صحيفة المثقف

بقايا حب في أغمات

rahman khodairabasلم يبق للمعتمد بن عبّاد سوى هذا الضريح الذي يحمل إسمه في أقاصي المناطق المهجورة من المغرب. أغمات قرية صغيرة مشغولة بهمومها، تبعد عن مراكش ثلاثين كيلومترا. وقبيل الوصول الى أوريكة. عليك ان تنحرف يسارا في درب مزدان بالحقول وأشجار اليوكالبتوس والأركان والنخيل. نصل الى هذه القرية الصغيرة التي لاوقتَ لها تبدده لمواساة أسيرها وضيفها الابدي، إمير إشبيلية المعتمد، والذي دارت به الايام لتحمله من جمال إشبيلية الى مغاور أغمات، ولتجعل من عزّه ذلا..  وهاهو يعانق حبيبته الابدية إعتماد الى الابد ، في قبرين متقاربين يتحديان القهر والذل والاسر. لم يبق للمعتمد سوى ذلك الضريح الذي بُني في سبعينات القرن الماضي  .  سادن القبر الذي عرّف نفسه (بعبد الكريم). رجل ستيني فصيح اللسان. يحفظ تاريخ الأندلس وقد تخصص في شعر بن عبّاد وحياته منذ ستة وثلاثين عاما  كما يقول .

 ولكنني لمستُ من خلال روايته التي تعلم ان يتلوها لكل الزائرين، انحيازا واضحا للمرابطين.  حيث اظهر ان ابن عبّاد قد حنث بالعهد، بينه وبين يوسف بن تاشفين. ولذا كان ردُّ الاخير طبيعيا، حيث أطاح به وأسره وأذله.

لم أشأ ان أناقش عبد الكريم السادن ماتلقن من كتابة المنتصر للتأريخ. 

أنا منحاز للمعتمد لأنه كان يُدرك الدفق الانساني للشعر والكلمات والمعاني،  والتي تشعّ بقيم الحياة . ولا أنحاز الى أمير المرابطين، الذي يمتلك عقلية عسكرية لاتتسع للأفاق الانسانية التي إمتلكها المعتمد بن عبّاد . وهو الذي قيل في مدحه :

ملك الملوك أسامعٌ فأُنادي    أم قد عدُّتك عن السَماع عوادي

وقد ذكر عنه الامام الذهبي:

" كان بابُه محطّ الرحال، وكعبة الآمال ".

 ولا أعتقد بان مثل هذا الشاعر والأمير أن يخون عهدا. بل انها الدوافع السياسية والاطماع التي تجعل الامم والطوائف في صراع من أجل البقاء. ولاشك أن الترف الذي عاشه المعتمد في إشبيلية، يعكس المستوى الحضاري التي وصلته تلك الحقبة من الزمن. حيث الصراع على أشده بين ملوك الطوائف. الذين ساهموا باسقاط تلك الحضارة التي تربعت على ربوع اوربا ثمانية قرون.

على ضفاف الوادي الكبير في الأندلس. قال شطر بيت كي يمتحن صديقه.

"صنعٓ الريحُ من الماء زرد " فأجابته جارية كانت تغتسل في النهر، بعد أن ساءها عدم قدرة صاحب الامير على الرد الشعري الملائم.

" أي درع لقتالٍ لو جمد ". هذا العجز الذي تفوّهت به (إعتماد الرُميكية) هو الذي سحر الامير، وحوّل حياته. فقد أحبها وعتقها من سيدها وتزوجها لتكون أميرة على قصر المبارك في إشبيلية.

قيل انه غيٌر اسمه، فسمى نفسه بالمعتمد حبا باسم إعتماد.

 وحينما أبدت رغبتها – يوما- ان تمشي على الطين. أمر بصنع طين من المسك والكافور وأنواع من المواد الفاخرة كي تمشي عليها في خيلاء ملكي. ولم تعلم أنّ الحياة ستجعلها تعيش في كهف طيني بمدينة أغمات وتموت قهرا وفقرا .

وقد رثاها المعتمد بألم قائلا:

أ. أغائبة الشخص عن ناظــري .. وحاضرة في صميم الفــــؤاد

ع. عليك السلام بقدر الشجون .. ودمع الشؤون وقدر السهاد

ت. تملكتِ مني صعب المـرامي .. وصادفتِ وُدِّي سهل القيـــــاد

م. مرادي لقياك في كل حيــن .. فيا ليت أنــــي أُعطَى مـــرادي

أ. أقيمي على العــهد ما بيــــننا .. ولا تستحيلي لطــــول البعـــاد

د. دسست اسمك الحلو في طي شعري .. وألفت حبــــًّا حروف اعتمـــاد

وقد جعل من كل حرف في هذه الأبيات الخمس مايعادل اسمها ( إعتماد)

ولم يتحمل المعتمد فرا ق زوجته . فلحقها بعد أربعة أشهر .  وقد رثى نفسه بهذه الأبيات التي أوصى بان تُكتب على شاهد قبره :

قبر الغريب سقاك الرائح الغادي   حقا ظفرتَ بأشلاء إبن عباد

بالحلم بالعلم بالنعمة إذا اتصلت   بالخصب إن أجدبوا بالري بالصادي

الى آخر القصيدة.

وقد أصبح قبره مزارا عبر التأريخ. وقد زاره الشاعر الكبير لسان الدين بن الخطيب

فرثاه بقصيدة يعارض قصيدة ابن عُبَّاد الموضوعة على شاهد القبر.

قد زرت قبرك عن طوع بأغمات    رأيت ذلك من أولى المهمات

ولعل الشاعرة الاسبانية ترينيداد سانشيز قد تعلقت به واصدرت في المغرب مجلة ادبية تحمل اسمه (مجلة المعتمد). وقد قالت فيه أجمل الشعر :

" لا أحد يستبين التراب الرحيم الذي يلقى جبينك

لا أحد يدلنا على مثوى أحلامك

 آين تنتهي هجعة أسطورتك الاخيرة

لا أحد يستصرخ السحر من أجل إنقاذ الورد، كي لايذوي في غياب حضورك الرائع

إنّ السكون وحده قادر على حفظ الكلمات

 

رحمن خضير عباس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم