صحيفة المثقف

الارتباط التاريخي بين الفن والدين

khadom shamhod2يذكر صاحب كتاب – الفن والمجتمع – ارنولد هاوزر، ان الفنانين البدائيين في العصر الحجري القديم قد قضوا في تعلم وممارسة الرسم وقتا غير قصير وانهم شكلوا طبقة من المحترفين، بل ان العثور على تخطيطات ومسودات ورسوم تلاميذ مصححة يشير الى ان هناك نشاط تعليمي ومدرسة ومعلمين ... وكانت اعمال النحت (الاصنام) وبناء القبور توكل الى الرجال والسحرة والكهنة .. وفي العصر الحجري الجديد اصبح الفن ديني ودنيوي وكانت النساء قد اوكل اليهن اعمال الزخرفة والرموز الهندسية حيث يحمل هذا الاسلوب طابع الدقة والتنظيم والصبر وهذا عادة ما تقوم به النساء في المنزل من تنيسق ودقة وتنظيم، بمعنى انه كان ان هناك يوجد فنانات الى جانب دور الرجال في الفن في تلك العصور البدائية ...

ونستنتج من ذلك بان الدين والفن مكونان اساسيان في حياة الانسان ويبرزان يدا في يد من اعماق التاريخ المظلمة وهما مرتبطان ارتباطا لا ينفصم، كما ان الانسان لم ينقطع عن الطعام كذلك لم ينقطع عن حاجة الدين والفن .. ومن الجانب الآخر ان الاحساس بالجمال هو غريزة فطرية يتمتع بها كل انسان بغض النظر عن وضعه الذهني او بعده الزمني وقد قدمت بحوث كثيرة في هذا المجال .

مفهوم الدين والفن:

1 - الدين من دان وخضع وذل وهو طاعة المرأ والتزامه لما يعتقد به من فكر ومبادئ . وهو ايضا يعني مجموعة من الافكار والعقائد، وهو اعتقاد يرتبط بما وراء الطبيعة وتوضح هذه الافكار الغاية من الحياة والكون .. ولهذا لم نجد مجتمعا في التاريخ بدون دين على الاطلاق ..

في كتاب - معارك مع التنويريين والاصولين في الغرب – للمؤلف محمد ارطون يتحدث عن مفهوم الدين في الغرب وما طرأ عليه من تحولات في القرون الاربعة الماضية، وقد كان هناك رفضا كاملا للدين المسيحي .. وعندما قامت الثورة الفرنسية عام 1789 كانت ثورة علمانية حيث ثار الناس على الحكم المطلق والطبقة الاستقراطية ورجال الدين وقد هاجموا الكنائس واحرقوها ثم ذهب نابليون الى ايطاليا واعتقل البابا وسجنه، كما قضى على محاكم التفتيش في اسبانيا السيئة الصيت والتي زرعت الخوف والرعبت في قلوب الناس حيث كان يحرق العلماء والمفكرين وغير المسيحين في الساحات العامة ..

في كتاب –موسوعة الاديان – للعالم الاجتماعي الفرنسي لونوار . يقول ان الايمان لم ينقرض في اوربا بعد انتصار العلم والتكنولوجيا وان هذه العودة الى الدين لا يعني بالضرورة للدين المسيحي وانما لاعتقادات دينية اخرى مثل البوذية والصوفية وغيرها .. ويذكر ان 93 بالمئة من الامريكيين يؤمنون بالله ولكن ايمان حر غير مرتبط بممارسات عبادية ... كما يذكر انه حدثت احصائية في عام 1980 في 220 قطر عن نسبة المؤمنين فظهرت النتائج ان- 2 - في المئة ملحدين و98 بالمئة مؤمنين . وهنا يجب ان نفهم ان الدين ليس بالظرورة ان يكون الاسلام او المسيحية او اليهودية وانما بالمفهوم الذي عرفناه سابقا ..

ومن جانب آخر يتضح ان الكثير من العلمانيين وكذلك رجال الدين لديهم قراءة خاطئة للدين . فالعلمانيون يعتبروا رجال الدين هم الدين بحد ذاته فتوجه سهامهم اليه وهذه قراءة غير صحيحة .. اما رجل الدين فتكون قراءته وتفسيره يعبر عن فهمه الشخصي الحالي للدين، وقد يكون مخطئا او مصيبا ولهذا تختلف التفاسير لدى العلماء بمرور العصور وفي كل زمان . وبالتالي فالدين شئ ورجال الدين شئ آخر ..

2 - اما مفهوم الفن فيختلف العلماء والنقاد في وضع تعريف محدد له وذلك لارتباطه بالعديد من صنوف الحرف والمهن وحقول المعرفة الانسانية ولكن هربرت ريد يقول ان الفن التشكيلي هو محاولة لخلق اشكال ممتعة التي تشبع احساسنا بالجمال .. ولهذا اعتقد ان الجمال فن واخلاق ولو مارسه الانسان لخلق نفسا طيبة شفافة تبتعد عن كل الممارسات القبيحة .. اما الفنان فيعرف انه ذلك المبدع صاحب الخيال الذي يستطيع ان يستنطق الذات والتعبير عنها بشكل بصري او حركي او صوتي .

الفن والدين:

يذكر بعض العلماء بان هناك فرق بين مفهوم البشرية ومفهوم الانسانية، فالبشر تشمل مراحل متعددة ومتطورة من الخلق العام للكائن البشري والانسانية هي آخر مراحل الخلق والتطور البشري .. وتتحدث الكتب التاريخية والروايات الدينية بان هناك الف آدم قبل آدم ابو الانسانية .. وان آدم الاخير يحدد عمره البعض بين 30 الى 10 آلاف سنة قبل الميلاد ..

وكان تطور الفن يعتمد على تجارب الانسان الدينية وفهمه للكون حيث تطور من السحر والنزعة الروحية الى الدين . والمساحة الشاسعة بين تمثال زنجي في العصور البدائية وبين تمثال اغريقي هو نفس المساحة بين دين زنجي الذي يقوم على النزعة الروحية وبين النظرة العميقة التي تقوم على العقل للرجل الاغريقي .. وقد حضى الاغريق بنوع من التوازن الديني حيث فقدوا كل خوف من العالم الخارجي واصبح فنهم تعبيرا عما رأؤه في هذا العالم من جمال . وقد بحثوا في الفلسفة والاخلاق والفكر واعتقدوا بالآلهة وشيدوا المعابد وصنعوا لها التماثيل .

بينما كان الانسان البدائي يخشى من العالم الخارجي لانه يعتمد في معيشته على الصيد الذي تحفه المخاطر في مواجهة حيوانات شرسة وبعضها قاتله، وخف هذا الاضطراب بعدما انتقل الى مرحلة الزراعة وتدجين الحيوانات .

 وكانت رسوم الاساتذة الايطاليين في عصر النهضة مرتبطة بالدين كما كانت في العصور البدائية من الانسان القديم، وكان مايكل انجلو الذي يطلق عليه ابو - فن الباروك - قضى كل حياته يرسم للكنيسة حتى فقد بصر احد عينيه عندما كان يرسم وهو منبطحا على ظهره فسقطت ذرات صبغية في عينه .. وكذلك رافائيل ودافنشي والجريكو ورمبرانت وروبنز وغيرهم، كل هؤلاء كانت اعمالهم تعج بها كاتدرائيات اوربا وبالذات الفاتيكان .. وما كان لهؤلاء ان يحققوا الشهرة الكبيرة لولا رسومهم الدينية التي كانت يتعبد بها اكثر الناس في اوربا ... تحياتي

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم