بكوننا حفظناها وكأننا قد قدمنا إنجازا للبشرية .

مشكلاتنا كثيرة لكن أكبرها هي أننا دائما نفخر بما ندعي إمتلاكه من معرفة ودائما نصرخ في داخل السرداب فنعتقد أن الصدى هو ضجيج المعجبين، و ما زلنا مُصَرين على أننا أهل الحضارة والعمل ولا نُدرك أن ذقوننا قد أصبحت طويلة وعيوننا صارت مرافئً للذباب.

ياليتنا ندرك أين نحن الآن والى أين سائرون، يا ليتنا نُدرك أننا قتلنا الثقافة وقتلنا بغداد دون أن ندرك جريمتنا، ولو أفقنا لبرهة من الزمن، من السبات و العمى الذي خيَم على عقولنا قبل قلوبنا، لأدركنا أخطائنا، ولعرفنا كيف قتلنا الثقافة والحضارة وكيف قتلنا الأختلاف، لأننا لم نعترف يوماً أن الإختلاف ثراء وأن الإختلاف عطاء وان الإختلاف هو إختلاف الفنون والآداب.

إن الإختلاف يعني تنوعاً ثقافياً وحضارياً يبني حضارةً إنسانيةً ميزتها أنها متنوعة يضيف المختلف معنىً آخر للحياة وللمعرفة لمُختلف معه.

لا نملُلكُ سوى التأسي على ما نحن عليه وفيه اليوم (نحن الشباب) من عدم شعور بالمسؤولية والإحساس بدورنا في بناء مجتمع أفضل.

 

هيام علي المرهج

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم