صحيفة المثقف

بين صالح الرزوق وماجد الغرباوي

حين أقدّم لكتاب من تأليف الدكتور صالح الرزوق يحمل عنوان "جدلية العنف والتسامح دراسة في المشروع الإصلاحي لماجد الغرباوي" فإني اعرف جيدا أني أجد نفسي بين دارس قدير وأديب في الوقت نفسه هو الدكتور رزوق وبين صاحب مشروع أومنظّر وأديب هو الأستاذ ماجد الغرباوي لذلك عليّ من باب الموضوعية أن أوجز قدر الأمكان بما يعنيه الإيجاز من معان جليلة في جمل قليلة تليق أن تصف كتابا من كتب الدارس الباحث د صالح الرزوق.

لقد اعتدنا أن نطالع في دراسات النقاد والباحثين من حيث اهتمامهم بالمنهج التفسيري على حساب المناهج الاخرى وفي ذلك عقدة وأيما عقدة دافعها التستر على عيب المؤلف وعجز الناقد أو الباحث. والذي لفت نظري في هذا الكتاب أن المؤلف لا يقف مفسرا فقط شأن بقية الدارسين بل يقارن ويستنتج ويستبطن. لقد شرح لنا في مواضع وفسر ثم قارن بين فكر الغرباوي ومَنْ قبله أمثال محمد عبده والكواكبي ورشيد رضا وقاسم امين ثم استنتج أن الثلاثة الأول كانوا تنويريين لأنهم لم يقدموا حلولا ناجعة في حين أن هناك تقاربا بين خط قاسم أمين ومنهج الغرباوي من هذا ندرك جيدا أن الغرباوي هو إصلاحي حيث أن الإصلاحي يدعو للتغيير من خلال معالجة القضية أما التنويري فهو لا يصطدم وقد لا يجد حلا للمشكلة[1]

والحقّ أن المشكلة التي تناولها السيد الغرباوي هي قضية معقدة وحساسة تتمثل في كون الدين هو محورها الاساس حيث أشار الباحث الرزوق إلى أن هناك ثلاثة محاور عمل عليها الغرباوي في ترسيخ منهجه وهي:

- تجديد الفكر الديني.

- تحرير المرأة.

- وإنكار العنف ورفضه.

والحق إن هناك اساسيات في الدين يتفق عليها الجميع بخاصة في الدين الإسلامي وهي التوحيد والنبوة والقرآن والصلاة والصيام والحج.. أي الاصول والفروع التي يؤدي إنكار أحدها هدم الدين نفسه وتلك محاولة لم تقم من اي من المهتمين في الحقل الديني سواء الذين سماهم د. الرزوق بالتنويريين أمثال الكواكبي والإفغاني. أو من دعاهم بالمجددين كالسيد ماجد الغرباوي.

واللافت للنظر أن عمل الغرباوي وجهوده تنصبّ على ما نتمسك به نحن من إرشادات دينية وتوجيهات جعلها تزمتنا من حيث ندري أو لاندري بمثابة الأصول وتلك المعاني تتعلق بمسألة الديمقراطية والدين[2] أولا وقبل كل شيء. مع العلم أن الدمقراطيين الغربيين والإصلاحيين العرب لم يمسوا ثوابت الدين ولا علاقة لهم بها.إن جهود هؤلاء توجهت إلى قضايا فرعية تمثل أغلبها في الاقتصاد والمعاملات و لنا مثال واضح حول هذين الحقلين بقضية الإرث وإرث المرأة والزواج والطلاق وحق التعليم، وتولي المناصب، وولاية الأمر على المرأة.

1 salih

ومن خلال اطلاعي على بعض مؤلفات الباحث الغرباوي وكتاب د. الرزوق هذا الذي بين يدي أدركت أن البحث في الدعوة إلى التجديد تستند بالدرجة الأولى إلى عنصر الزمن الذي التفت إليه قبل أكثر اربعة عشر قرنا الإمام علي ع حين قال كما يروى عنه "لا تعلموا أبناءكم  على عاداتكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم " ذلك العامل الذي يؤثر سلبا أو إيجابا في قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية. إن ثوابت الدين سواء الأصول أم الفروع لا يمكن أن تتأثر بحركة الزمن .لا أحد يدعو إلى التغيير في مفهوم التوحيد وجوهر الصلاة والصوم بل لا أحد يسأل لِمَ جاءت صلاة المغرب بثلاث ركعات أوالظهر بأربع  أو لم وجب أن تُقرَأ  سورة الحمد في كل صلاة كما لا نجدمن يطالب ان يتقلص رمضان إلى عشرة  ايام أو يصبح أربعين يوما هذه ثوابت يقرها الدارس د. صالح الرزوق والباحث الغرباوي، لكن هناك الكثير في الأوامر – من غير الثوابت- يمكن أن يطرأ عليها التغيير بخاصة المباحات بعض هذه المباحات تتعلق بقوانين محلية مثل مسألة تعدد الزوجات، الزواج من المباحات وتبدو القضية مباحة في الدين الإسلامي ومحددة بأربع[3]. إن قضية الزواج وملك اليمين وردت في باب المباحات التي يمكن أن تناقش حيث أن المجتمع أصبح أكثر تعقيدا في العصرالراهن. الزواج مسؤولية يحتاج إلى متابعة واهتمام ومراقبة بل إن القدرة المالية  لم تعد تكفي وحدها لذلك ظهر في العراق قانون الأحوال الشخصية عام 1959 الذي يبيح زواج الرجل بامرأة اخرى شرط موافقة الزوجة الأولى وفي هذا العام صدر قرار من البرلمان التونسي بمنع تعدد الزوجات.والحق إن تلك الإجراءات وفق وجهة نظري أو  نظر الإصلاحيين أمثال د. الرزوق والغرباوي هي لا تمس جوهر الإباحة الذي هو الزواج بل في تقنينه وتنظيمه وجعله بجزئياته مواكبا للعصر ومتكيفا مع حركة المجتمع.

ولكي نعزز رأينا نستطيع أن نضرب مثلا آخر ورد في القرآن هو ملك اليمين أو الرق. لم يحرم الإسلام الرق لكنه لم يشجع عليه، وهو من باب المباحات، لنفرض الآن أن هناك حربين – لا قدر الله _ وقعتا الأولى بين دولة باكستان السنية والهند والحرب الأخرى بين دولة إيران الشيعية والولايات المتحدة الأمريكية من حيث الدين يحق للباكستان أن تعد الجنود الهنود أرقاء تبيعهم أو تطلب فدية عنهم أو يكونون عبيدا عند الجنود الذين أسروهم وكذلك تفعل إيران زد على ذلك أنه في غير الحرب لو أن تاجرا من الجزيرة العربية ذهب إلى بلد فقير ووجد عائلة هناك تبيع ابنها فمن حقه أن يشتريه ليصبح عبدا له أو ان شخصا اشترى من تايلند عدة نساء وصحبهن إلى بلده ليكن أماء له خادمات يمارس معهن الجنس ذلك الأمر، في الحالات السابقة، لم يمنعه الدين  لكن الأمر أصبح من ا لمحظورات لأن هناك قرارا امميا يمنع الرق.

إذن هناك منع وامتناع في دائرة المباحات التي درسها لباحث الرزوق من خلال مؤلفات الغرباوي إذ جئت في مقالي الموجز هذا لأوضحها وأعقب عليها حيث نجد المنع يتجسد في الشكل التالي:

أولا إجراءات من قبل الدولة نفسها تحدد مباحات الدين الرسمي للدولة نفسها سواء منعا أو تقييدا إذ يبقى المباح كما أمر به الدين كالزواج مثلا والتقييدأو المنع يأتي في تفصيلاته[4]، والإرث الذي يحق فيه للأب أن يحرم أحدأبنائه منه لكنهلا يحق له أن يساوي بين ابنته فيه وابنه [5]

ثانيا إجراءات أممية تمنع المباح كما هو في الرق وملك اليمين الذي أباحته الديانات التوحيدية الثلاث وجاءت قرارات الأمم المتحدة لتمنعه، وقد وجدت شبيها لذلك في الفكرين الشيعي والسني، عند الشيعة العمل في " الباب الثاني"ويتجلى الأمر في مسألة قطع يد السارق إذ يرى الشيعة أن قطع اليد يأتي بعد خمسة وعشرين شرطا، وعند السنة أيضا وإن لم يعلنوا عن ذلك لكن الدول السنية – باستثناء السعودية فقط وداعش- لا تمارس قطع يد السارق عملا بالباب الثاني وتكتفي بسجنه فقط.

الواقع إن هناك أمورا حيوية وجادة طرحها الكاتب والمصلح السيد ماجد الغرباوي في مؤلفاته ثم جاء الباحث القدير الدكتور صالح الرزوق ليناقشها ويحللها ويمهد لها بدراسة تاريخية واجتماعية موثقة في كتابه القيم" جدلية العنف والتسامح دراسة في المشروع الإصلاحي لماجد الغرباوي" وهو كتاب جدير بالقراءة لا يمكننا أن نفيه حقه في مثل هذه العجالة بل أترك ذلك للباحثين والمختصين في هذا الحقل.

 

د. قصي الشيخ عسكر

...............

[1] في الأدب يذكِّرنا قول د. رزوق عن الفرق بين التنوير والإصلاح بمحاولة الزهاوي حين كتب قصيدة من البحر الطويل مختلفة حرف الروي فهو تنويري ظن المشكلة في العروض أما السياب فهو إصلاحي لانه غير في نظام العروض والتفعيلة.

[2] حاول المرحوم  د. مصطفى جمال الدين وهوعالم دين معمم وباحث وشاعر أن يدعو في ثمانينيات القرن الماضي إلى نظرية ذات ثلاثة اضلاع هي: العروبة والإسلام والديمقراطية، وهذا نجده في مقدمة ديوانه الضخم المطبوع حينذاك في دمشق، لكن الشاعر جمال الدين لم يدخل في تفصييلات وشروح عن تلك النظرية بل هي أقرب ما تكون إلى فكرة أو رأي مطروح.

[3] هذا للناس أما الأنبياء فيستثنون من القاعدة تلك فلهم خصوصية مثل داوود وإبراهيم ومحمد عليهم السلام. وأظن أن اليهود منعوا أنفسهم من حيث القانون وليس الدين  تعددالزوجات في القرن الثالث عشر تمشيا مع  قوانين الدول الأوروبية التي يعيشون بين مجتمعاتها  كما إن هناك طائفة صغيرة مسيحية في الولايات المتحدة تقر تعدد  الزوجات ويستثنيها القانون الأمريكي.

[4] مع ذلك نجد الكثير من المسلمين يتحايلون على قوانين الدول الأوروبية التي منحتهم الأقامة والعمل والتجنس تلك القوانين التي وقعوا عليها كأن يتزوجوا من مثنى وثلاث خفية دون أن يسجلوا ذلك خشية من العقاب وأغرب من ذلك أن بعض علماء المسلمين في مصر وغيرها من الدول السنية افتوا بإباحة  زواج المتعة للمسلم المقيم في دولة أوروبية منمسلمة وغير مسلمة!

[5] كنت قد ناقشت في الدنمارك مع شيخ دين متنور فقال إن الرجل ياخذ الضعف وعليه أن يبني بيتا وينفق على زوجته والبنت تاخذ نصف الحصة وعندماتتزوج يبني لها زوجها بيتا ويصرف عليها فهما متعادلان لكن هذا كان في الماضي الآن هناك فرص عمل للمرأة وقضية الضمان الاجتماعي وامور أخرى كثيرة !

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم