صحيفة المثقف

سيرة ذاتية تحكمها الموضوعية.. رواية كاهنات معبد أور للشاعرة رسمية محيبس

1177 rasmiaعنوان الرواية هو بمثابة دليل جغرافي يخبرنا مقدما عن أن أحداث الرواية تدور حول شخصيات نسائية في الجزء الجغرافي الجنوبي من العراق وتحديدا في الناصرية حيث مدينة أور التاريخية وهي امتداد حضاري قديم يمتد إلى آلاف السنين.. هذه المدينة التي اشتهرت بمعابدها (الزقورة) وبكاهناتها اللوتي تمتعن بمكانة خاصة لدى المعبد و المجتمع بينما تكشف لنا رسمية محيبس عماوصلت حالتهن في زماننا هذا حيث احاطتهن معتقدات العار والثار بذنب العشق أو بدونه.

تحدثت رسمية عن العديد من النساء اللواتي صادفتهن في حياتها أو كانت على صلة مباشرة معهن بدءا من جدتها وامها واختها وقريبات وصديقات أو عابرات .. قصصهن في معظمها تعبر عن حالات عشق تنتهي نهاية مأساوية .

افتتحت روايتها بدون تمهيد بحادثة فظيعة تركت في نفسها أثرا عميقاً واجهتها وهي طفلة في أول يوم لها في المدرسة ويبدو أنها أرادت أن تنقل هذا الأثر الى القارئ بنفس الوقع المفاجئ وقد افلحت بذلك. (لاندري جثة من هذه التي تطفو على الماء قرب الجسر)(هذه امرأة بلا رأس). ص5

امرأة بلارأس لأنها رفضت زوجها واعلنت عشقها لرجل آخر في ليلة زفافها. كان هذا هو محور الرواية (حق المرأة في أن تعلن عن نفسها وحقها في اتخاذ قراراتها في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد الجائرة بحقها) .

لقد ركزت رسمية في روايتها على الحديث عن الآخرين في حياتها أكثر مما ركزت على الحديث عن نفسها فمثلا تجربة دخولها السجن بسبب مكيدة زميلتها المعلمة كنا نتوقع أنها ستركز على حالتها ومشاعرها وماواجهته من أساليب التحقيق أو التعذيب نجدها تختار نماذج من رفيقاتها في السجن لتكتب لنا عن سيرتهن وأسباب اعتقالهن وحتى ماجرى عليهن فيما بعد ..

لم تتطرق رسمية إلى علاقتها مع زوجها الشاعر المعروف كزار حنتوش هذه العلاقة الأهم خلال مسيرة حياتها وتركتها لكتاب منفرد عنونته (الحب مقابل الشعر) والذي ركزت فيه على كزار نفسه أكثر من علاقتها به ..

رغم أن رسمية حاولت أن تكون أكثر جرأة من كاتبات أخريات وهي تكتب رواية عبارة عن سيرة ذاتية وقد واجهت ماواجهت من انتقادات وزعل ممن ورد ذكره في الرواية إلا إنها بقيت محكومة أيضاً بالتقاليد الاجتماعية التي حدت من البوح بالمخفي الكثير الذي لو اتيح لها أن تكتب عنه لدخلت الرواية التاريخ من أوسع أبوابه كما يقال .. إن اجمل ماتميزت به هذه الرواية هو اعتمادها الفطرة والنقاء في السرد والتعاطي مع الشخوص والأحداث رغم أن الكاتبة امتلكت خلفية ثقافية من خلال قراءتها العديد من الكتب منذ صغرها كما ذكرت ذلك وشغفها في القراءة لحد كبير إلا إنها لم تظهر تأثرا واضحا في اسلوبها بشكل مباشر سوى أنها تمكنت من حبك روايتها بطريقة محترفة جعلت قراءتها ممتعة وبسلاسة كبيرة (مع ملاحظة لو ان تم تحريرها من تكرار بعض الجمل والعبارات) رغم أنها روايتها الأولى وهي شاعرة معروفة ومبدعة قبل كل شيء. لقد استغنت عن الأنا وتمسكت بالآخر. وأول الآخرين هو والدها والغراف النهر الذي تعلقت به إلى حد كبير جعلها تترك بغداد بسحرها لتعود إلى جرفه لتبث له مايعتمل في نفسها من هواجس وتتلو عليه قصائدها. لقد نجحت رسمية محيبس بفطرتها الجنوبية أن تضع بصمتها في السرد إلى جانب الشعر لتقف إلى جانب المرأة في قضاياها الإنسانية في مجتمع التقاليد والمحرمات.

 

منتهى عمران - البصرة - العراق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم